التقتها "المساء" بشرفات الغوفي

سعيدة تافساست .. تعيش حياة بدائية وتنتظر التفاتة

سعيدة تافساست .. تعيش حياة بدائية وتنتظر التفاتة
  • القراءات: 1134
❊ حنان. س ❊ حنان. س

في عمق الوادي الأبيض بالغوفي في بلدية غسيرة، ولاية باتنة، لما كان شباب رابطة الإعلام والاتصال لولاية بومرداس يستمتعون بجمال المنظر في رحلتهم الإعلامية، وبمكان اعتقدنا أن الصوت الوحيد الممكن سماعه هو خرير الوادي، رأيناها تحمل على كتفها كيسا وتسير بخطى متثاقلة نحو أعلى الشرفات.. سعينا خلفها، فهيئتها لم تكن توحي بأنها من زوار المنطقة.

كان مقررا أن يمضي شباب بومرداس سويعة من الزمن في شرفات الغوفي، حيث كانت أمامه طريق طويلة نحو ولاية بسكرة، مقصد الرحلة الترفيهية الأساسي، غير أن جمال المكان فعل فعلته في الجميع، فما كان منا سوى تمضية سويعات متتالية في التقاط الصور هنا وهناك.. النزول من على الشرفات لبلوغ الوادي كان شاقا، فقط بعض الدرجات تم نحتها لتسهيل عملية النزول، من يتجاوز صعوبة المسلك وبلوغ الوادي ينال جمال الاستمتاع بالجو المختلف تماما عن العلية.. المكان مغاير تماما عن الخارج، فلا تسمع هنا إلا خرير الوادي وزقزة العصافير، كأنك في مشهد سينمائي. لما هممْنا بالرجوع وعند بلوغنا نصف المسافة.. رأيناها تخرج من بين الصخور.. منظرها لم يكن يوحي بأنها زائرة ولا سائحة.. إنها ساكنة الغوفي الوحيدة.

وقفت تنظر إلينا، فهي التي ألفت رؤية زوار الشرفات وهم يتسلقون هذه الصخرة أو يلتقطون الكثير من الصور.. وبينما راح الشباب يتسابق من يصل الأول للأعلى، استدرنا نحوها لنسألها عن سبب وجودها بمكان جميل..، لكنه موحش، حيث تنعدم به كل علامات الحياة.

قالت سعيدة تافساست، إنها تسكن بالغوفي منذ أن ولدت قبل أزيد من خمسة عقود.. تحدثت بعفوية كبيرة عن حياتها اليومية، فقالت إنها تعيش "من ذراعيها"، أي أنها تتكل على نفسها في كل ما تحتاجه، حيث تحتطب لإعداد الطعام والتدفئة.. وترعى الماعز وتفلح الأرض بأنواع الخضر، وتجلب الماء من الوادي للشرب والغسيل أو غيره، فهي تعيش في كوخ حجري بجبل يقال له "احمر خدو" دون ماء ولا كهرباء ولا غاز..لا مؤنس لوحدتها سوى أخوها الأصغر المقعد، فهو عزاؤها الوحيد بعد وفاة والديها قبل سنوات لا تتذكر عددها. وأشارت إلى أن رئيس بلدية غسيرة زارها قبيل سنوات لتقديم يد العون، وطلبت منه وقتها سكنا قريبا إلى البلدة حتى تتمكن من قضاء بعض حوائج أخيها المقعد، لاسيما الأدوية، فالمسافة طويلة من حيث تقطن نحو أعلى الشرفات.. لكن لا رد مقنع تلقته سعيدة، سوى وعود تطايرت كتطاير الغبار من على صخور الجبال المحيطة بنا هناك في الغوفي..

أخذت سعيدة تروي لنا حكاية الشرفات والقبائل التي سكنتها في الماضي، وعن طفولتها البعيدة في الزمن لما استقر أهلها بالغوفي قبل اندلاع ثورة نوفمبر، آتين من تجموت ومن زريبة الوادي. تحدثت عن والديها اللذين كانا يُفلحِان الأرض الطيبة المنتجة لكل الخيرات، وعن أصوات الجيران على قلتهم ممن كانوا يعمرون المكان، بعضهم هجرتهم الحرب ضد المستعمر وغيب الموت بعضهم، وآخرون هجروا منازلهم وأراضيهم لصعوبة الحياة وقسوة الطقس، دون أية خدمات من شأنها إنقاص ولو الشيء اليسير من صعوبة الحياة، مثلما توحي به تقاسيم وجهها وخشونة يديها وهيأتها البالية..

استمرت سعيدة تحدثنا عن الغوفي وكيف يُحدث سحرها الكثير في نفس من يزورها، وكيف أنها تستأنس بوجود زوار في المكان، خاصة خلال عطل نهاية الأسبوع، لكن بعفوية، ذكرت نقائص كان لابد للسلطات المحلية إيلاءها العناية، كالمسلك الصخري الوعر الواجب تهيئته، على الأقل، ليساهم في تحسين السياحة المحلية، وغياب النقل وباقي الخدمات، كالفنادق والمطاعم وغياب مركز طبي قريب.

أما عن يومياتها، فقالت ساكنة "احمر خدو"، إنها تعبت من صعود الشرفات من حين إلى آخر لبيع "غبار" الماعز وشراء بعض الأدوية، وتقصد به روث الماعز الذي يستعمله بعض الفلاحين كسماد طبيعي. موضحة أنها تبيع كذلك بين فترة وأخرى، بعض الأعشاب الطبية التي تلتقطها من الجبال المحيطة بها، مثل الشيح والعرعار وإكليل الجبل لبعض الباعة القادمين من بسكرة المجاورة، كما أنها تستعمل بعضها في العلاج المنزلي.

عن عيشها في أسفل شرفات الغوفي، على ضفاف الوادي الأبيض، قالت إنه لا مكان آخر تقصده، مثلما فعل آخرون وهاجروا المكان، وأكدت أنها تخاف كل ليلة من الذئاب والخنازير البرية والثعابين والعقارب، كما أنها ـ كما قالت ـ تضطر إلى مواجهتها لوحدها، حفاظا على حياتها وعلى بعض رؤوس الماعز التي تستأنس بها..