خبراء يناقشون طرق انتقال اقتصادي سلس بالجزائر

وقف التسيير ”المافياوي” وتقديم ”تضحيات” من الشعب

وقف التسيير ”المافياوي” وتقديم ”تضحيات” من الشعب
  • القراءات: 2752
حنان. ح حنان. ح

أجمع خبراء اقتصاديون على أن تحقيق شروط ”انتقال سلس” على المستوى الاقتصادي، يتطلب من الشعب القبول بـ”تضحيات”، معتبرين أن أي مسار انتقالي ”له ثمن”، وهو ما يتطلب الإجابة على عدد من الأسئلة، أهمها ”هل سيقبل الشعب بتقديم تضحيات اجتماعية”؟ بالمقابل شددوا على ضرورة وقف كل أشكال النهب والتسيير ”المافياوي” للاقتصاد وتحديد الأولويات في مجال الإنفاق العمومي.

هي بعض المسائل التي تطرق إليها أمس، الخبيران الاقتصاديان محمد بوشاقور وحسان بوقاراوون في ندوة نظمت بالجزائر العاصمة، حيث أكدا على أهمية وضع كل المسائل الاقتصادية الوطنية على طاولة النقاش وفتح الباب أمام المختصين والكفاءات من أجل تقديم اقتراحات تسمح بإخراج الاقتصاد الوطني من الوضع الراهن، المتميز خصوصا بالعجز في الميزانية واللجوء المفرط إلى التمويل غير التقليدي لسد هذا العجز، مقابل عدم التمكن من الخروج من دائرة ”الريع”.

في هذا الصدد، وبعد تقديمه لتشخيص عن الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد في هذه المرحلة، وإقراره بأن هناك مشاريع هامة أنجزت في مجال البنى التحتية في الفترة السابقة، رغم تحفظه على ”نوعيتها وتكلفتها”، شدد الخبير بوشاقور على ضرورة وضع ”خارطة طريق اقتصادية” في أقرب الآجال، معتبرا أننا نعيش ”سباقا ضد الساعة وأن كل يوم يمر سندفع ثمنه عشرات المرات”.

وأوضح أن الأولويات التي يجب أن تتضمنها هذه الخارطة ـ وفقا لتحليله - هي ”القضاء على التسيير المافياوي للاقتصاد”،”إعادة الاعتبار للكفاءات” و”تطبيق مخطط تسيير وتهيئة الإقليم” الذي تم وضعه سابقا ولم ينفذ إلى غاية الآن، إضافة إلى ”تحرير المبادرات” و”الذهاب نحو برامج تنموية جهوية” عبر مشاريع محلية تأخذ طبيعة كل منطقة بعين الاعتبار، حيث اعتبر أنه من غير المعقول الاستمرار في التوزيع الجغرافي الحالي للسكان، والذي يتميز بكثافة سكانية عالية جدا بشمال البلاد، ذلك ما يتطلب ـ كما أضاف - توجيه الاستثمارات نحو الهضاب العليا والجنوب.

من جانبه، خصص الخبير بوقاراوون جزءا هاما من مداخلته إلى الإجابة عن سؤال ”كيف يمكن إحداث انتقال سلس في الاقتصاد الجزائري؟”. وبدوره أشار إلى أنه ليس من العدل القول بأن لا شيء أنجز في السنوات الأخيرة، مستدلا بالقول أن الدولة في الفترة الماضية أعادت استثمار ما بين 60 و70 بالمائة من مداخيلها في مشاريع تنموية، بل أنه عبر عن استعداده لمناقشة كل من تساءلوا عن ”أين ذهبت الـ1000 مليار دولار”، حتى وإن اعتبر أن الـ30 بالمائة المتبقية التي ”تم نهبها” هي رقم ضخم.

ولهذا، فإنه شدد على ضرورة استرداد الأموال المنهوبة وتوقيف كل أشكال النهب، لاسيما لإقناع الشعب بضرورة تقديم ”تضحيات” لتحقيق الانتقال الاقتصادي السلس. فهذه التضحيات ـ كما قال ـ تعد شرطا لا مفر منه، من باب أن أي انتقال من وضع إلى آخر له ثمن، وأن محدودية ميزانية الدولة والتي ستشتد مع التراجع المستمر في احتياطات الصرف، التي نزلت إلى ما دون 80 مليار دولار، يحتم تحديد ”أولويات” في الإنفاق العمومي.

ووفقا لنظرته للأمور، فإن تحديد هذه الأولويات يجب أن يتم في إطار نقاش وإجماع وطنيين، لكنه عبر عن اقتناعه بأن ”الأمن والدفاع” يظل على رأس ”الأولويات غير القابلة للنقاش” من باب أنه لا يمكن تحقيق نمو بدون أمن واستقرار، لكن مع فتح النقاش حول ”مستوى الميزانية” المقدمة لهذا القطاع، وبعدها فإن كل من العدالة والتربية يجب أن توضعا في مقدمة الأولويات، وفقا لرأيه.

وتفرض محدودية ميزانية الدولة ـ كما أشار إليه الخبير ـ كذلك فتح النقاش حول إعادة النظر في مسألة التحويلات الاجتماعية، حيث أكد أنه لا يمكن الاستمرار في إعطاء الدعم للجميع بدون استثناء، داعيا إلى الذهاب نحو آليات تسمح بتوجيه الدعم للفئات المعوزة. وهو الأمر الذي يحيلنا نحو الحديث عن ”التضحيات” التي على الشعب تقديمها، حيث لم يخف المتحدث اقتناعه بضرورة طرح ”إشكالية علاقة الجزائري بالعمل” و”إشكالية علاقته بالدولة ـ البايلك” وكذا ”إشكالية علاقته بالمجتمع”.

كما أنه من المهم ”تحديد من يقرر الانتقال وكيف سيتم ذلك، ما هو نوع الاقتصاد الذي نريده ومن الذي يقوم بذلك؟”، حيث يشير الخبير الذي اشتغل في كل من اليابان وروسيا إلى أن بعض الدول لجأت إلى أصحاب المال ولاسيما العائلات الغنية لتحقيق التحول من نظام اقتصادي إلى آخر، لكنه اعترف بأن ”عقلية المقاولين الجزائريين مختلفة”.

وفي ردهما عن أسئلة الحضور حول بعض المسائل الاقتصادية ولاسيما اللجوء إلى الاستدانة الخارجية والتمويل غير التقليدي، أجمع الخبيران على أنه من غير الممكن في الوقت الراهن توقيف طبع النقود، معتبرين أن ذلك سيعني توقيف تسديد الأجور، متسائلين ”هل سيقبل الشعب بذلك؟”.

أما بالنسبة للجوء إلى الاستدانة الخارجية، فإنه في الوقت الذي اعتبرا فيه أن هذه الأخيرة يمكنها أن تشكل محركا للنمو الاقتصادي، فإنها في الحالة الجزائرية، لا يمكن أن تكون قرارا جيدا، بالنظر إلى طبيعة هيكلة الاقتصاد الوطني، عكس البلدان التي تمتلك اقتصادا أكثر تنظيما يلهم الثقة للمستثمرين.