تعرف بمدينة "المتقاعدين"

"كالاما" مصدر إلهام الكتاب والشعراء والرسامين

"كالاما" مصدر إلهام الكتاب والشعراء والرسامين
  • القراءات: 2248
وردة زرقين    وردة زرقين

تتربع مدينة قالمة على معالم تاريخية هامة تكشف عن تعاقب الحضارات، كانت ومازالت مصدر إلهام الكتاب والشعراء والرسامين، "كالاما" الرومانية قديما وقالمة حديثا، يطلق عليها الشعراء اسم مدينة "المتقاعدين"، نظرا لهدوء ولطافة جوها، ورقة طباع أهلها، وانتشار المساحات الخضراء والحدائق والأشجار في كل أرجائها، بحيث تعد الحدائق والمساحات الخضراء المتنفس الوحيد والقلب النابض للمدينة، إذ يكون التأمل في حديقة  يسودها جو من الهدوء والراحة والسكينة، بحيث توفر هذه الحديقة الجو المناسب للتأمل، وتضم قالمة كذلك مبان عمرانية ذات هندسة جميلة تضاهي العمران الأوروبي، وبما أنها تُعرف بمجازر 08 ماي 45 ورمز الكفاح والصمود، وتخليدا لذكرى بطولات الأهالي، تم تشييد وبناء نصب تذكارية مخلدة بالمدينة.

الحدائق والمساحات الخضراء القلب النابض للمدينة

تتوفر مدينة قالمة على عدة حدائق عمومية تساهم في تلطيف الجو داخلها، ولعل أهم هذه الحدائق التي ما زالت تحافظ على جمالها، حديقة "كالاما" الأثرية، التي تتوسط مدينة قالمة بمحاذاة المسرح الروماني، وأمام ثانوية "أول نوفمبر" بجانب الثكنة القديمة "حديقة مصطفى سريدي"، كما توجد حديقة "الإخوة بلمخ" المقابلة لمقر الولاية، ناهيك عن المساحات الخضراء في كل من حي "الأمير عبد القادر"، حي "عقابي"، حي "الباتني"، عمارات "الملعب القديم"، دون أن ننسى "البلاصا" بما يعرف "السكوار" عند القالميين، والتي تستقطب الكثير من الناس نظرا لجمالها وكثافة أشجارها، حيث أن المتجول في عاصمة ولاية قالمة عبر شوارعها وساحاتها وحدائقها، يلاحظ جمالها الذي يضاهي جمال ساحات وحدائق أوروبية شهيرة.

تشهد الحدائق والمساحات الخضراء بقالمة يوميا، توافد المواطنين من داخل وخارج المدينة، وحتى الزوار، لما تتوفر عليه من اخضرار ومعه الأزهار الجميلة في أرجاء الفضاء الطبيعي للاسترخاء والتأمل والاستراحة، وتبادل أطراف الحديث تحت زقزقة العصافير وهواء الأشجار النقي. 

تحتوي حديقة "مصطفى سريدي" بقلب مدينة قالمة، على تحف أثرية وأنصاب جنائزية تعود إلى الفترة الرومانية، حيث عرفت الحديقة أشغال تهيئة ممرات وغرس أشجار للزينة بالمساحات الخضراء، مع الإبقاء على المحافظة على الطابع الأثري لها، إضافة إلى تشغيل الإنارة الليلية، بحيث خُصص لهذا الفضاء، أعوان نظافة وأمن بلدي للمحافظة عليه وصيانته بشكل دوري، وشهدت الحديقة العمومية التي تتربع على مساحة تزيد عن 9 آلاف متر مربع، وتتميز بأصناف نباتية متنوعة، منها الورود، الكاليتوس، التين والدردار وغيرها، عملية ترميم وتهيئة كبيرة قادتها البلدية منذ 2017، بعد ما انهارت على مر السنين، وبعد عملية الترميم والتهيئة التي دامت حوالي ثلاث سنوات، بدأت ملامح الجمال تظهر مجددا على الحديقة، التي يعود تاريخ نشأتها إلى منتصف القرن 19 ميلادي، قبل أن تتحول إلى متحف في الهواء الطلق سنة 1904، أسسه الباحث في الآثار "شارل ألبير جولي" الذي شغل في العهد الاستعماري، منصب نائب رئيس البلدية.

عرفت عملية التهيئة كذلك، إعادة تنظيم كل المربعات الخاصة بالمساحات الخضراء وغرس مختلف أشكال الزهور والورود متعددة الألوان، كالأبيض والأحمر والبنفسجي والوردي، وتمت زراعة العشب الطبيعي بكامل المساحات المخصصة، بالإضافة إلى وضع كراسي للجلوس بالممرات التي أعيد تبليطها، ويعتبرها ناس قالمة على أنه تراث مادي هام وشاهد على الحضارات المتعاقبة، من خلال القطع الأثرية التي كانت موزعة لعقود من الزمن، قبل أن يتم تحويلها إلى حديقة "كالاما" المتواجدة بجانب المسرح الروماني، فهي بالنسبة لهم، نموذج مصغر عن حديقة "الحامة" بالجزائر العاصمة، حيث يجدون فيها راحة البال وهدوء الأعصاب، تحت ظل الأشجار التي تنبعث منها زقزقة العصافير، إذ اعتادوا على الجلوس فيها يوميا لساعات من الزمن، خاصة المتقاعدون.

تخصيص فضاء لبيع الزهور

يرى المختصون والمهتمون بعالم الورود وعشاق الزهور وهندسة الحدائق ونباتات الزينة، أنه بالإمكان تخصيص فضاءات في هذه الحدائق والمساحات الخضراء لعرض منتجات الزهور والورود وبيعها، وإطلاق نشاط الديكور وتجهيز سيارات العرسان والمناسبات، وربما يتوسع المشروع إلى مملكة حقيقية للورود بقالمة، لما يختصره الورد من أجمل وأصدق الكلمات التي تبوح بها رائحته، فشراء الورد ونباتات الزينة، يضفي بهجة وسعادة على البيوت، فهناك أزهار الربيع وأزهار الصيف وأزهار الخريف والشتاء ونباتات الظل والضوء، بعض بائعي الورود ممن تحدثت إليهم "المساء"، يتخذون من هذه المهنة تجارة، وآخرون يتمتعون بخبرة وشغف، ويأمل المختصون في الزهور والمشاتل عرض المنتجات الحرفية وكل مستلزمات الزينة للعروس بأسعار مغرية، خاصة إذا توفرت أماكن خاصة، لأن بيع الورود يخضع لواقع السوق والتسويق، فثقافة بيع الورود واقتنائها تبقى محدودة نوعا ما في قالمة، رغم أن المشروع يلفت اهتمام وأنظار المارة في شوارع المدينة، بالتالي فإنه بإمكان سلطات البلدية والولائية الالتفات إلى هؤلاء المهتمين بعالم الزهور، خاصة بالنسبة للبطالين الشباب والعاطلين عن العمل، بتوفير مكان مخصص لبيع منتوجاتهم ومساعدتهم في تحقيق رغباتهم وتوفير قوتهم اليومي.

تحف معمارية نادرة تروي قصة قالمة القديمة

تعد مباني الخزينة العمومية، المسرح الجهوي، البريد المركزي، مدرسة "مولود فرعون"، ثانوية "محمود بن محمود"، المعهد الفلاحي، المحكمة الإدارية، محطة القطار، "الساتيام" أو بما يعرف "البطيمة العوجة" وعمارة "علي شوشنة" الشهيرة، من أجمل المبانى بمدينة قالمة حتى الآن، كما أنها من بين التحف المعمارية النادرة بقالمة القديمة، هذه الشواهد العمرانية الجميلة تضم معالم هندسية جميلة، وهذه المعالم العمرانية الخاصة بالمرحلة الاستعمارية تروي قصة قالمة القديمة التي دخلها الرومان والبيزنطيون والأتراك والفرنسيون وغيرهم من الحضارات الأخرى، تركت شواهد حية لا تزال تتحدى الطبيعة والزمن منذ آلاف السنين، فيما اختفى البعض منها، فمحطة القطار والمعهد الفلاحي ومبنى الخزينة العمومية وغيرها من المعالم العمرانية والإبداع الهندسي، بقي البعض منها صامدا إلى غاية اليوم، محافظا على جماله وعلى الطراز الهندسي الجميل، خاصة عمارة "علي شوشنة الكبيرة" التي بنيت بعد سنة 1840، بدأت تتصدع وتتدهور، ويرى الكثير من سكان مدينة قالمة القدامى، بأن المهندسين عجزوا عن بناء تحف معمارية تضاهي تلك التحف التاريخية الجميلة والحدائق والفضاءات العامة، وتعتزم السلطات المحلية بقالمة على المحافظة على هذه المعالم الهندسية من خلال عمليات الترميم.

المسرح الجهوي "محمود تريكي"

من المرتقب أن تنطلق قريبا، أشغال ترميم وإعادة تجهيز المسرح الجهوي "محمود تريكي"، باعتباره معلما تاريخيا، انطلق في تأسيسه سنة 1845 وانتهت أشغال بنائه سنة 1880، وستمس عملية ترميمه عدة جوانب؛ من تجديد الخشبة وتوسيعها وتجديد الكراسي والأرضية، بما في ذلك تزويد القاعة بأجهزة التبريد والتدفئة وكاميرات المراقبة وأجهزة تقنية، إلى جانب الإنارة، لجعله صرحا يرتقي لمواصفات المسارح الأخرى عبر ولايات الوطن.

البريد المركزي

يعد مبنى البريد المركزي الذي يتوسط مدينة قالمة، من أجمل المعالم المعمارية بالمدينة القديمة التي مازالت تثير إعجاب السكان وزوار "كالاما" العريقة، وقد تم بناء البريد المركزي بمدينة قالمة قبل استقلال البلاد بأشهر قليلة، وظل الرئة التي يتنفس بها قطاع البريد في المنطقة، قبل بناء مرافق أخرى بمدن رئيسية بعد الاستقلال، بالإضافة إلى الخدمات التي يقدمها للمواطنين، فإن البريد المركزي لمدينة قالمة يعد من المعالم السياحية بالمدينة القديمة، إلى جانب المسرح الروماني، الحديقة الأثرية "كالاما" والسور البيزنطي الكبير، وعاد البريد المركزي إلى النشاط بعد توقف دام نحو ستة  أشهر تقريبا، بسبب عمليات تهيئة وترميم شملت الواجهات الخارجية والأقسام الداخلية، بعد إجراء تعديلات على القاعة الرئيسية والشبابيك.

مدرسة "مولود فرعون" وثانوية "محمود بن محمود"

لا تزال مدرسة "مولود فرعون" وثانوية "محمود بن محمود" العريقتان تحافظان على جمالهما الخارجي الجذاب، هذا الصرح العلمي والإرث الثقافي، كان متميزا باستقطابه لتلاميذ من مختلف ربوع الوطن وأبناء الجزائر، وكذا من قارتي آسيا وإفريقيا لسنوات.

النصب التذكارية مخلدة لكفاح وبطولات أهل قالمة

قدم أهل قالمة نشاطا جهاديا بطوليا ضد الاستعمار الفرنسي، وتُعرف قالمة بمجازر 08 ماي 1945، من أبرز معاركها؛ معركة "مرمورة" ومعركة "البسباسة"، وتخليدا لذكرى بطولات الأهالي، تم تشييد وبناء نصب تذكارية للصمود والتحدي مخلًدة بالمدينة، لتصبح معلما مميزا يندرج في إطار منظومة تجميل المدينة، ومن بين النصب التذكارية، نذكر الجدارية المخلدة لشهداء ولاية قالمة، إلى جانب نصب تذكاري لمجازر 08 ماي 45 بحي "الكرمات"، أمام رئاسة الجامعة بأعالي مدينة قالمة، في وسط المدينة على مستوى ساحة 08 ماي، مقام الشهيد بحي "مخانشة" وغيرها، كما تم تشييد نصب تذكارية لأبرز الشخصيات التاريخية في قالمة، منها لرئيس الراحل هواري بومدين بساحة 19 مارس وسويداني بوجمعة بشارع سويداني بوجمعة.

تجدر الإشارة إلى أن زائر قالمة، يدخل المدينة من مدخلها الغربي الذي يسميه القوالمية "باب قسنطينة"، رغم أنه طريق يؤدي إلى اتجاهين، الأول نحو سكيكدة والثاني نحو قسنطينة، ومن الجهة الشمالية من مدخل "باب عنابة"، ومن الجهة الجنوبية مدخل "باب السوق"، بالإضافة إلى مدخل آخر من الشمال الشرقي في اتجاه سوق أهراس.