عادت إلى إفريقيا عبر المساعدات العسكرية

روسيا تهدد نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة

روسيا تهدد نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة
  • القراءات: 1309
م. م م. م

بدأت روسيا تعود بخطى حثيثة إلى إفريقيا عبر البوابة الأمنية المتردية في مختلف بلدان القارة، ضمن تعاون فرض نفسه بسبب تزايد تهديدات التنظيمات الإرهابية والاستعداد الذي أبدته موسكو، لمد يد المساعدة لتأهيل قوات هذه البلدان في إطار معركتها لاستعادة الأمن المفقود.

وكانت العودة الروسية إلى الساحة الإفريقية هادئة ودون صخب، بدأتها قبل سنوات بإرسال قوات وخبراء إلى إفريقيا الوسطى، قبل أن تسجل أول تقارب مع مالي بتوقيع وزير الدفاع المالي، الجنرال إبراهيم ظاهيرو دومبيلي، ونظيره الروسي الجنرال سيرغي شويغو، شهر جوان الماضي، على اتفاق  عسكري تضمن إقامة تعاون عسكري ثنائي تقوم بمقتضاه روسيا بتزويد وتكوين العسكريين الماليين ضمن برنامج هدفه مواجهة المد الإرهابي في هذه الدولة.

ورغم أن الاتفاق كان رمزيا وتم بمقتضاه تزويد القوات المالية بطائرتين مروحيتين، إلا أن الحكومة الروسية جعلت منه بوابة لكسر الحصار الاقتصادي والمالي الذي فرضته عليها مختلف الدول الغربية، عقابا لها على ضمها لشبه جزيرة القرم سنة 2014، ولكنه سيشكل بداية لإبرام صفقات أسلحة أكبر تليها صفقات تمكن روسيا من الحصول على مختلف الموارد الطبيعية التي تزخر بها مالي، ومختلف الدول الإفريقية والتي تبقى محل اهتمام مختلف القوى الدولية المنافسة الأخرى.

وجعلت روسيا من قمتها مع إفريقيا بمنتجع سوتشي على البحر الأسود شهر أكتوبر الأخير، فرصتها لإعادة رسم الخطوط العريضة لعلاقاتها المستقبلية مع مختلف العواصم الإفريقية، ضمن حرب التموقع التي بدأتها الصين وتبعتها مختلف الدول الكبرى الأخرى التي رفضت إبقاء احتكار هذه العلاقة على الدول الاستعمارية السابقة.

وكشف وزير الدفاع المالي نهاية الشهر الماضي، أمام نواب البرلمان عن وصول أول بعثة عسكرية روسية إلى باماكو قريبا ”لمساعدتنا تقنيا في بعض الميادين”، دون إعطاء توضيحات أخرى رغم أن الإشارة قوية باتجاه تقديم روسيا لدعم لوجيستي عسكري للقوات المالية، إذا أخذنا بالأوضاع التي يمر بها هذا البلد والمتاعب التي تواجهها قواته في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية التي انتقل خطرها من شمال البلاد إلى وسطه وحتى إلى العاصمة باماكو.

وأضاف أن ”تواجد خبراء روس في مالي سيجنبنا إرسال معداتنا في كل مرة إلى روسيا لإصلاحها، وقربهم منّا سيساعدنا على إصلاحها وتدريب طيارينا” هنا في مالي، قبل أن يضيف في ملاحظة حملت الكثير من الدلائل والرسائل ذات البعد الاستراتيجي، إنه لا يتعين أن نضع مالي في قفة واحدة في إشارة الى عدم الاكتفاء بتوقيع اتفاقيات عسكرية مع فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، وتجاهل قوى أخرى بإمكانها تقديم هذه المساعدة.

ويبدو أن الاستراتيجية الروسية لاستعادة مكانتها في إفريقيا اعتمدت إلى حد الآن على تكيتك الخطوة ـ خطوة تمهيدا للتوقيع على صفقات أكبر، تأكد ذلك من خلال اتفاق تعاون مع بوركينا فاسو التي حصلت شهر أوت من العام الماضي، على مروحيتين روسيتين لاستخدامهما في عمليات مطاردة العناصر الإرهابية التي أصبحت تهدد أمنها، بما يمكن روسيا أيضا من إيجاد موطئ قدم لها في منطقة غرب إفريقيا المحسوبة هي الأخرى في عمومها على النفوذ الفرنسي بحكم العلاقات التاريخية خلال الحقبة الاستعمارية.

وتعد الخطوة الروسية في مالي ثالث خطوة في إفريقيا بعد إرسال قوات إلى جمهورية إفريقيا الوسطى،  ضمن أكبر اختراق عسكري روسي، وهي كلها دول كانت ومازالت تسبح في فلك التأثير الفرنسي. فهل يعني ذلك أن مكانة فرنسا في مستعمراتها السابقة بدأت تضمحل وتتلاشى من سنة إلى أخرى في ظل هذه المنافسة؟ يطرح مثل هذا التساؤل في وقت تعالت فيه أصوات، بل ونظمت مسيرات احتجاجية شارك فيها الآلاف في النيجر ومالي وبوركينا فاسو نددوا خلالها بالتواجد العسكري الغربي في بلدانهم واعتبروها استعمارا بذريعة محاربة الإرهاب.

وزاد الشعور الرافض للتواجد الغربي في إفريقيا في ظل فشل القوات الفرنسية والدولية في القضاء على عناصر التنظيمات الإرهابية الذين نفذوا عمليات مسلّحة استهدفت السكان المدنيين على مقربة حتى من قواعد عسكرية لدول أجنبية. ولم تشأ وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، خلال زيارتها الأخيرة إلى مالي  في جولة شملت التشاد وبوركينا فاسو، تضخيم مسالة التواجد العسكري الروسي في المنطقة واكتفت بالقول إن بلادها ترحب بكل مساعدة من أية جهة كانت للقضاء على التهديدات الإرهابية رافضة الخوض في خلفياته، رغم إدراكها لهذه المنافسة في منطقة كانت ومازالت الحكومات الفرنسية تعتبرها محمية لها دون غيرها.