حسابات القوى تخلط حسابات فرنسا في معاقلها التاريخية

واشنطن تقرر تعيين مبعوث خاص في منطقة الساحل

واشنطن تقرر تعيين مبعوث خاص في منطقة الساحل
  • القراءات: 540
م. مرشدي م. مرشدي

يرتقب أن تعين إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب خلال الأسابيع القادمة مبعوثا خاصا عنها إلى دول منطقة الساحل لمراقبة الأوضاع العسكرية في ظل تنامي الأعمال الإرهابية التي أصبحت تهدد كيانات دول بأكملها.

وكشفت مجلة ”فورين بوليسى” الأمريكية المهتمة بقضايا الراهن الدولي أن الإجراء ”يأتي في وقت صعدت فيه الجماعات الإرهابية عملياتها المسلحة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو  وبدأت تهدد بنقلها إلى جنوب دول الساحل”.

وأضافت المجلة أن المبعوث الخاص الجديد سيرأس فريق عمل مشترك يضم مسؤولين عن كتابة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية (سي.أي.إي) ووزارة الدفاع ومختلف الوكالات الأمنية الأمريكية الأخرى، تتمحور مهمتهم حول تنسيق آليات تعامل الإدارة الأمريكية بشكل أنجع مع الجماعات المتطرفة في هذه المنطقة الساخنة. ونقلت ”فورين بوليسى” عن مسؤولين سابقين ومساعدين في غرفة النواب (الكونغرس) أن تفاصيل الخطة ما زالت قيد البحث وأن هذه الخطوة لم تصبح رسمية بعد. وقال العديد من المسؤولين إن الإدارة تقوم أيضا بصياغة إستراتيجية جديدة لمنطقة الساحل لتحديد الإطار العام لعملية التحرك هناك.

وقال مصدر مسؤول ممن تحدثوا للمجلة، إن تحرك الإدارة الأمريكية جاء على خلفية خطورة الأوضاع الأمنية في مختلف دول الساحل وزاده تدهورا ما وصفه بأنه ”هشاشة الأوضاع الاجتماعية في المنطقة بسبب التغيرات المناخية التي أدت إلى ندرة المواد الغذائية الأساسية مما أرغم السكان المتضررين على النزوح من منطقة إلى أخرى بحثا عن لقمة العيش ضمن مشهد يجعل فئة الشباب أكثر حساسية للدعاية المتطرفة  والانخراط في صفوفها مقابل إغراءات لا يمكن الصمود أمامها.

ويعرف الوضع الأمني في منطقة الساحل تدهورا رهيبا في السنوات الأخيرة جعل الكثير من المتتبعين ومختلف الهيئات الإفريقية تدق ناقوس الخطر تجاه وضعية تستدعي اهتماما دوليا أكبر لاحتواء تطورات من شأنها تحويل المنطقة إلى أفغانستان ثانية في إفريقيا.

وسبق لمفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، الدبلوماسي الجزائري، إسماعيل شرقي أن أثار هذه الوضعية خلال اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي، حول العنف الطائفي والإرهاب في منطقة إفريقيا الغربية.

وحث إسماعيل شرقي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة على إنشاء آلية مشتركة لتنسيق العمل ضمن استراتيجية أمنية في منطقة الساحل، بقناعة أن غياب التضامن الإقليمي والوطني أصبح يبعث على القلق في ظل المنحنى التصاعدي الذي عرفته العمليات الإرهابية في الأشهر الأخيرة، سواء ضد القوات النظامية لهذه الدول أو ضد المدنيين في المناطق النائية.

ولكن المقاربة التي دافع عنها الدبلوماسي الإفريقي، تسير نقيض تحركات القوى الدولية التي أصبحت تنظر إلى منطقة الساحل كنقطة ارتكاز محورية لتوسطها القارة الإفريقيا على أساس أن من يتحكم فيها يتحكم في قارة أصبحت محل أطماع مختلف القوى الساعية إلى زعزعة منطق الأبوية الذي فرضته القوى الاستعمارية على مستعمراتها السابقة.

وإذا كانت الصين وروسيا، وبدرجة أقل الهند واليابان وحتى تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، قد بدأت تتحرك ضمن سياسية الخطوة خطوة في إفريقيا، فإن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب خالفت هذا المنطق عبر رغبتها في إحداث هزة قوية من شأنها أن تضمن لها أن تكون أول قوة مهيمنة في قارة تحولت إلى أكبر مصدر لمختلف المواد والثروات الطبيعية التي تحتجاها الاقتصاديات الغربية.

ولم يخف الرئيس الأمريكي هذه الرغبة قبل أشهر عندما أكد أن بلاده تعتزم تغيير الأوضاع في منطقة الساحل في إشارة قوية إلى فرنسا التي بقيت على مدار ستة عقود بعد استقلال دول المنطقة، القوة المتحكمة في دواليب سلطاتها ضمن منطق استعماري جديد وصل إلى حد الوقوف وراء انقلابات عسكرية للإطاحة بأنظمة قائمة وتعويضها بأخرى أكثر ولاء لها.

وهو ما يفسر المخاوف التي تبديها أعلى مراكز اتخاذ القرار في فرنسا بسبب الانحسار المتزايد للتأثير الفرنسي في هذه البلدان بعد أن انشأت الولايات المتحدة قاعدة جوية للطائرات المسيرة جوا في دولة النيجر وإبرام روسيا لصفقات عسكرية مع دولتي النيجر وبوركينا فاسو وقبلها مع دولة إفريقيا الوسطى، وهي كلها دول كانت ومازالت تدور في فلك التأثير الفرنسي.

ولولا ذلك لما قرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون قضاء أعياد نهاية العام المسيحي أول أمس، في كوت ديفوار إذا سلمنا بقداسة هذه الأعياد وأهمية قضائها وسط الأهل والأقارب. ويكون الرئيس الفرنسي، قد أراد من وراء ذلك توجيه رسائل مشفرة تجاه القوى التي أصبحت تزاحم مصالح بلاده الضخمة في المنطقة، والقول إن فرنسا لديها كلمة تقولها وأنها لن ترمي المنشفة من أول جولة في منازلة مازالت مفتوحة على كل الاحتمالات.

وإذا كان الصراع الدولي الخفي أصبح يخيف باريس، فإن ما أصبح يخيفها أكثر العداء المعلن للرأي العام  في دول الساحل من خلال مظاهرات صاخبة طالبت برحيل القوات الفرنسية التي اعتبرتها استعمارا جديدا تحت غطاء محاربة الإرهاب، بل إن مسؤولين في رتبة وزراء في هذه الدول لم يعد يخيفهم التعبير عن مواقفهم الرافضة للمنطق الأبوي الفرنسي وأكدوا على ضرورة تنويع شركاء بلدانهم من غير فرنسا ضمن رسالة ستفتح المنطقة على تطورات هامة في قريب الآجال.