المطاعم المدرسية بالعاصمة

وجبات رديئة ومديرون يعرقلون العملية

وجبات رديئة ومديرون يعرقلون العملية
  • القراءات: 4739
استطلاع: زهية. ش استطلاع: زهية. ش

يشتكي العديد من التلاميذ وأولياؤهم رداءة الوجبة المقدمة في المطاعم المدرسية، التي لا يزال عدد معتبر منها مغلقا بالعاصمة، رغم مرور حوالي شهرين على الدخول المدرسي، في انتظار تدخل الجهات الوصية في سبيل إعادة الاعتبار لهذه الخدمة الضرورية للمتمدرسين، خاصة على مستوى  بعض المناطق النائية التي يقطع فيها التلاميذ مسافات طويلة للالتحاق بمؤسساتهم التربوية، وتتطلب استفادتهم من وجبة ساخنة بسبب صعوبة أو استحالة عودتهم إلى البيت بهدف تناول وجبة الغذاء، بينما يشتكي عمال المطاعم من ضعف الأجر وضغوطات مديري المدارس من جهة، والبلدية من جهة أخرى، في حين يؤكد آخرون على ضرورة الإسراع في إنشاء الديوان الوطني للخدمات المدرسية، الذي يتكفل بالنقل والإطعام والإيواء، بعيدا عن تسيير البلديات التي عجزت ـ حسبهم ـ عن توفير أبسط الأشياء للمدارس الابتدائية، لتجاوز مختلف العقبات التي تحول دون تقديم وجبة مدرسية كاملة وصحية للتلاميذ.

كشف الاستطلاع الذي قامت به "المساء" حول المطاعم المدرسية، عن العديد من النقائص التي لا تزال تميز هذا الملف الذي تتداخل عملية تسييره، سواء بالعاصمة أو الولايات الأخرى، في الوقت الذي تخصص بشأنه وزارة الداخلية والجماعات المحلية مبالغ هامة لتوفير وجبة كاملة للتلميذ، بالنظر إلى أهمية ذلك في تحصيله الدراسي وصحته.

تلاميذ محرومون من الوجبة

في هذا الصدد، أشار بعض أولياء تلاميذ مدرسة "محمد سرحان" بالرويبة، والقاطنون في حوش "لاصالاص"، عن المتاعب التي يواجهونها، بسبب غياب المطعم المدرسي، خاصة في فصل الشتاء، حيث تضطر الأمهات إلى قضاء يوم كامل أمام المؤسسة التربوية من أجل إحضار وجبة الإفطار لأبنائهم، والتي عادة ما تتمثل في مادة "الكاشير" والجبن، مما أثر كثيرا على مستواهم الدراسي، مشيرين لـ«المساء"، إلى أن المديرة السابقة للمؤسسة رفضت فتح المطعم، رغم حاجة تلاميذ الأحواش الذين يقطعون عدة كيلومترات لذلك، على غرار حوش الزيتون الذي ينتظر تلامذته أيضا حلا لمعاناتهم، فيما يواجه تلاميذ المناطق النائية في عدة بلديات بالعاصمة مشكل غياب الإطعام بمؤسساتهم التربوية، رغم أن الأمر حق يضمنه القانون.

من جهتهم، أشار أولياء تلاميذ مدرسة "حميد عون" بحي جنان سفاري في بلدية جسر قسنطينة، إلى المتاعب التي يواجهها أبناؤهم، بسبب غياب مطعم مدرسي بالمؤسسة التربوية، رغم بعدها عن مقرات سكن عدد معتبر من التلاميذ، الذين يقطعون مسافة طويلة من أجل العودة لتناول وجبة الإفطار، بينما يضطر البعض الآخر إلى البقاء بالقرب من المؤسسة وتناول وجبة باردة، في حين يتناول بعض التلاميذ وجبتهم عند بعض العائلات التي تقطن قرب المدرسة، مقابل مبلغ مالي يدفع شهريا، في انتظار إيجاد حل مناسب لهؤلاء المتمدرسين من قبل السلطات المحلية، التي لم تسع لفتح عدد من المطاعم المدرسية، رغم مرور حوالي شهرين على الدخول المدرسي.

وجبات رديئة في غياب الرقابة

إذا كان هؤلاء التلاميذ محرومين نهائيا من الوجبة، فإن زملاءهم في عدد من المؤسسات يستفيدون من وجبة رديئة، مثلما أوضحه بعض الأولياء، على غرار مدرسة "سيدي يوسف" التي تتكون من مطعم لا يسمن ولا يغني من جوع، بسبب نوعية الوجبة غير اللائقة، مما أدى إلى عزوف التلاميذ عن استهلاكها، فضلا عن حرمانهم من الفاكهة أو التحلية التي تعوضهم عن ذلك، وهو ما أكده بعض عمال المطاعم، مشيرين إلى أن بعض الممونين يزودونهم بمواد رديئة النوعية، خاصة الفاصوليا التي يضطر بعضهم إلى إضافة مادة "بيكربونات الصودا" لتستوي، رغم أن الأمر قد يسبب مشاكل صحية للتلاميذ، مؤكدين على ضرورة قيام مصالح التغذية المدرسية على مستوى كل ولاية، برفع تقارير شاملة للولاة حول جميع النقائص التي تعيق السير الحسن للمطاعم المدرسية، فضلا عن ضرورة كتابة التقارير من طرف المكلف بتسيير المطعم، للحد من المشاكل التي تنعكس على نوعية الوجبة.

رؤساء البلديات مديرو المدارس أعاقوا فتح المطاعم

من جهته، ذكر رئيس بلدية سيدي موسى، علال بوثلجة لـ«المساء"، بالتدابير والإجراءات التي اتخذتها بلديته، ضمانا لانطلاق عملية تقديم التغذية المدرسية على مستوى كافة المطاعم المدرسية، عشية الدخول المدرسي للسنة الدراسية 2019 / 2020، مشيرا إلى أن البلدية تتوفر على 8 مطاعم مدرسية تقدم 3226 وجبة ساخنة يوميا، كما تقوم بضمان مراقبة جودة الأغذية من قبل المكتب البلدي لحفظ الصحة، بالتنسيق مع قطاع التربية والقطاعات المعنية الأخرى، وترتكز أساسا على احترام المعايير الصحية المطابقة للقواعد المتعلقة بالنظافة، واحترام توازن الوجبات الغذائية.

في هذا الصدد، أكد المتحدث على فرض الرقابة الصارمة على المطاعم المدرسية، ومدى احترامها لشروط الصحة والنظافة للعاملين والمستفيدين وفي مختلف الهياكل، لاسيما قاعات الإطعام، معدات الطبخ، الأرضيات، خزانات المياه، مخازن المواد الغذائية وغرف التبريد، بالإضافة إلى مراقبة عمال المطعم المكلفين بإعداد وتقديم الوجبات، إلى جانب منع تواجد الحيوانات بالمطعم المدرسي، والحرص على تحسين ظروف تخزين المواد الغذائية وحفظها في مخازن تتوفر على شروط السلامة.

فضلا عن وضع تقديرات موضوعية للحاجيات، تتناسب وعدد التلاميذ المستفيدين لتفادي تخزين المواد الغذائية الفائضة عن الاحتياجات المتوقعة، وعدم الاحتفاظ بها لفترة طويلة حتى لا تكون عرضة للتلف والضياع، ومراقبة نوعيتها وصلاحيتها، والتحقق من تأشيرة المصالح البيطرية على صلاحية اللحوم ومشتقاتها، وكذا منتجات الألبان ومشتقاتها، من قبل المكلف بتسيير المطاعم المدرسية عند كل تسليم للمواد الغذائية.

بدوره، أشار رئيس بلدية بئر خادم، جمال عشوش لـ«المساء"، إلى أن البلدية تضم ستة مطاعم مدرسية، بعد فتح ثلاث مطاعم جديدة واسترجاع بعض المطاعم التي كانت تقيم بها عائلات في إطار عملية الترحيل، حيث يستفيد حوالي 3 آلاف تلميذ من الوجبة المخصصة لهم، مضيفا أن البلدية أمضت اتفاقية لمدة ثلاث سنوات مع الممونين بمبلغ ثلاثة ملايير و400 مليون سنتيم، لتجنب الاضطراب في تقديم الوجبة في حالة تعثر التموين، كما تم تسخير كل الإمكانيات الضرورية واقتناء التجهيزات الضرورية.

حسب رئيس بلدية بئر خادم، فإن المشكل الوحيد الذي يعيق ملف الإطعام المدرسي، هو أن بعض مديري المدارس يرفضون المطاعم المدرسية بحجة نقص العاملات، على غرار مدرستي "الإخوة مرباح" و«زايدي عبد الرحمن"، حيث يعتبرون المطاعم مسؤولية إضافية، في الوقت الذي برمجت البلدية مطعما في كل مدرسة، كما عبر "مير" بئر خادم الذي قدم شكاوى لمختلف الجهات المعنية، عن صعوبة تسيير المطاعم في ظل التغيير المستمر لمديري المدارس وعدم استقرارهم خلال السنة الدراسية، وهو ما يؤثر على الخدمات المقدمة في المطاعم، مضيفا أن المجلس الشعبي البلدي بصدد إعداد دراسة من أجل إنجاز ستة مطاعم مدرسية أخرى، قد تفتح في الموسم الدراسي القادم، ليستفيد أكبر عدد ممكن من التلاميذ من الوجبة، خاصة تلاميذ الأحواش الذين يعانون من غياب المطعم.

ثلاثة مطاعم جديدة في الجزائر الوسطى

أما رئيس بلدية الجزائر الوسطى، عبد الحكيم بطاش، فأكد لـ«المساء" أن مصالحه ستتكفل بإطعام عدد من التلاميذ، من خلال فتح مطاعم جديدة في الأشهر المقبلة في كل من مدرسة "جمال عمراني" و«الجبل الضاحك" و«خير الدين حسان خوجة" (يوغرطة سابقا)، ليبقى التلاميذ بدون وجبة إلى غاية استلام هذه المشاريع.

بينما وعد رئيس بلدية عين البنيان، كريم ابلعيدن، في تصريح لـ«المساء"، بفتح مطاعم جديدة في بعض المدارس، مشيرا إلى أن المشكل الحقيقي في هذا الملف يتمثل في نقص اليد العاملة المؤهلة والاعتماد على المنظفات والعاملين ضمن الشبكة الاجتماعية، ورفض الطباخين العمل في المطاعم المدرسية، بسبب ضعف الأجرة، مما تطلب الاعتماد على عاملات النظافة في إعداد وطبخ الوجبة، حيث يطرح هذا المشكل في مختلف المطاعم دون استثناء.

جمعية أولياء التلاميذ.. غرباء يتقاسمون الوجبة مع التلاميذ

بدوره، أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، علي بن زينة  لـ«المساء"، أن بعض الغرباء عن قطاع التربية يتناولون الوجبة المخصصة للتلاميذ، والتي تذهب لغير مستحقيها في بعض البلديات، وخص بالذكر بلدية سيدي موسى التي تحوز على مطعم مركزي للإطعام المدرسي،  يستغله عمال البلدية لتناول الوجبة، رغم أن الأمر مخالف للقانون، في حين يحرم عدد من التلاميذ من الوجبة، كما اتهم أيضا عمال بلدية الكاليتوس بتناول الوجبة مع التلاميذ، متسائلا في نفس الوقت، عن مصير الأموال التي تخصص للوجبة في حال لم يشتغل المطعم في بعض أيام الأسبوع، كما أكد حرمان تلاميذ من الإطعام المدرسي في مختلف بلديات العاصمة، رغم أن الأمر حق يكفله القانون.

المجلس الشعبي الولائي.. خرجات ميدانية لكشف المستور

من جهته، أكد رئيس لجنة التربية والتكوين المهني بالمجلس الشعبي لولاية الجزائر. زهير ناصري لـ«المساء"، أن اللجنة ستشرع في زيارات ميدانية لعدد من المطاعم المدرسية بالعاصمة، بهدف الاطلاع على ظروف تحضير الوجبة ونوعيتها وكل ما يخص هذا الملف.

ذكر المتحدث أن اللجنة ستنظر أيضا في مسألة التنسيق بين البلديات والمؤسسات التربية، فيما يخص تسيير المطاعم ومدى انعكاس ذلك على الخدمات المقدمة في المطاعم، خاصة أن وزارة الداخلية والولاية تخصص أموالا ضخمة لضمان وجبات نوعية للتلاميذ، كما سيتم النظر في مدى الاستجابة لانشغالات الأولياء في هذا المجال، لاسيما أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية أعطت صلاحيات للبلديات فيما يخص المطاعم المدرسية.

في هذا الصدد، ألح ناصري على مراعاة الجانب الصحي في الوجبة التي تقدم للتلاميذ، مؤكدا أن اللجنة سترفع تقريرا لوالي العاصمة فيما يخص المطاعم المدرسية والبلديات المقصرة.

كانت لجنة التربية بالمجلس الشعبي الولائي للعاصمة، قد قامت في السنوات الماضية، بخرجات ميدانية للاطلاع على سير العمل في العديد من المطاعم المدرسية، واكتشفت نقائص وكوارث في بعض المطاعم، وقررت رفع تقرير مفصل للوالي من أجل التحقيق في الملف، خاصة أن أموالا ضخمة تخصص للإطعام المدرسي، غير أنه لم يتم الكشف إلى حد الآن عما تم اتخاذه من إجراءات ميدانية ضد المقصرين، رغم أن الميدان يكشف عن نقائص وتجاوزات بالجملة.

الحل في ديوان وطني للخدمات المدرسية

من جهتهم، عبر بعض القائمين على المطاعم المدرسية، خاصة المكلفون بملف المطاعم المدرسية، عن رغبتهم في تجسيد فكرة ديوان وطني للمطاعم المدرسية، تحدثت عنه بعض الأطراف ومنهم مسؤولون محليون، في الموسم الدراسي الفارط، بسبب ما يشوب هذا الملف من غموض والمشاكل التي تطرح في الميدان، خاصة ما تعلق بالتسيير، مؤكدين أن مهمة الديوان الذي اقترحته عدة أطراف، ستقتصر على التكفل بمهمة الإطعام في الطور الابتدائي، نظرا لما تشهده المطاعم المدرسية من تقصير في العديد من المدارس الابتدائية، حيث تقدم وجبات باردة للتلاميذ، ويحرم آخرون منها، رغم أن المرسوم التنفيذي الذي صدر في جانفي 2018، والذي يحدد كيفية تسيير المطاعم المدرسية، يمكن البلدية في حالة عدم توفر شروط إنجاز مطعم في مدرسة ابتدائية، من إنجاز وتهيئة قاعة مخصصة للإطعام المدرسي بنفس المدرسة ، أو تخصيص فضاءات مهيأة لفائدة التلاميذ، في حين أكد المرسوم على ضمان البلدية تسيير المطاعم المدرسية، التي تتم مراقبتها بالتنسيق مع قطاع التربية، والتعاون مع القطاعات المعنية الأخرى، لضمان احترام المعايير الصحية، والمطابقة مع القواعد المتعلقة بالنظافة.