مظاهرات 11 ديسمبر 1960

قوة التلاحم الشعبي

قوة التلاحم الشعبي
  • القراءات: 862
مليكة. خ مليكة. خ

يحيي الشعب الجزائري، اليوم، ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960، التي تعد حدثا تاريخيا بارزا في مسيرة الثورة التحريرية، إذ بفضلها تم اختراق صمت الأمم المتحدة، معلنة قوة التلاحم الشعبي للجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات عبر شوارع المدن الجزائرية حاملين العلم الوطني رمز العزة، مؤكدين بذلك رفضهم القاطع لمخططات الجنرال ديغول في القضاء على الثورة وتحطيمهم نهائيا خرافة الجزائر فرنسية يتزامن الاحتفال بهذه الذكرى مع حدث هام تعيشه البلاد وهو تنظيم الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها غدا في ظل الاجواء الديمقراطية التي تعم ربوع الوطن منذ اشهر للمطالبة بالتغيير السياسي و إبعاد رموز النظام السابق.

وتبقى هذه المحطة التاريخية التي تعد نموذجا في التلاحم الشعبي منعرجا حاسما في مسار الثورة، لكونها أجهضت مخطط الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، الذي كان يسعى لجعل الجزائر فرنسية في إطار فكرة الجزائر- جزائرية، حيث خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية، لتأكيد مبدأ تقرير المصير والوقوف ضد المعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحلمون بالفكر الاستيطاني في حين قامت السلطات الفرنسية بقمع هذه المظاهرات بوحشية مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء.

أظهرت هذه المظاهرات حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية أمام الرأي العالمي، الذي واجه مظاهرات الشعب الاعزل مدعما بقوات الحلف الأطلسي بالقمع والسلاح.

ففي يوم الأحد 11 ديسمبر انطلقت المظاهرات بالعاصمة في حي بلكور (شارع بلوزداد حاليا)، لتتوسع إلى أحياء كل من المدنية، باب الوادي، الحراش، بئر مراد رايس، القبة، بئر خادم، ديار السعادة، القصبة، مناخ فرنسا (وادي قريش)، كمـا عرفت كذلـك ساحــة الورشــات (أول ماي حاليا) وشـوارع ميشلي (ديدوش مراد حاليا)، كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال هاتفة بحياة جبهة التحرير الوطني. وسرعان ما ظهر التنظيم المحكم في هذه المظاهرات إذ عينت لجنة تنظيمية في كل حي، لتمتد إلى المدن الجزائرية الأخرى في الأيام اللاحقة في كل من تيبازة وشرشال في 12 ديسمبر، سيدي بلعباس وقسنطينة في 13 ديسمبر وعنابة في 16 ديسمبر.

وكان لرفع الراية الوطنية وقع كبير على الفرنسيين، مما أدى إلى إطلاق النار على المتظاهرين مما أدى إلى تأجيج هذه المظاهرات التي كانت بمثابة ”استفتاء شعبي” على الاستقلال. وكان هذا التوقيت مناسبا في الجبهة الداخلية والخارجية، حيث مكنت هذه المظاهرات من إيصال القضية الجزائرية إلى كل ربوع العالم بفضل الصحافة الدولية التي جاءت لتغطية زيارة الرئيس الفرنسي.

وعليه، فقد كانت هذه المظاهرات بمثابة انفجار بركاني ضد الاستفزازات الرامية للقضاء على هوية الشعب وجعل الجزائر قطعة من فرنسا، حيث عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة شارل ديغول والمعمرين معا، حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960. وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات وفرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي. ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مسلمة مستقلة ضد شعار ديغول (الجزائر جزائرية)  وشعار المعمرين (الجزائر فرنسية).

فبعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة شارل ديغول يوم 9 ديسمبر ومظاهرات المعمرين يوم 10 منه، جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعبر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام. وخرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها.

وقد بينت المظاهرات حالة الارتباك التي أصابت الاستعمار، كما أبرزت مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة، وهو ما عكسه الخطاب الذي ألقاه فرحات عباس في 16 ديسمبر 1960 في شكل نداء، حيث أشاد فيه ببسالة الشعب وفضح فيه للعلن وحشية وغطرسة الاستعمار.

وبذلك فضحت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم كما ابرزت خيبة أمل كبيرة للفرنسيين، لاسيما بعد فشل فرنسا في معركة ديان بيان فو بالهند الصينية.، في حين عبرت في المقابل عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة الجزائر جزائرية وفكرة المعمرين الجزائر فرنسية. واتسعت دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم وحتى في فرنسا نفسها، حيث خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات مؤيدة للقضية الجزائرية، أدخلت فرنسا في نفق الصراعات الداخلية وعزلة دولية الأمر الذي أجبر ”ديغول” على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري. كما اقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.

وعليه، يمكن القول أن مظاهرات 11 ديسمبر قد غيرت مجرى التاريخ ومسيرة الثورة الجزائرية، مما اثار اهتمام الصحافة الدولية آنذاك. ونذكر في هذا الصدد ما كتبه الصحفي البريطاني إدوارد بورن (وكالة رويترز، وجريدة التايمزالبريطانية)، حيث كان شاهد عيان على الأحداث خصص في هذا الصدد صفحتين في كتابه حول مظاهرات 11 ديسمبر، تميزت ”بالحكمة” والموضوعية إذ وصفها هذا الصحفي البريطاني ب« الانتفاضة الشعبية” في المدن ضد سياسة ديغول وزيارته.


عين تموشنت تستذكر أحداث 9 ديسمبر 1960      

أحيت ولاية عين تموشنت، أمس، الذكرى 59 المخلدة لمظاهرات 9 ديسمبر 1960 وهي محطة لها وزنها في التاريخ باعتبار أن مدينة عين تموشنت كانت أول ولاية ترفض زيارة الجنرال ديغول وتعلن تمسكها غير المشروط باستقلال الجزائر حاملة العلم الجزائري وشعارها الجزائر حرة مستقلة وموحدة.

بالمناسبة، سطرت الرابطة الولائية للرياضة المدرسية وبإشراف مديرية التربية برنامج اثريا بالساحة العمومية 09 ديسمبر 1960 أمام مقر البلدية تضمن نشاطات ثقافية وفنية لبراعم المتمدرسين القادمين من مختلف المؤسسات التربوية الابتدائية منها والمتوسط .بالمناسبة قامت والي الولاية السيدة ويناز لبيبة بزيارة لأحد رموز 09 دسيمبر المجاهد عبدالقادر عفيف.

كما كانت المناسبة فرصة لإعطاء اشارة انطلاق أشغال الشطر الثاني من الحديقة الحضرية بالشارع الرئيسي الفاتح نوفمبر لينتقل الوفد إلى دار الثقافة التي أطلق عليها اسم المجاهد

والاعلامي البارز عيسى مسعودي وتكريم عائلته. من جهته أكد رئيس جمعية 09 ديسمبر 1960 المجاهد محمد بن عبد السلام أحد شهود عيان تلك المظاهرات أن عين تموشنت تركت بصمتها في تاريخ الثورة المجيدة بمشاركة جميع أبنائها في الأحداث التي كانت بمثابة الصخرة التي تحطمت عليها أطماع ديغول وتحدت وحشية الاستعمار.

محمد عبيد