رغم ارتفاع سعر "الشدة" التلمسانية

لباس عريق لا تتخلى عنه العروس

لباس عريق لا تتخلى عنه العروس
"الشدة" التلمسانية
  • القراءات: 2223
❊نور الهدى بوطيبة ❊نور الهدى بوطيبة

تعد الشدة التلمسانية الشهيرة، التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية ضمن التراث العالمي عام 2012، من أشهر الأزياء التقليدية الجزائرية، حيث تدخل ضمن العادات اللباسية العريقة لمدينة الزيانيين، غرب البلاد، تتزين بها الفتاة لأول مرة خلال زفافها، ولا يجوز ارتداؤها لغير المتزوجة إلا خلال طفولتها، لما لهذا اللباس الذي يصل وزنه إلى 15 كيلوغراما من أصول وأحكام تعكس أصالته.

يتألف اللباس التقليدي من قطع عديدة، أولها القفطان، البلوزة، الفوطة، الشاشية، إلى جانب الأكسسوارات، ومختلف تلك القطع من مصادر مختلفة، حيث يستمد القفطان عراقته من الزي العثماني، والبلوزة من منشئها العربي، بينما تنتمي الفوطة إلى مكونات اللباس الأمازيغي، والشاشية التي تنسج بخيوط ذهبية ذات أصل أندلسي.

يعتبر لباس الشدة أرقى لباس تقليدي في حضارة الزيانيين، ويعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر، يتكون من فستان حريري واسع الأكمام مصنوع من قماش رقيق وشفاف يسمى القطيفة، ومنمق بحبات من اللؤلؤ ومرصع بالبرقة والدانتيل المطرز الذي يطلق عليه التلمسانيون الفتلة، وهو خيط ذهبي يصنع في تلمسان نفسها، حيث تكونت عائلات منذ القدم في هذه الحرفة، وأصبح لها اليوم صدى، ومعروفة في التخصص في هذا الزي التقليدي.

سمي هذا الثوب بالشدة لأن الخيوط والمجوهرات مشدودة ومتماسكة مع بعضها، فهو يحتوي على عدد كبير من الأكسيسوارت، يركب البعض منها على الصدر والباقي على الجبين، إلى جانب المجوهرات الأخرى، كالأساور والأقراط والخواتم، إلى جانب الخلخال، كلها تتطلب مختصة لوضعها على العروس وشدها بأحكام، نظرا لثقل وزنها، فلابد أن تكون مشدودة بطريقة تمنعها من الوقوع خلال الوليمة، لاسيما أن قطعا منها ثمينة، كما لابد أن تحسن "الشادة" (المرأة التي تُلبسها للعروس)، وضعها على المرأة بطريقة تجعلها تتحمل ثقلها دون أن تتعبها، أو أن تجعلها تشعر بدوار أو صداع، خصوصا أن "الشاشية" التي توضع فوق الرأس تحمل عددا كبيرا من "الزرارف"، وهي أساور خاصة بالجبين تغطي كافة المنطقة، لا يظهر من الفتاة إلا وجهها.

للباس الشدة تاج ملكي مخروطي الشكل، يطرز بالفتلة ويغطى الجزء السفلي منه بقلادة من الذهب الخالص المزينة بالأحجار الكريمة، مثل الياقوت والزمرد والألماس، ويرفق على مستوى العنق بقلادة، أما الأذنان فتزينان بأقراط مخرزة كبيرة الحجم تسمى القرص، ويوضع حول الخصر منديل يسمى المثقلة، يتميز بخيوط ذهبية عريضة. وفي منطقة الصدر يلبس قفطان قصير يطلق عليه الجوهر، وهو مرصع بنحو 50 صنفا من المجوهرات التلمسانية التقليدية الذهبية، أما الشاشية فتحمل تطريز المجبود، كلها مصنوعة من خيوط ذهبية أو فضية، حسب تفضيلات العروس.

نظرا لارتفاع سعر هذا اللباس، لم تعد تكلف الفتاة نفسها عناء اقتناء كل ذلك، بل تكتفي بخياطة القفطان أي القطع القماشية، وتلجأ إلى كراء باقي الأجزاء، لاسيما الأكسيسوارات، حيث تتزين بها العروس خلال زفافها، وهو اللباس الذي تخرج به من بيت أبيها وتتوجه به إلى مكان الزفاف، كما ترتدي المتزوجات حديثا من عائلة العريس، نفس اللباس التقليدي لاستقبال العروس، وتبقى العروس مرتدية له إلى حين قدوم العريس على فرسه ويكشف وجه عروسه المغطى بالحايك، لتنطلق المراسم في أجواء ملكية جميلة تلفت أنظار العالم نحوها.