من بن لادن إلى البغدادي مرورا بالزرقاوي

خطة الغرب لمواصلة إخضاع الشعوب المضطهدة

خطة الغرب لمواصلة إخضاع الشعوب المضطهدة
  • القراءات: 678
م. مرشدي م. مرشدي

عندما كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يتحدث عن حيثيات مقتل أبو بكر البغدادي "أمير" تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش"، لحظة بلحظة انطلاقا من مكتبه في البيت الأبيض، كانت نشوة الانتصار بادية على محياه وقد حقق إنجازا تاريخيا يحسب له في مسيرته تماما كما حدث مع الرئيس باراك أوباما يوم تم القضاء على أسامة بن لادن في قرية معزولة في باكستان.

وبدا واضحا أن الرئيس ترامب أراد أن يجعل من العملية المنجزة من طرف قوة أمريكية خاصة مكسبا سياسيا على علاقة مباشرة بالوضع الداخلي الأمريكي  مما أفقد المعلومة أهميتها في سياق معركة محاربة الإرهاب، تحول معها القضاء على أحد أكبر المطلوبين في العالم إلى مجرد قضية أراد الرئيس الأمريكي استغلالها لتلميع صورته في الداخل الأمريكي، تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة، وضمن خطة لتخفيف درجة الضغط الممارس عليه من طرف خصومه الديمقراطيين الذين يأملون في قطع الطريق أمامه ومنعه من البقاء في البيت الأبيض لعهدة إضافية.

كما أن العملية جاءت تكفيرا منه عن قراره منح السلطات التركية الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري ضد أكراد سوريا وسحبه قوات بلاده من تلك المناطق ضمن تصرف جعل منه الحزب الديمقراطي نافذة لإحكام قبضته ضده والتعجيل بعزله حتى قبل انقضاء عهدته الحالية.

ولا يستبعد أن يكون مثل هذا الخناق هو الذي جعل الرئيس ترامب يقرر تصفية البغدادي الملاحق من طرف مخبري جهاز المخابرات الأمريكية الذين يقتفون آثاره خطوة بخطوة ولم يكن أمر القضاء عليه ينتظر سوى الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي للحظة المناسبة التي جاء أجلها ليلة السبت إلى الأحد حتى يسكت خصومه ويجعل من مقتل البغدادي ورقة انتخابية رابحة عام قبل موعد الرئاسيات الأمريكية شهر نوفمبر من العام القادم.

وبذلك فلم يكن مقتل البغدادي الرجل اللغز مفاجأة لكل المتتبعين وخبراء المسائل الأمنية إذا سلمنا أن دوره انتهى في العراق كما في سوريا تماما كما انتهى إليه مصير أسامة بن لادن في أفغانستان وقبله أبو مصعب الزرقاوي الذي ظهر كمنافس لأسامة بن لادن في العراق ضمن أوراق المخابرات الأمريكية التي جعلت من الإرهاب قضيتها الأولى في سياق رسم الخطوط العريضة للإستراتيجية الأمريكية في العالم ما بعد انهيار الأنظمة الشيوعية، وجعله فكرا يجب محاربته من خلال إلصاق لعنة الإرهاب بالإسلام والمسلمين ضمن خطة لإيجاد عدو للأفكار الرأسمالية ـ الليبرالية لمواصلة التواجد الغربي في مناطق العالم الإستراتيجية.

ولم يكن من الصدفة أن يتم ظهور الثلاثي بن لادن والزرقاوي ثم البغدادي وقد خرجوا من العدم ليصبحوا أكثر الأسماء تداولا في كل العالم ضمن مهمة في منطقة محددة بأهمية منطقة الشرق الأوسط والآن، وقد انتهت هذه المهمة بعد تدمير دول بأكملها بزرع فوضى عارمة ضمن خطة مرحلية لتهيئة الأرضية لنقل الاهتمام إلى منطقة الساحل الإفريقي.

وهو ما يؤكد أن الأمور مخطط لها في مخابر مختلف أجهزة المخابرات الدولية، تنفيذا لخلاصات أبحاث منظري الفكر الرأسمالي بالنظر إلى خيرات المنطقة وثرواتها التي تحتاجها هذه القوى لإبقاء العالم الآخر تحت هيمنتها.

ولم يكن لانتشار قوات وقواعد عسكرية لمختلف الجيوش الغربية في هذه الدول إلا تأكيدا لهذا التوجه الجديد ومعه انتقال الاهتمام الأمريكي والغربي إلى منطقة الساحل بدعوى محاربة عناصر مختلف التنظيمات الإرهابية التي فرخت في هذه المنطقة.

وكان الاهتمام واضحا منذ تسعينيات القرن الماضي بدول الساحل عندما تدخل الجيش الأمريكي في الصومال ضمن خطوة أولى لزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي قبل أن يتم تدمير ليبيا ضمن خطة مدروسة لإيجاد ملاذ لهذه التنظيمات ومنها إلى منطقة الساحل.

وحتى ترسانة الجيش الليبي في عهد نظامه السابق واستباحة ثكناته وما حوته من أسلحة مدمرة بين مختلف التنظيمات إلا مرحلة ثانية في عملية تفكيك الدول لافتعال مبررات التدخل وإيجاد موطأ قدم لها في هذه المناطق بدعوى ملء الفراغ الأمني فيها.

فلم يعد من الغريب وجود قوات روسيا في إفريقيا الوسطى وألمانية في مالي وأمريكية في النيجر من دون الحديث عن القوات الفرنسية التي كانت السباقة إلى ذلك، مستغلة علاقاتها الاستعمارية مع دول المنطقة.

وهي كلها معطيات ترشح منطقة الساحل لتصعيد عسكري قادم تتضارب فيه مصالح القوى الكبرى للاستحواذ على خيرات قارة تؤكد كل عمليات الاستكشاف الجيوفيزيائي أنها تضم أكبر المناجم لمواد أساسية في التكنولوجيات الدقيقة المعروفة بـ«النانو تكنولوجي" التي تدخل أساسا في تكنولوجيات الإعلام الآلي المتطورة والطائرات النفاثة وغزو الفضاء.

وهو ما يفسر أيضا تهافت مختلف القوى على عقد قمم مشتركة مع دول القارة كان آخرها الأسبوع الماضي عندما استضاف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين أكثر من 30 رئيس دولة في منتجع سوتشي من دون أن يخفي تأخر بلاده في قارة عذراء ستكون مسرحا لصراعات القوى الكبرى بسبب خيراتها.

وكان الرئيس الأمريكي نفسه أكد جهارا أن لعبة المصالح في إفريقيا يجب أن تتغير ولن تبقى حكرا على الصين وفرنسا وبريطانيا وأن بلاده كقوة عظمى يجب أن تكون لها حصتها في الكعكة الإفريقية، رافعا الورقة الأمنية لإحلال الاستقرار في منطقة الساحل ضمن خطوة استباقية لفرض المنطق الأمريكي على الخصوم المنافسين.