نواب يثمّنون حملة مكافحة المتورطين في الفساد

رفع الحصانة عن المتورطين يعيد للبرلمان مصداقيته ونقاءه

رفع الحصانة عن المتورطين يعيد للبرلمان مصداقيته ونقاءه
  • القراءات: 994
شريفة عابد شريفة عابد

ثمّن نواب من تشكيلات سياسية مختلفة إجراءات تجريد زملائهم المتابعين من قبل العدالة من الحصانة البرلمانية، معتبرين أن الإجراء سيعيد للبرلمان مصداقيته ودوره الوظيفي التشريعي والرقابي، ويحيد مستقبلا كل المتورطين في الفساد عن الترشح للمناصب النيابية، والتي اتضح ـ حسبهم ـ بأنها أصبحت مطية للحصول على الحماية القانونية والإفلات من أية عقاب أو متابعة”.

منذ تأسيس أول برلمان جزائري اعتمد الدستور على الحصانة البرلمانية، أسوة بما هو معمول به في التشريعات البرلمانية الأجنبية، وهذا حتى يقوم ممثلو الشعب بأداء دورهم الرقابي على الجهاز التنفيذي سواء على أعضاء الحكومة أو على الولاة وأعضاء الإدارة المحلية بصفة عامة، فضلا عن تكريس حق النائب في الاضطلاع بدوره التشريعي في تشكيل لجان استعلام واقتراح القوانين..

وقد نص دستور 2016 في مواده 126، 127، 128 على هذا الحق وفصلت المادة 72 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني ذلك، غير أن ورقة الحصانة البرلمانية طالها التمييع والتشويه مع مرور الوقت، بالنظر لاستغلالها السيئ من قبل بعض النواب كمطية لتحقيق أهداف ومصالح شخصية خارج سلطة القانون.

ولعلى المتابعات القضائية التي تطال اليوم النواب من الغرفتين بعد تحرر العدالة من سلطة ”الهاتف والأوامر الليلية”، لدليل قاطع على ذلك، إذ بلغ عدد المطلوبين من قبل العدالة لحد الآن 6 نواب من المجلس الشعبي الوطني و6 اعضاء بمجلس الأمة والقائمة لاتزال طويلة حسب المتابعين للملف.

على الأحزاب تحمّل مسؤولية تقديم مرشحين نزهاء

ويسترجع عبد الرحمان بلعياط، وهو نائب ووزير سابق في عهد الحزب الواحد، في حديثه إلى ”المساء” حول الموضوع واقع الحصانة البرلمانية خلال الفترة التشريعية 1962 – 1964 ثم من  1977 إلى 1988 خلال رئاسة رابح بيطاط للبرلمان، حيث كانت المسائلات ـ حسبه ـ تطال النواب لأسباب معظمها مرتبطة بخلافات شخصية بسيطة لا تتعلق بقضايا الفساد، مشيرا إلى أن أغلبية النزاعات كانت تسوى بتدخل مكتب المجلس دون وصول القضية إلى العدالة حفاظا على سمعة البرلمان.

كما كان الحزب ـ حسب نفس المصدر، ـ يملك سلطة أدبية وأخلاقية على النواب ويسهر على انضباط ممثليه بالقاعدة وبأن يكونوا قدوة ويبتعدون عن الفساد.

ويعتبر بلعياط، المتابعات القضائية التي تمس بعض النواب بالغرفتين اليوم ”نتاج لعدة أسباب أهمها غياب الدور الأساسي للأحزاب، حيث لا تقوم باختيار مناضلين أكفاء ونزهاء يكونون بعيدين عن شبهات الفساد”، قبل أن يستطرد ”بل يجب أن تفعل لجان الانضباط لإقصاء المناضلين الفاسدين قبل تقلدهم أي منصب للمسؤولية ووصولهم للبرلمان، الذي يعتبر مؤسسة هامة من مؤسسات الدولة.. الأمر الذي غيب تماما اليوم، حيث أصبحت سلطة المال هي المعيار الأول لدى البعض في ترتيب المناضلين في القوائم الانتخابية،نتيجة لتغيير النظام الاقتصادي من موجه إلى حر”.

وثمّن بلعياط، تغليب سلطة القانون لمتابعة المفسدين من خلال الإجراءات الجارية لرفع الحصانة على النواب.

كتلة الأحرار: الحصانة كانت تستمد من الولاء للعصابة

ويتطرق نائب ورئيس الكتلة البرلمانية للاحرار جبايلي يوسف، في حديثه إلى ”المساء” إلى أن الحصانة البرلمانية وإجراءات رفعها اليوم وارتباطات أصحابها في الماضي القريب بالولاءات التي كانوا يكنونها لمن أصبحوا يسمون بـ«العصابة”، مشيرا إلى أن بعض النواب والمسؤولين كانوا يقومون بالتطاول على سلطة القانون محتمين بالحصانة التي توفرها لهم قاعدة ”الولاء للعصابة”، التي كانت تمنحهم الضوء الأخضر للقيام بأي شيء وتفتح أمامهم جميع الأبواب للثراء، حيث استدل في هذا الصدد، بوصول الكثير منهم للبرلمان عبر بوابة المال.

ويرى المتحدث أن الحراك الشعبي حرر النواب ومنحهم اليوم الحصانة الحقيقية وليست الحصانة الصورية التي كانت تمارس في غير محلها ”بدليل ما تقوم به العدالة اليوم”.

ولا يرى نفس النائب أن المتابعات القضائية فيها تشويه للبرلمان، بل بالعكس يعتبرها آلية لتطهيره وتحصين مستقبله، ”حتى لا يكون محل طمع من قبل المتسلقين والراغبين في التحصن تحت مظلة البرلمان لتحقيق مأرب شخصية”.

الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء مع الإبقاء على الحصانة

أشاد رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، تمرابط ناجي، في تصريح لـ«المساء” بحملة المتابعات القضائية التي تقوم بها العدالة لمكافحة الفساد، مشيرا إلى أن مجموعته البرلمانية، تضع كامل ثقتها في العدالة التي استرجعت حريتها الكاملة. واستبعد أن تكون تحركاتها على مستوى الغرفتين غير مؤسسة أو تتعلق بتهم خفيفة ”لأن هناك إجراءات قبلية تتم على مستوى مكتب المجلس والعدالة واللجنة القانونية وما يثبت أن المطلوبين ضالعين في قضايا كبيرة”.

ويرى المتحدث أن ما يجرى بالبرلمان اليوم هو تصحيح لمجرى الأمور كون الحصانة استغلت ـ حسبه ـ في غير محلها، مقدرا أنها ”ستكون درسا في المستقبل لتقدم أي فاسد لتمثيل الشعب، لأنه لن يوفر له الحصانة على المخالفات والأعمال التي يمارسها خارج القانون”.

أما فيما يتصل بمطالب البعض بإلغاء الحصانة على النواب نهائيا فيرى فيها ممثل الإتحاد، أنها مخالفة للأعراف والتقاليد الديمقراطية المعتمدة في جميع الأنظمة الدستورية، كونها تبقى الإطار الذي يمكن النائب من ممارسة حقه الرقابي الكامل على الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها، ”حيث تعطيه حق النقد والاستعلام والبحث وغيرها من الحقوق التي يستمدها ويمارسها بحكم الثقة التي وضعت فيه من قبل الناخبين”، ليخلص تمرابط في الاخير إلى التأكيد بأن الاستثناء الذي يشهده البرلمان اليوم من متابعات لا يلغي الحق العام الذي يتمتع به النواب في الحصانة البرلمانية، مشيرا إلى أنها لابد أن تكون هذه المرحلة محطة لتصحيح الأمور والارتقاء بالدور البرلماني إلى مستوى طموحات الشعب فقط.

جبهة المستقبل: المتابعات نتيجة لتموقع أصحاب المال الفاسد

من جهتها تبارك كتلة جبهة المستقبل، حسبما جاء على لسان نائبها زين العابدين ديديش، إجراءات رفع الحصانة عن النواب المتابعين في قضايا الفساد على مستوى الغرفتين، تقديرا منه أن ممثل الشعب لابد ان يكون يتمتع بالأخلاق الحميدة ويصون أصوات الشعب ”وليس بوقا لسلطة المال الفاسد التي كانت السبب في وصول العديد من المفسدين إلى الهيئة التشريعية”.

أما بالنسبة للآثار التي تترتب عن هذه المتابعات فيحصرها محدثنا، في استرجاع البرلمان لمهامه الحقيقية بعيدا عن أية وصاية، متوقعا عزوف الفاسدين مستقبلا عن الترشح بسبب الخوف من فقدانهم الحصانة في حالة الإخلال بالقانون، كما أكد انه خلال الـ20 سنة الماضية، لم نشهد تغليب السلطة التشريعية على التنفيذية وهو ما سيتجلى فعليا في المستقبل بعد تحرر البرلمان.