إدانة واسعة لمضمون لائحة البرلمان الأوروبي

الجزائر تستنكر وترفض التدخل السافر في شؤونها

الجزائر تستنكر وترفض التدخل السافر في شؤونها
  • القراءات: 789
حنان. ح حنان. ح

أكدت الجزائر رسميا، إدانتها ورفضها ”شكلا ومضمونا”، للائحة البرلمان الأوروبي حول الوضع في الجزائر، معتبرة إياها بمثابة ”تدخل سافر” في شؤونها الداخلية. وشددت على أن مثل هذا الموقف يدفع إلى مباشرة ”تقييم شامل ودقيق لعلاقاتها مع كافة المؤسسات الأوروبية”. ولم تلق اللائحة التي أصدرها البرلمان الأوروبي حول الجزائر، إلا التنديد والاستنكار والرفض من جميع الأطراف داخل وخارج الجزائر، بل حتى من داخل الاتحاد الأوروبي، الذي أكدت ممثلته العليا للسياسة الخارجية والأمنية فيديريكا موغريني الاحترام الكامل لسيادة واستقلال الجزائر.

ومنذ صدور هاته اللائحة، توالت البيانات المنددة بمضمونها، مؤكدة في مجملها الرفض المطلق للتدخل غير المبرر للبرلمان الأوروبي في الشأن الجزائري الداخلي. وهو الموقف الذي ميز رد الفعل الرسمي الذي جاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية، فضلا عن البرلمان الجزائري بغرفتيه، إضافة إلى العديد من الشخصيات والخبراء، وكذا الأحزاب السياسية وحتى المترشحين الخمسة لانتخابات 12 ديسمبر، الذين أجمعوا على رفض اللائحة الأوروبية والتأكيد على عدم المساس بسيادة الجزائر.

وعشية صدور اللائحة، كان الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي قد شدد خلال زيارة عمل إلى قيادة القوات الجوية، على أن ”الجزائر حرة وسيدة في قرارها” و«لا تقبل أي تدخل أو إملاءات من أي طرف مهما كان”، مؤكدا أن الشعب سيفشل محاولات ”الشرذمة من العصابة التي وبعد فشل جميع خططها، ها هي تلجأ إلى الاستنجاد بأطراف خارجية، لاسيما تلك المعروفة بحقدها التاريخي الدفين، والتي لا تحب الخير للجزائر وشعبها”.

وأشار في السياق إلى وقوف الجيش الوطني الشعبي والشعب جنبا إلى جنب، لمواجهة التحديات المعترضة وتفويت الفرصة على العصابة وأذنابها.

وجاء الرد الحكومي الرسمي أول أمس، مباشرة بعد صدور اللائحة، من طرف وزارة الشؤون الخارجية، التي أكدت إدانة الجزائر ورفضها ”شكلا ومضمونا” لائحة البرلمان الأوروبي حول الوضع في الجزائر، معتبرة إياها بمثابة ”تدخل سافر” في شؤونها الداخلية، مشيرة إلى أنها ”تحتفظ لنفسها بالحق في مباشرة تقييم شامل ودقيق لعلاقاتها مع كافة المؤسسات الأوروبية قياسا بما توليه هذه المؤسسات فعليا لقيم حسن الجوار والحوار الصريح والتعاون القائمين على الاحترام المتبادل”. 

وجاء في بيان الوزارة أنه، ”بإيعاز من مجموعة من النواب متعددي المشارب وفاقدي الانسجام، منح البرلمان الأوروبي نفسه بكل جسارة ووقاحة، حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا، في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية”. وأضاف أن ”هؤلاء النواب قد ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء، الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة”.

وقد أبان البرلمان الأوروبي بهذا التصرف - يوضح بيان وزارة الخارجية - ”ازدراءه، ليس للمؤسسات الجزائرية فحسب، بل لآليات التشاور الثنائي التي نص عليها اتفاق الشراكة بما فيها تلك المتعلقة بالمجال البرلماني”.

أكثر من ذلك - يستطرد البيان - فإن البرلمان الأوروبي ”أكد باستجابته هذه لإيعاز هؤلاء البرلمانيين المحرضين، أنه يعمل بشكل مفضوح للترويج لأجندة  الفوضى المقصودة، التي سبق للأسف تنفيذها في العديد من الدول الشقيقة”، مستدلا في ذلك بما قام به أحد البرلمانيين الأوروبيين من ”إشادة بالاستعمار الذي سمح ـ حسبه ـ بحرية ممارسة الشعائر الدينية خلال 132 سنة من استعمار الجزائر”.

من جانبه، أكد وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، وزير الثقافة  بالنيابة، حسن رابحي أن الجزائر، مؤسسات وشعبا، لن تسمح بأي محاولة تدخل في شؤونها الداخلية، داعيا مختلف الشركاء إلى احترام هذا المبدأ. وأضاف قائلا إن ”الاتحاد الأوروبي وجميع شركائنا الأجانب يدركون جيدا أن الجزائر تتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، كما  أنها لا تقبل مؤسسات وشعبا، بأي تدخل في شؤونها الداخلية”.

البرلمان يدين

برلمانيا، أدان رئيس مجلس الأمة بالنيابة، الصالح قوجيل اللائحة، وقال إنّه ”لن نسمح بفرض الأجندات الخارجية على الجزائر”، داعيا المواطنين لرد عليها بقوة من خلال التصويت بقوة يوم 12 ديسمبر القادم.

وربط ما جاء في اللائحة بتحركات أطراف داخلية قال إنها ”مشبوهة”، مستدلا بأن ما تضمنته سبق وأن روج له بالداخل، عبر عدة وسائل منها بعض الصحف. وعبر باسم مجلس الأمة عن الرفض التام لما جاء في مضمونها.

بدوره، استنكر المجلس الشعبي الوطني اللائحة حول ”واقع الحريات في الجزائر”، معتبرا إياها ”تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية واستفزازا للشعب الجزائري”. وأوضح في بيان له أن لائحة البرلمان الأوروبي تأتي ”في الوقت الذي يتأهب فيه الجزائريون للتوجه نحو صناديق الاقتراع من أجل اختيار رئيس للجمهورية، بعد حراك سلمي والمرافقة باحترافية عالية من الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية قلّ نظيره، وبعد استكمال الأدوات القانونية والهياكل التنظيمية التي تضمن الحرية والشفافية والنزاهة للعملية الانتخابية، في مسار ديمقراطي، يعبر عن حجم التغيير الذي تعرفه الجزائر”.

وأضاف البيان أن المجلس ”يستهجن ويعتبر ما حدث في ستراسبورغ (مقر البرلمان الأوروبي) تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية واستفزازا للشعب الجزائري، ويرفض رفضا قاطعا أي تدخل من أي هيئة كانت في الشؤون الداخلية لبلادنا”.

ونددت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات هي الأخرى باللائحة، واصفة إياها ”تدخلا سافرا” في شؤون وقضايا الجزائر المصيرية. وجاء في بيان للسلطة ”إننا نندد بالتدخل الأوروبي في شؤوننا وقضايانا، خاصة الانتخابات الرئاسية التي تنظمها وتشرف عليها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات المنبثقة عن الإرادة الشعبية التحاورية، والتي خرجت بتجربة فريدة لم تشهدها أوروبا نفسها والمتمثلة في الميثاق الأخلاقي للممارسات الانتخابية الذي جمع السلطة والمرشحين والصحافة”، متسائلة ”هل لمثل هذا يشجب برلمان يدعي الديمقراطية والدفاع عن إرادة الشعوب وحرية الانتخابات؟”.

وبنفس لغة الاستنكار والتنديد الشديدين، جاء رد فعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤكدا أنها مبنية على ”معلومات مغلوطة وعلى سوء نية”. وأوضح رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوزيد لزهري أن ”الأيدي المشبوهة التي عملت على إيصال الأوضاع في ليبيا إلى ما هي عليه، هي التي تسعى اليوم لتحضير نفس المؤامرة في الجزائر”، مؤكدا أن الجزائريين ”يرفضون التدخل في شؤونهم الداخلية ويقفون ضد كل من يريد أن يستقوي بالخارج على ما يجري في بلدهم.” 

أحزاب ومنظمات تستنكر

وجاءت الإدانة كذلك من أحزاب سياسية ومنظمات جماهيرية، حيث أعرب حزب جبهة التحرير الوطني أمس، عن ”استنكاره الشديد وإدانته القوية” للائحة البرلمان الأوروبي، معتبرا إياها بمثابة ”تدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر واستفزاز للشعب”. وعبر ”عن قناعته الراسخة بأن الشعب الجزائري الرافض لأي تدخل أجنبي في شؤون بلاده الداخلية، ليس بحاجة لدروس، فهو أكثر حرصا على ممارسة حرياته وأكثر تمسكا بسيادة قرار دولته وأكثر إدراكا للنوايا الخبيثة، التي تتستر تحت غطاء الحريات وحقوق الإنسان التي تخضع للتسييس بطريقة مريبة ومفضوحة”.

من جانبه، أكد التجمع الوطني الديمقراطي، أنه تلقى ”بكل استهجان” مضمون اللائحة، منددا بشدة في بيان له، بما وصفه ”التصرف الاستفزازي السافر” للبرلمان الأوروبي، داعيا إياه للاكتفاء بمعالجة المسائل التي تخصه، ”دون حشر أنفه في الشأن الداخلي للجزائر”، مشددا على أن الجزائر ”لن ترضخ لا اليوم ولا غدا لأي طرف خارجي يحاول التدخل في شؤونها الداخلية.

كما نددت المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، بـ«التدخل السافر” في الشأن الداخلي للبلاد، معبرة أن اللائحة ”استفزاز خطير” للشعب الجزائري. وقالت في بيان لها إنها ”تندد وتستنكر هذا التدخل السافر المفضوح النوايا، وتؤكد على أن الشعب الجزائري ومؤسسات الدولة تملك كل المقومات والإمكانيات التي تؤهلها لتفويت الفرصة على الحاقدين والمتربصين”. 

أما الكتلة البرلمانية لتجمع أمل الجزائر (تاج) بالمجلس الشعبي الوطني، فقد اعتبرت، في بيان لها، لائحة البرلمان الأوروبي بشأن الجزائر ”تدخلا في الشؤون الداخلية للوطن وأمرا سافرا ومرفوضا لا يخدم المصالح المشتركة للدول والشعوب”. وأضاف البيان أن اختيار البرلمان الأوروبي هذا الظرف الذي تستعد فيه الجزائر لإجراء انتخابات رئاسية يعد ”مساسا بأمن واستقرار الجزائر”.

كما نددت المجموعة البرلمانية لحزب العمال بالمجلس الشعبي الوطني بما حدث في ستراسبورغ، معتبرة إياه ”تدخلا في الشؤون الداخلية للجزائر واستفزازا خطيرا للشعب الجزائر”، مبدية ”رفضها القاطع” لأي تدخل خارجي في  الشؤون الداخلية للجزائر.

بدورهم، ندد المترشحون الخمسة للانتخابات الرئاسية المقبلة، بما تضمنته لائحة البرلمان الأوروبي حول الجزائر، مستنكرين هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية لبلادنا، ومثمنين الموقف الرسمي الذي عبرت عنه وزارة الخارجية.

موغيريني: احترامنا لسيادة واستقلال الجزائر تام

وعلى المستوى الخارجي، جاءت أولى ردود الفعل الرافضة لهذا التدخل من تحت قبة البرلمان الأوروبي، حيث أكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية فيديريكا موغيريني، خلال جلسة النقاش عن الوضع بالجزائر بستراسبورغ، على ”احترام الاتحاد الأوروبي الكامل” لسيادة واستقلال الجزائر ”البلد الجار وكذا الشريك السياسي والاقتصادي” ـ كما قالت ـ موضحة أن ”الجزائر بلد صديق، جد مقرب منا”.

وأضافت موغيريني في تصريحها ”أعتقد أن الشعور الأول هو أن الجميع بأوروبا يحس تجاه الشعب الجزائري بالصداقة والجوار، وأن احترامنا لسيادة واستقلال الجزائر تام، ومن المهم أن يؤكد هذا النقاش ذلك بأقوى وأوضح الطرق، وأن الجزائريين وحدهم من يقرر حاضر ومستقبل بلدهم”.

وجاء ذلك كرد فعل منها على اللائحة ـ التي للتذكير ـ تعد ”غير ملزمة”، صودق عليها برفع الأيدي، حيث ندد فيها نواب أوروبيون بما قالوا إنه ”توقيفات تعسفية” في الجزائر، التي تشهد مظاهرات، مع دعوة الحكومة إلى ”إيجاد حل للأزمة الحالية قائم على مسار سياسي سلمي ومفتوح”. وهي اللائحة التي كان وراءها النائب الأوروبي الفرنسي رفائيل غلوكسمان من اليسار.

وعلى المستوى الأوروبي كذلك، أكد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراند كارلاسكا، أول أمس، بالجزائر العاصمة، أن إسبانيا ”تدعم” العملية الانتخابية المزمع إجراؤها في 12 ديسمبر القادم، مؤكدا أن الوضع الحالي في الجزائر هو ”شأن داخلي”.