تعرف ازدهارا عند الغرب

كتب الجيب مفقودة في العالم العربي

كتب الجيب مفقودة في العالم العربي
  • القراءات: 1636

يلعب حجم الكتاب دورا كبيرا في تشجيع القارئ على اقتنائه، وقد قيل إن الكتاب كلما كان صغيرا هينا للحمل، قلّ ثمنه، وأصبح في متناول فئات واسعة من الجمهور القارئ. فهل يلقى كتاب الجيب نجاحا في العالم العربي مثلما عليه الأمر في العالم؟

في ثلاثينيات القرن الماضي، أطلقت دار بنغوين الإنجليزية كتبا صغيرة الحجم، بحيث تتسع لها جيوب المعاطف والسترات، وقد بيعت في محطات القطارات، مما جعل المسافرين يقبلون عليها لقتل الوقت خلال رحلاتهم، بالقراءة.

الفكرة التي قفزت إلى فرنسا بعد سنوات، تطورت لتنجب ناشرين دخلوا مغامرة اقتصادية جديدة، تضع عظماء الأدب في أيدي الطبقات الفقيرة، لأن القراءة ظلت لعقود من الزمن منحصرة في الطبقات الأرستقراطية. وقد قيل، إن من نتائج الثورة في فرنسا، تمكين الفرنسيين من قراءة سارتر ومفكرين آخرين بسبب تقليص كلفة الكتاب وحجمه، فدخلت ثقافة الوعي البيوت المنسية في قاع باريس، ولم تصبح حكرا على طبقات معينة. وكيفما كانت الآراء متضاربة، فإن الأمر واضح بالنسبة لنا أيضا، لأن فكرة كتاب الجيب نجحت في القاهرة في أوج تألق أم الدنيا على المستويات كلها، ثم خمدت لسوء نوعية المادة المقدمة، كما نجحت في بيروت، حيث نذكر تجربة الناشر رياض الريس، التي رغم نجاحها توقفت بعد سنوات لأسباب ربما مادية محضة، ضربت سوق الكتاب بشكل عام، وطالت الدار، خاصة أن أغلب كتبها تقلق أنظمة كثيرة وتمنع من المشاركة في المعارض الدولية.

واقع كتب الجيب في العالم العربي 

السائد في العالم العربي هو الحجم (الستاندرد) المتفق عليه في المطابع، وهو حجم كبير، غير عملي، إضافة إلى أن الكاتب العربي ـ عموما- لديه الكثير من الكلام الذي يملأ به مؤلفاته الضخمة، فتصبح عملية حمل الكتاب وكلفته عبئا عليه. في غياب هذه التجربة الجيدة، خسر القارئ العربي الكثير، حتى أن القراءة تحولت إلى بذخ ارستقراطي غير متاح لفئات كثيرة. من المؤلم أن تلتقي في مكتبة قارئا يعيد الكتاب إلى مكانه، رغم رغبته في شرائه بسبب ثمنه المرتفع، ومن المحزن أكثر أن تقترح كتابا على صديق، فيجيبك أنه لن يستطيع أن يقتنيه لارتفاع ثمنه، والناشرون يشتكون أيضا من قلة الإقبال على الكتاب، وهلُمَّ جرا… وكأن الأمر متاهة وقعنا فيها إلى الأبد.

لماذا لم ينجح كتاب الجيب في العالم العربي؟ 

في مقال كتبه عبدو وازن، يشرح الأمين العام للناشرين العرب بشار شبارو، أسباب عدم نجاح هذه التجربة، ومن أطرفها، سهولة سرقة كتاب الجيب خلال المعارض، مما يعرض الناشرين لخسائر جمة، وفي كل الحالات، الكتاب المرغوب يقرصن بمجرد صدور طبعته الأولى، إذ في ظرف قياسي تملأ النسخ المقرصنة مواقع كثيرة يصعب السيطرة عليها، وإلى هذه اللحظة لم يجد الناشرون العرب حلا لهذه المعضلة. ويبدو أن القارئ العربي مقسم إلى قسمين؛ قسم أرستقراطي متمكن ماديا ومتاح له شراء ما يريده من كتب، وقسم فقير يعتمد الكتاب المقرصن غير عابئ لا بحقوق الكاتب ولا بخسائر الناشر.

للقارئ، رأي آخر في هذا الموضوع، فالكتاب المقرصن رحيم بجيبه وبالنسبة له من حقه أن يقرأ، سواء كان ثريا أو فقيرا، سواء توفر الكتاب في بلاده أو منع، سواء كان الكتاب جيدا أو سيئا، فهو غير مستعد ليشتري البطيخة مغلقة، ليفاجأ فيما بعد أن ما اشتراه لا يرقى إلى مستوى أفكاره ومبتغاه، وهذا سبب آخر مقنع في زمن تغليف الكتب وصعوبة إلقاء نظرة على بعض محتواها.

حسب دراسات غربية، فإن قارئ كتاب الجيب هو نفسه في الغالب قارئ الكتاب الكلاسيكي العادي، الذي وجد فرصة لشراء عدة كتب بدل شراء كتاب، بالتالي فإن تقسيم القراء إلى فئتين، إحداهما أرستقراطية والأخرى فقيرة، يبدو مجحفا في حق هذا القارئ، وإن كان جزء منها صحيحا. الإقبال على القراءة يتطلب مجهودا، لهذا تبدو منافسة الكتاب المقرصن الذي يملكه القارئ بكبسة زر، عرضا مغريا له، يوفر في هذا الزمن المعقد التنقل من أجل اقتناء كتاب. بعض المكتبيين، أمام هذه المعضلة يقترحون توصيل الكتاب للقارئ بمبلغ زهيد، ويعملون جاهدين على إغراء القارئ لاقتناء كتاب ورقي بغلاف جميل، معتمدين الترويج له باختيار جمل مؤثرة من قلب النص، ويبدو أن هذه الطريقة لها مفعولها، لكن فقط داخل المدن الكبرى، فيما المناطق النائية بقي وضعها على حاله، محرومة من كماليات كثيرة ومنها كمالية القراءة.