في جو مهيب وبحضور رسمي وشعبي بمقبرة عين البيضاء

قدور بخلوفي أيقونة فريق جبهة التحرير الوطني يوارَى الثرى

قدور بخلوفي أيقونة فريق جبهة التحرير الوطني يوارَى الثرى
  • القراءات: 1670
 سعيد.م  سعيد.م

شُيعت، ظهر أمس بمقبرة عين البيضاء (وهران)، جنازة أيقونة كرة القدم الجزائرية وفريق جبهة التحرير الوطني قدور بخلوفي، وسط حضور شعبي وجماهيري كبير من كل ولايات الوطن؛ حيث توافد المئات من المواطنين من مختلف المناطق، على مقبرة عن البيضاء بوهران لتوديع أسطورة النضال الوطني.

وتميزت الجنازة بحضور رسمي ممثل في والي ولاية وهران السيد مولود شريفي، ورئيس المجلس الشعبي الولائي ورئيس المجلس الشعبي البلدي وبعض المنتخبين والسلطات الأمنية والعسكرية وشخصيات سياسية ووجوه رياضية معروفة وبعض رفاق المرحوم من لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني؛ كسعيد عمارة ومحمد كروم ومحمد معوش، وكذا عدد من رؤساء وممثلي أندية حاليين وسابقين وقدامى لاعبي فرق مدينة وهران ممن دربهم الفقيد، خاصة في الجمعية والمولودية الوهرانيتين.

وسادت مدينة وهران حالة من الحزن عمت الأوساط الشعبية والرياضية عند الإعلان عن وفاة قدور بخلوفي عن عمر يناهز 85 عاما عشية الجمعة، بعد مرض عضال ألزمه الفراش لمدة طويلة، خاصة بين من تكوّنوا على يديه، ونهلوا معارفه ومبادئه.

وعبّر المواطنون الذين قصدوا بيت الفقيد لتقديم واجب العزاء أو الذين حضروا مراسيم تشييع الجنازة، عن تأثرهم الشديد لفقدان الأب والمناضل بخلوفي، الذي خدم الكرة الجزائرية وخاصة الوهرانية منذ تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني سنة 1958، وعُرف بأخلاقه الحميدة، وحبه للجزائر وكرة القدم. 

بصم المرحوم قدور بخلوفي على مشوار كروي حافل كلاعب ومدرب، وكانت أول محطة له في سن 12، عندما أمضى على أول إجازة له سنة 1950 مع فريق ‘’كالو’’، الذي كان يمثل حي ‘’ساطاطوان’’ العتيق الذي وُلد فيه يوم 7 جوان 1934 ونشأ وترعرع فيه. ولما بلغ فئة الأواسط (سنة ثانية) اتصل به فريق الجمعية الرياضية لميناء 86 وهران، الذي كان يمثل حي سيدي الهواري الشهير. ومع هذا النادي دشن لاعبنا سجله الرياضي بنيله كأس الجزائر عقب فوز فريق ميناء 86 وهران في الدور النهائي، الذي جرى على ملعب بوعقل أمام فريق حرس معسكر. وسجل هو هدفا من الهدفين اللذين تفوق بهما فريقه، مع العلم أن قدور بخلوفي لُقب باسم ‘’إيزو مالفي’’ أحد اللاعبين البرازيليين المقتدرين، وهذا اللقب أطلق عليه هنا في مدينة وهران قبل ولوجه عالم الاحتراف.تلقّى قدور بخلوفي أو البرازيلي ‘’إيزو مالفي’’ أول اتصال للانتقال إلى الضفة الأخرى وعالم الاحتراف  سنة 1956 من نادي  فالانسيا الإسباني، والفضل في ذلك يعود لمدربه السابق في فريق كالو الإسباني لارما، الذي أثنى كثيرا على قدرات بخلوفي، بعدها استقر به المقام في نادي موناكو وكان في سن 23. وقد لعب مدرب نادي ‘’سانت أوجان’’ بوهران فريدمان، دورا هاما في ذلك. وكانت أول مباراة احترافية لبخلوفي تلك التي جمعت بين موناكو وفريق رامس لألبارتو باتو، وفيها سجل أول هدف له في مشواره الكروي في البطولة الاحترافية الفرنسية. وفي موناكو زامل المرحوم بخلوفي ثلاثة لاعبين جزائريين آخرين، ويتعلق الأمر بحارس المرمى بوبكر، وزيتوني الذي كان يعد أحد أحسن مدافعي المحور في العالم في ذلك الوقت، والمرحوم عبد العزيز بن تيفور.

وكانت سنة 1958 حاسمة في المشوار الرياضي لقدور بخلوفي، لأنه كان على موعد مع التاريخ، حيث تلقّى نداء جبهة التحرير الوطني بترك ناديه موناكو والالتحاق بتونس؛ قصد تشكيل فريق كروي يكون سفيرا للجزائر على درب النضال من أجل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي الغاشم. والتحق لاعبنا بالجارة تونس رفقة زوجته مدعيا الإصابة، ورافضا في ذات الوقت، عرضا مغريا من نادي ليون. وكان بخلوفي ووزملاؤه زيتوني وبوبكر ورويعي والمسؤول المرحوم محمد بومزراق، الأوائل الذين وطئت أقدامهم الأراضي التونسية، كان ذلك شهر أفريل 1958، وكان أول تدريب للتشكيلة الأولى لفريق لجبهة التحرير الوطني يوم 17 أفريل 1958 على ملعب النادي الإفريقي التونسي، تحت إشراف المرحوم حاج دراوة.

أما أول مباراة لبخلوفي مع فريق جبهة التحرير الوطني فكانت بمناسبة دورة مغاربية نُظمت بتونس باسم "جميلة بوحيرد"؛ حيث فاز فريق الجبهة على منتخب تونس بـ (6 ـ 0) ، وألحق الخسارة بعد ذلك بمنتخب المغرب بـ (4 ـ 0). والمميز في هذه الدورة والذي لم ينسه مخلوفي أبدا وكان يذكره كل مرة وبافتخار، هو أنه ورفاقه لعبوا لأول مرة بالعلم الجزائري، وبعزف النشيد الوطني.

وبعملية إحصائية، أجرى فريق جبهة التحرير الوطني في جولاته التي قام بها، 91 مباراة فاز بـ 65، وتعادل في 13 وانهزم في 13 أخرى، وسجل خط هجومه 385 هدفا، وتلقّى 127 هدفا. وكان بخلوفي يؤكد دائما على أن فريق جبهة التحرير أدى ما عليه، وكان في مستوى المهمة التي أنيطت به، ويردد مقولة أحد السياسيين في ذلك الوقت في حق الفريق، عندما صرح أمامهم بعد استقلال الجزائر: "فريق جبهة التحرير الوطني حقق تقدما بعشر سنوات للكفاح والثورة".

وبعد الاستقلال، اختار المرحوم بخلوفي اتحاد سيدي بلعباس للانضمام إلى صفوفه موسم (1962 ـ 1963). وفي الموسم الموالي (1963 ـ 1964) تنقّل إلى فريق جمعية وهران. وفي سنة 1966 انضم لاتحاد سطيف لموسم واحد، ليضع حدا لمشواره كلاعب سنة 1967. بعدها اقتحم عالم التدريب، حيث أشرف على جمعية وهران موسم (1968 ـ 1969)، ثم درب اتحاد السوقر واتحاد أولاد نايل وفريق سيد علي والنادي المكناسي المغربي وشباب العامرية، وطبعا جمعية وهران التي كان يعود إليها كرة مرة، والتي قادها رفقة مساعده بن دوخة بلبنة في نهائي كأس الجزائر سنة 1983 ضد مولودية الجزائر، وانهزمت فيه الجمعية الوهرانية بنتيجة (3 ـ 4)، وعُدت تلك المباراة أفضل نهائي في تاريخ نهائيات كأس الجزائر، ليتوقف نهائيا عن الممارسة من داخل الملاعب في السنوات الأخيرة، مكتفيا بمتابعة أخبار الكرة الجزائرية، متأثرا بالمرض العضال الذي أصابه في السنوات الأخيرة وأقعده الفراش إلى أن فارق الحياة عشية أول أمس الجمعة عن عمر يناهز 85 سنة، ببيته العائلي بمدينة وهران. رحم الله قدور بخلوفي، وأسكنه فسيح جناته؛ "إنا لله وإنا إليه راجعون".