الطلبة يحيون الذكرى الـ63 لإضراب 19 ماي

من التحرير والبناء إلى الحراك الشعبي

من التحرير والبناء إلى الحراك الشعبي
  • القراءات: 1386
مليكة. خ مليكة. خ

تعود اليوم ذكرى إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 في ظل التطوّرات السياسية الدقيقة التي تعيشها البلاد والتي أصبح فيها للطلبة دورا بارزا في الحدث الوطني، من خلال تصدرهم الصفوف الأمامية للحراك منذ انطلاقه في 22 فيفري الماضي.

فبعد أن انتفضوا بالأمس ضد المستعمر الغاشم الذي سلب خيرات هذه البلاد، ومحاولات طمس هويته وسلخ الشباب من وطنيته، هاهم اليوم يخرجون إلى الشارع منادين بمستقبل أفضل للوطن، متشبعين بقيم السلف الذي غرس آخر إسفين في نعش المستعمر الذي حاول بكل الطرق إطالة عمره في الجزائر وإبقائها فرنسية.

وإذا كان طلبة الأمس، قد قرّروا مغادرة مقاعد الدراسة، مفضلين التضحية بطموحاتهم العلمية من أجل خدمة القضية الوطنية التي كان خيارها آنذاك الكفاح المسلح، من منطلق أن القلم ما كان يفيد في مجابهة مستعمر غاشم مارس كل أساليب التجهيل والتقتيل في حق الشعب الجزائري، فإن طلبة اليوم يقومون بدور استراتيجي في دعم الحراك الشعبي المطالب بالتغيير في الجزائر، حيث تساهم النخبة في إعادة هيكلة المشهد السياسي بانخراطها في الحراك .

كما أن خروج الطلبة في المسيرات كل ثلاثاء يبرز الوعي الكبير لهذه الفئة، وفق قناعة أن الاستمرار في الحراك لا يجب أن يضر بأي حال من الأحوال مسارهم الدراسي والذهاب إلى السنة البيضاء.

وفيما تعد مشاركة الطلبة في الحراك أمرا صحيا، كون الجامعة هي من يجب أن تقود هذا الحراك لأنها هي من تحوي النخب، فقد أضحى لها اليوم دورا فعالا، لا سيما فيما يتعلق برفع سقف المطالب الشعبية، خاصة وأن نسبة كبيرة من الشباب اليوم هم من الطلبة، الذين باتوا مقتنعين بأن التغيير لا يكون بالجهل بل بالوعي والعلم، وأن فكرة اللجوء إلى التظاهر والتعبير عن رفض الواقع السياسي له عدة أساليب، تمكّن الطالب من الدراسة والتعبير عن موقفه دون المساس بمستقبله، وفق شعار "صامدون صامدون للنظام رافضون"، فقد شكلت مسيرات الطلبة أكبر قوة ضاغطة وتجاوز صوتها أسوار الجامعات واخترقت الحواجز لتثبت نضج الوعي السياسي لشباب تمسك بشعار "السلمية".

كما لم يتخلف الأساتذة الجامعيون بدورهم عن موعد مساندة صوت الطلبة، فكان لوقفاتهم تأثير كبير على تواصل مسيرات الطلبة. وبذلك تتقاطع تطلعات جيلي طلبة اليوم والأمس عند بناء جزائر جديدة، مثلما حلم بها الشهداء، وبدعم من مختلف شرائح المجتمع التي التفت حول القضية الوطنية، حيث جاء إضراب الطلبة والثانويين بالأمس ليدحض ادعاءات المستعمر بأن ‘’الثورة لا وجود لها في الواقع وأن ما يحدث لا يعدو أن يكون سوى أعمال شغب وإرهاب تقوده بعض المجموعات الطائشة وقطّاع طرق".

وعليه تعد محطة 19 ماي 1956 بمثابة ملحمة تاريخية في كفاح الشعب الجزائري، إذ ساهم هؤلاء الشباب بفضل تكوينهم الفكري والعلمي في تحويل حرب الجزائر من أجل الاستقلال السياسي إلى ثورة وطنية حقيقية، تصبو إلى تحديث المجتمع الجزائري تحديثا تاما وتهيئته لاستيعاب روح العصر بعد استرجاع سيادته وحريته المسلوبة.

وواصلت الفئة الطلابية بعد الاستقلال جهودها من أجل تشييد وبناء الجزائر ومحو آثار التخلف التي خلفها الاستعمار الفرنسي، حتى أصبحت الجزائر تضم عشرات الآلاف من الإطارات وعديد الأدمغة التي تحتل مكانة مرموقة في الخارج.

وبالعودة إلى المحطة التاريخية التي شكلت منعرجا حاسما في رسم منحى كفاح الشعب الجزائري، فإن إضراب الطلبة قد فضح الممارسات التعسفية للمستعمر، كما جاء في ظروف مضطربة جدا تم التحضير له بعقد اجتماعين في أجواء من الديمقراطية.

وتزامن الإضراب مع امتحانات نهاية السنة الدراسية وتقرر على مستوى فرع جامعة الجزائر لاتحاد الطلبة الجزائريين بعد اجتماعات مكثفة لقيادته، ليتم الاتفاق على شنّ الإضراب بعيدا عن أي وصاية سياسية، بغرض إبراز مدى ارتباط النخبة الوطنية بالثورة التحريرية لاسترجاع السيادة الوطنية.

ونجح الإضراب في تحقيق الأهداف المسطرة له، حيث انخرطت فئة الطلبة والثانويين في الثورة، وتدعمت هذه الأخيرة بطبقة مثقفة مكنت من إيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية. ومنذ ذلك التاريخ شرع في تعيين ممثلين عن الطلبة الجزائريين في المهجر في عدة منظمات دولية وإقليمية. وساهم نشاطهم في كسب تعاطف ومساندة نظرائهم في العالم للقضية الجزائرية، ليعزز بذلك الجهود التي أكسبت الثورة الجزائرية اعترافا دوليا.

وفي قراءة للوضع الذي كان يعيشه الطلبة آنذاك، نجد أن الضغوط التي كان يفرزها الواقع الاستعماري لم يمنع الطالب الجزائري من التفكير والتطلع لتغيير وضعيته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، من خلال فرض وجوده بتأسيس جمعيات وتنظيمات تمكنه من إظهار إمكانياته وطاقاته وإيصال طموحاته ورؤاه المستقبلية.

وقد كانت أولى خطوات الطلبة الجزائريين تتمثل في كسب الاعتراف الدولي من خلال الحضور في كل الفعاليات العالمية للدفاع عن مصالح الثورة وأهدافها، ومنها الندوة العالمية السادسة للطلاب في كولومبو التي قبلت الاتحاد عضوا منتدبا فيها، كما افتك الاتحاد الاعتراف به وقبول عضويته في المنظمة العالمية الشرقية، ولم يكتف الاتحاد بهذا، بل راح يكثف جهوده لدى الاتحاديات الطلابية العالمية في كل من سويسرا، هولندا، ألمانيا، إيطاليا، الصين، أمريكا وفي العواصم العربية، شارحا القضية الجزائرية في هذه الدول والعواصم لكسب تعاطفها ومساندتها.