المسيرات الشعبية تحتدم في الجمعة التاسعة

إصرار على القطيعة

إصرار على القطيعة
  • القراءات: 533
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

بإصرار كبير وحماسة لا تنطفئ واصل الشعب الجزائري حراكه أمس، مدركا بذلك الأسبوع التاسع، حيث خرجت حشود من ملايين المواطنين في مسيرات حافظت على سلميتها وتنظيمها رغم محاولات مَنْ يريدون أن ينحرفوا بهذه الهبة ويفرغونها من محتواها السلمي والحضاري، مثلما حدث في العاصمة التي منع بها بعض المنظمين العقلاء شبابا حاولوا الاشتباك مع أعوان الشرطة بالنفق الجامعي، وامتلأت شوارع كل البلديات بربوع الوطن كالعادة، بالمتظاهرين من الجنسين رافعين العلم الوطني واللافتات المطلبية التي تصب كلها في خانة القطيعة مع النظام.

تشابهات المسيرات والهدف واحد هو رحيل النظام، وتكوين مجلس تأسيسي يتم اختياره من طرف الشعب يسير المرحلة الحالية، ويتكفل بالتحضير لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، ولم يقبل المتظاهرون ما وصفوه بـ«التماطل واللعب على عامل الوقت" لبقاء من وصفوهم بغير الشرعيين الذين يختفي وراءهم رموز الفساد، مطالبين بالاحتكام إلى مطالب الشعب الذي يهتف بصوت واحد له مدلول واحد "يتنحاو قاع"، أن يرحلوا جميعا.

وقد وجه المتظاهرون أمس، أسهم الانتقاد إلى فرنسا التي ذكروا أنها تعمل على إجهاض هذه الثورة، واعتبروها "السوسة" التي تنخر جسم الأمة، حيث رفعوا العديد من اللافتات أكبرها كانت بالبريد المركزي، كتبت عليها عبارة: "فرنسا هي منبع الشر على الجزائر.. عدو الماضي والحاضر والمستقبل"، ولافتة أخرى بشارع موريس أودان، كتبت عليها: "نحن بين خيارين: جزائر ابن باديس أو جزائر باريس... جزائر الكرامة أو جزائر المذلة"، واعتبروا أن يد الاستعمار الفرنسي لا تزال تلعب بعقول بعض الجزائريين الذين أوقعهم الحراك في حرج وكشف خيوطهم.

مجاهدون: كونوا يقظين تغلغل فرنسا لن يزول بسهولة

وفي حديثنا لبعض المجاهدين أمام البريد المركزي، وجدنا عددا منهم ملتحفين للعلم الوطني يتناقشون حول وضع البلاد، حيث ذكر أحدهم لشاب استأنس لحديثهم، أن التدخل الفرنسي في الجزائر يمتد إلى الاستقلال، وأنه لا يجب بحال من الأحوال أن نظن بأن فرنسا رحلت تماما، بل هي جاثمة في دواليب التسيير بأعوانها الموالين لها والمؤتمرين بأمرها، وأن الرعيل الأول من الشهداء والمجاهدين الذين حرروا البلاد عسكريا وإداريا، يعلمون أن الاستقلال الكامل والحقيقي لا يتأتى إلا بعد رحيل الأذناب الذين لا يخدمون الوطن بقدر ما يخدمون مصالحهم الشخصية المرتبطة بمصالح فرنسا، مؤكدين أنه ليس من السهل أن يزول هذا التغلغل إلا بشخصيات لا تمتلك بشأنهم فرنسا ملفات تلوي بها أذرعهم حينما لا يأتمرون بأمرها.

ولم يخل حديث المواطنين الذين حاورناهم في المسيرة من توجيه أسهم الحرب للسلطات الفرنسية، مؤكدين أن سبب التردي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في بلادنا، هو التغلغل والاندساس في ضلوع الإدارة ومؤسسات الدولة، مما يتطلب تطهير الساحة ومراجعة توجهات وتصرفات مختلف المسؤولين.

كما جدد المتظاهرون التأكيد على دور الجيش في حماية الوطن ومرافقة الحراك الشعبي، مطالبين إياه بتطبيق المادة السابعة من الدستور وكذا تشديد الحراسة والأمن على الحدود الجزائرية، لمنع أي مسؤول في النظام السابق من الهروب، ودفع جهاز العدالة إلى البدء في التحقيقات الأولية في حق من يحسبون على "زمرة الفساد".

جميلة بوحيرد: اصبروا اصبروا.. النّصر للجزائر

ونحن في شارع ديدوش مراد، التف العديد من المواطنين حول المجاهدة جميلة بوحيرة، وتزاحموا لالتقاط صور تذكارية معها تيمّنا بهذه البطلة التاريخية التي لم يخفها الاستعمار، حيث راحت تنصح جموع المتظاهرين بالصبر وقوة التحمّل إلى غاية تحقيق الهدف المنشود مثلما فعل ذلك الرعيل الأول من الشهداء والمجاهدين، قائلة إن الحقوق مثل الحرية تؤخذ ولا تعطى، فلا تنتظروا أن تمنح لكم الحقوق بسهولة احرصوا ولا تفشلوا.

وبينما كانت تتهيأ لركوب سيارتها تحت هتافات المتظاهرين، وكان العديد من المواطنين يلتقطون لها صورا، راحت السيدة بوحيرد، توصي بعدم التوقف عن الحراك، وتنبّه إلى دور المرأة في مسيرة استقلال الجزائر واستعادة الحرية والسيادة الوطنية، متوجهة إلى الشباب بالقول: "لا تنسوا المرأة الجزائرية التي ضحت من أجل هذا الوطن، يجب أن تنال حقوقها كاملة".

استكملوا الباءات.. ارحلوا جميعا

وطالب المتظاهرون الذين ملأوا شوارع وطرقات قلب العاصمة، ـ يظهر من خلال ما ردده المتظاهرون في مسيرة الجمعة التاسعة على التوالي، وما رفعوه من لافتات ـ هو عدم القبول بالحلول الجزئية وتبديل شخصيات كانت في النظام بأخرى لا تلقى الإجماع من طرف الشعب، الذي يريد أن تكون هناك حكومة انتقالية يختار أعضاءها الشعب ولا ينتمون إلى النظام القديم، رافضين أن يبقى رئيس الدولة هو الذي يعين ويسيّر، معتبرين استقالة الرئيس السابق للمجلس الدستوري الطيب بلعيز، غير كافية لكون ذلك يصب في "إطالة الوقت"، وفي هذا الإطار استغرب أحدهم تصرّف السلطة الحالية التي لم تعر أي اهتمام للمسيرات المتواصلة، وراحت تسلك مسلكها بتعيين كمال فنيش، على رأس هذه الهيئة الحساسة.

وكادت ـ خلال مسيرة أمس، أن تكون هناك احتكاكات بين أعوان مكافحة الشغب للشرطة ومجموعة من الشباب الذين راح بعضهم يريد أن يتحدى الشرطة على خلفية ما حدث في الجمعة الماضية، حيث تم إطلاق القنابل المسيلة للدموع وغيرها، بعد عملية استفزاز من طرف بعض المحركين للفتنة، وأصر العديد من الشبان على استعمال طريق النفق للمرور إلى الضفة الأخرى، لكن قوات الأمن منعت المتظاهرين من دخوله، حيث شاهدنا دخول الشرطة العلمية وحسب بعض المنظمين، فإن الشرطة تقوم بالمعاينة لتفادي وجود أي متفجرات يمكن أن تزرع أو ترمى ويتم تفجيرها عن بعد، وتعد هذه البؤرة أخطر ما سجل في المسيرة، لكن بعض المنظمين ذكروا لنا أن هذا التصرف تقوم به الشرطة كإجراء أمني تحفّظي كي لا تتكرر الأحداث نفسها.