بالتاج يحافظ على إرث الأجداد

الطحن التقليدي للقهوة يعطر أزقة تلمسان

الطحن التقليدي للقهوة يعطر أزقة تلمسان
محمد فيصل بالتاج نور الهدى بوطيبة
  • القراءات: 1073
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

يعد محمد فيصل بالتاج من بين الأشخاص الذين تبنوا حرفة أجدادهم وحافظوا عليها، غيرة منهم على التقاليد القديمة التي كان عليها الأسلاف، الذين بفضلهم لا نزال نستنشق بعض نفحات الزمن الجميل. تعد القهوة المطحونة من النكهات التي فقدناها في العديد من الأحياء، لاسيما أنها كانت تعطر شوارعنا عندما يطلق الطاحن آلته على حبات القهوة المحمصة، ولمعرفة بعض خفايا هذه المهنة الآيلة إلى الزوال، حدثنا فيصل عن أسرار مهنة طحن القهوة المحمصة.

حدثنا عن كيفية تبنيك لهذه المهنة؟

❊❊ أنا من العائلات التجارية المعروفة في الولاية، والمتخصصة في إحدى الحرف أو المهن التقليدية، فالكثير من العائلات التلمسانية تشتهر بحرفة معينة، كصناعة الحلويات "الكعك" أو خياطة الأفرشة، أو "الجلابات" التقليدية أو "القفطان"، أو صناعة الذهب، ويعد طحن القهوة من المهن التي مارسها الأجداد في الولاية، وكانوا يشتهرون بها آنذاك، لاسيما أن تلك الفترة لم تعرف المنافسة الصناعية، ولم تكن هناك علامات تجارية تعلب القهوة وتوزعها على محلات البقالة، إنما كان هناك تبادل للقهوة التقليدية بين مطاحن مختلفة من ولايات عديدة، وهذا ما جعلني بشكل تلقائي، أتبنى الحرفة من الوالد الذي بدوره تلقى أسرارها من والده، وهذا ما يجعلني اليوم أمارس المهنة بكل حب، وأحاول الحفاظ عليها حتى لا تزول.

في رأيك، لماذا تخلى الكثيرون عن ممارسة هذه المهنة؟

❊❊ زالت العديد من المهن التقليدية بفعل المنافسة الصناعية، وهذا ما يهدد بفقدان جزء من تقاليدنا، والمسؤولية هنا لا تعود فقط على الحرفي الذي تخلى عن مهنته، بل كذلك على المواطن الذي لم يعد يتوافد على محلات أصحاب الحرفة، وتوجه  بدل ذلك نحو المنتجات المصنعة، سواء من الأواني التقليدية أو المأكولات أو الألبسة أو غيرها، وهذا راجع إلى زمن السرعة، على حساب النوعية التي تتمتع بها كل تلك المنتجات التقليدية، فرغم بساطتها وعدم التركيز على تغليفها بشكل عصري أو بتفاصيل غير دقيقة، إلا أنها كانت ولا تزال ذات جودة عالية، مفيدة للصحة وتحترم كل معايير السلامة، خصوصا المنتجات الغذائية التي لا تحتوي على منتجات كيماوية لحفظها أو تعطيرها، فهي طبيعية مائة بالمائة.

هل تعتقد أنه من الممكن إعادة الاعتبار لهذه الحرف التقليدية، بما في ذلك طحن القهوة؟

❊❊ لابد من إرادة قوية لتحقيق ذلك، فلا يمكن بين ليلة وضحاها تحقيق هذه الغاية، إنما لابد أن تكون هناك إرادة سياسية وشعبية، أي تسهيل مهام الحرفي والمهني في الصناعات القديمة وصناعة الأغذية التقليدية ومساعدته في تخطي صعاب السوق، ومنافسة المنتجات الصناعية ذات الكمية والإنتاج العالي، فضلا على رغبة المواطن في ذلك، بتوجهه نحو تلك المحلات البسيطة حتى ينتعش عمل الحرفي، وبذلك تكون له الرغبة في مواصلة عمله، وليس التخلي عنه للتوجه إلى مهنة تدر عليه أموالا أكثر.

حدثنا عن مهنة طحن القهوة بالتحديد.

❊❊ هذه الحرفة وللأسف، تحولت اليوم من مهنة أصحابها إلى مهنة يقبل عليها الكثيرون، في حال ما إذا كانت صفقة جيدة بالنسبة لهم، الأمر الذي جعل"ذوق القهوة" يتراجع بشكل كبير، فأين هي تلك الرائحة العطرة التي كانت تنبعث من البيوت عند تحضير القهوة؟ وأين هي  النكهة التي جعلت الكثيرين يقرضون الشعر عن فنجان القهوة؟ فاليوم تغير كثيرا مذاقها وأصبحت تلك الأنواع المصنعة لا تراعي مطلقا معايير الجودة، وأصبح الكثيرون يقتنون القهوة عند تنقلهم إلى دول أجنبية، وأغرب ما في الأمر أنهم يقتنون الأنواع المكتوب عليها "أرابيكا" أي العربية، وهذا دليل على جودة تلك الأنواع، إلا أنه للأسف، تقتنى من أوروبا لفقدان الثقة في الأنواع المحلية، كيف لا، خصوصا إثارة مسألة احتوائها على السكر المكرمل المسرطن، وهي أنواع خطيرة على الصحة.

هل هناك إقبال على القهوة المطحونة؟

❊❊ نعم الحمد لله، طالبوها غالبا من السكان الأصليين بالمنطقة، يدركون نوعية القهوة المطحونة ويعرفون جيدا صناعها واعتادوا عليها أيضا، لاسيما أن أسعارها لا تختلف عن أسعار الأنواع المصنعة والمعلبة، فالسر في تذوق القهوة يبدأ قبل كل شيء في رائحتها العطرة التي تنبعث منها خلال تحضيرها، فلتلك الرائحة أيضا دور في التنبيه، تزيد مادة الكافيين من تنشيط الجسم.