أنوب الغاز "ستريم ـ 2" يعمق الشرخ بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة

أكبر اختراق "اقتصادي" روسي في أوروبا

أكبر اختراق "اقتصادي" روسي في أوروبا
  • القراءات: 667
م. مرشدي م. مرشدي

كان الرد الروسي والأوروبي الرافض لقرار الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات قاسية على كل شركة تواصل أنشطتها في إتمام أنبوب الغاز الضخم الرابط بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق، المعروف اختصارا باسم "ستريم ـ 2" سريعا وقويا ضمن خلاف منتظر أن يتفاعل باتجاه قبضة لها آثارها المباشرة على علاقات دول ضفتي الاطلسي.

ولأن المشروع الضخم الذي سيربط الاوربيتين يحمل أبعادا استراتيجية واقتصادية ضخمة فإن الرد الروسي والألماني وحتى  الاوروبي كان قويا لإدراك العواصم الثلاثة أن فرض عقوبات مشددة على كل من يساهم في انجازه يعني قتل المشروع في مهده وقد بلغ نسبة 80 بالمئة من نسبة إنجازه.                       

وأصبحت الولايات المتحدة تنظر بعين الريبة إلى هذا المشروع لقناعتها أن روسيا تمكنت بفضله من تحقيق أكبر اختراق اقتصادي بأبعاد جيو ـ سياسية في قلب الدول الاوروبية ليس لأنها تمكنت من تجنب الوقوع في فخ أنبوب "ستريم ـ 1" العابر للأراضي الاوكرانية ولكنها ستتمكن بفضله من ربط علاقات أكثر متانة مع مختلف البلدان الاوروبية التي كانت إلى وقت قريب تسبح في الفلك الامريكي.

وإذا أخذنا بهذه المقاربة فإن الانبوب بقدر ما سيعمق العلاقات الروسية ـ الاوروبية فإنه سيكون في المقابل بمثابة بذرة لزرع شقاق أكبر في العلاقات الاوروبية ـ الامريكية المهزوزة في السنوات الاخيرة بسبب المواقف العدائية التي ابداها الرئيس، ترامب تجاه حلفاء بلاده الاوروبيين.

وأدركت الادارة الامريكية خطورة هذا الانبوب سواء من حيث كميات الغاز الاضافية المتدفقة باتجاه الدول الاوروبية الراغبة في تأمين تموينها بهذه المادة الحيوية ولكن بسبب تهديده للمصالح الامريكية في قارة عجوز كانت امتدادا استراتيجيا لها وراء المحيط الاطلسي وفي وقت تريد الولايات المتحدة أن تجعل من الدول الاوروبية أكبر سوق للغاز الصخري الذي أصبحت تصدره في السنتين الاخيرتين.

وتعيب الولايات المتحدة على حلفائها الاوروبيين اختيارهم لهذا الانبوب بقناعة أنه سيتحول مع السنين إلى ورقة ضغط روسية خانقة لا يمكنهم قول كلمة "لا" لكل ما تريده منهم موسكو بخصوص المسائل والمواقف السياسية.

ولم تكن الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس الامريكي، دونالد ترامب تجاه المستشارة الالمانية، أنجيلا ميركل بخصوص ضعف تمويلها لميزانية حلف الناتو بينما تقوم بتمويل مشروع أنبوب الغاز الواصل إلى أراضيها انطلاقا من حقوق الغاز الروسية العام الماضي، سوى بداية للتطورات التي افرزتها العقوبات الامريكية على شركات معظمها اوروبية.

وصعدت المستشارة الالمانية، انجيلا ميركل في لهجة ردها على العقوبات الامريكية وأكدت أنها "ضربة مباشرة للشركات الألمانية والأوروبية وتشكل تدخلا في شؤوننا الداخلية " في نفس الوقت الذي اكدت فيه رفضها لما اسمته بـ"العقوبات المفروضة من خارج أراضيها". وهو الموقف الذي تبناه الاتحاد الاوروبي الذي اعترض على مبدا فرض عقوبات على شركات اوروبية تنشط بطريقة شرعية".

وأرجعت السلطات الروسية من جهتها فرض الولايات المتحدة لمثل هذه العقوبات الى الإيديولوجية الامريكية الرافضة للمنافسة الاقتصادية العالمية.

وقالت ماريا زخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية إن فرض عقوبات من دولة مدانة بأكثر من 22 ألف مليار دولار على دول بميزانية مربحة من تطوير اقتصادياتها أمر غريب "واضافت بكثير من التهكم "انهم سيلجأون في مرحلة لاحقة الى منعنا من التنفس ".

ويبدو أن الادارة الامريكية توقعت مثل هذه الردود مما جعلها تتخذ احتياطاتها من أجل فرض احترام عقوباتها عندما ادرجت في ميزانيتها الفيدرالية للعام القادم مادة تنص صراحة على تجميد ودائع الشركات التي تخرق القرار ومنع منح التأشيرة لمسؤوليها من دخول التراب الامريكي.

واذا كانت شركة "اول سيز" السويسرية المختصة في وضع أنابيب نقل الغاز في اعماق البحار أول شركة تقرر تجميد نشاطها في هذا المشروع الضخم في انتظار توضيحات أمريكية، فإن قائمة هذه الشركات مرشحة للارتفاع لاحقا بعد أن تعلن وزارة الخزينة الامريكية عن قائمة الشركات التي سبق لها ان وقعت على صفقات لإتمام إنجاز هذا المشروع الممتد على الاف الكيلومترات بين الحقول الروسية ومختلف بلدان اوروبا الغربية عبر بحر البلطيق وقدرت تكاليف انجازه باكثر من عشرة مليار دولار.

وقد اختار الرئيس الامريكي توقيت فرض هذه العقوبات بعد أن أوشك المشروع على دخوله الخدمة بداية العام القادم وشكل ذلك ضربة قوية لمشروع تعتبره روسيا متنفسها الاقتصادي وطريقة للتملص من العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة عليها.

ورغم محاولة الولايات المتحدة تبرير عقوباتها غير المنطقية على شركات دول حليفة بدعوى وقوفها إلى جانب أوكرانيا في خلافتها مع روسيا منذ إقدام هذه الاخيرة على ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها سنة 2014 والحرب الانفصالية في شرق هذا البلد الا هذه المبررات فقدت معناها بعد توصل موسكو وكييف أمس إلى اتفاق ينهي خلافاتهم بخصوص عائدات انبوب الغاز العابر لأراضيها "ستريم ـ 1" وقرار شركة غازبروم الروسية بتعويض أوكرانيا بـ2,5 مليار دولار كعائدات توسيق الغاز الروسي الى بروكسل عبر تركيا.