الشاعر والناقد العراقي وليد جاسم الزبيدي لـ’’المساء”:

لا أدب بدون نقد ولا نقد بدون أدب

لا أدب بدون نقد ولا نقد بدون أدب
الشاعر والناقد العراقي الدكتور وليد جاسم الزبيدي
  • القراءات: 882
❊ حاورته: لطيفة داريب ❊ حاورته: لطيفة داريب

شرع الدكتور العراقي وليد جاسم الزبيدي في إصدار عدة دواوين، قبل أن يعرج إلى الكتابة في الفكر والنقد، كما حقق أكثر من مخطوطة، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، في حين له مؤلفان قيد الطبع، وهما دراسة وتحقيق لكتاب غزل المحبين للشيخ مرعي المقدسي، وديوان شعر. في هذا السياق، اتصلت المساء بصاحب الدكتوراه في التراث الفكري، وطرحت عليه عدة أسئلة حول مسيرته الأدبية وآرائه حول واقع الشعر بالعراق والنقد وغيرها من المواضيع، فكان هذا الحوار.

  بدأت مسيرتك الأدبية بالكتابة الإبداعية، ثم انتقلت إلى الكتابة في الفكر والنقد، حدثنا عن هذه النقلة؟

المتابع للتطور في كتابتي، يجد بداياتي مع الشعر منذ وقت مبكر في دراستي الإعدادية، بمشاركاتي المدرسية، ثم في الجامعة، وحتى طباعة وإصدار أول ديوان لي عام 1995م يتمثل في خرافة المرايا، إلى غاية ديواني السابع أناشيد الرائي. ونتيجة للدراسة الأكاديمية ومواكبة ما يتواصل في المشهد الثقافي العربي، وما يُنشر، وما أقرأه، بدأت بدراسة وتحقيق المخطوطات العربية، حيث شرعت بالبحث في مكتبات عراقية وعربية للوصول إلى المخطوط الذي ينفعنا ويهمنا في تراثنا وحياتنا ولغتنا وأدبنا، وشاركتُ في عدد من البحوث والمؤتمرات التي تهتم بالمخطوط العربي وضرورة إحيائه، وطُبعت لي ثلاثة كتب في هذا المجال؛ اثنان منهما في تحقيق المخطوط وهما؛ جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام للشيزري في القرن السادس الهجري، وتحقيق مخطوطة كمامة الزهر وفريدة الدهر لابن عبدون، وكتاب آخر عبارة عن بحث في كتاب يتيمة الدهر ومحاسن أهل العصر للثعالبي.

بعد الولوج في عالم البحث، كانت لي وقفة في الدراسات مع محمد مهدي البصير مؤرخا، ثم تتالت كتب في النقد في الرواية والشعر، نتيجة دراستي الأكاديمية في الماجستير والدكتوراه، لكن هذا لا يمنع من تواصلي مع الشعر، لأنه لا يحده حد أو يحجزه حاجز، فهو يأتيك دون إنذار وموعد، وكان لي بعد كل كتاب أو كتابين في مجالات البحث والتحقيق يبزغ ديوان للشعر.

  هل تعتبر العراق مهدا للشعر؟

الحديث عن الأدب والشعر في بلدي العراق، ستكون شهادتي مجروحة، لكن وكما يعلم الجميع، فإن العراق موطن الشعر والأدب على امتداد العصور، من المربد، ثم الكوفة والبصرة، وبغداد ألف ليلة وليلة، العراق بلد الشعر العربي القديم، وأعلامه الرصافي والزهاوي والجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد آل ياسين.. وعدد كبير من رواد هذا المنهج والمدرسة الكلاسيكية.

العراق مهد الحداثة، حيث منه انطلقت بواكير الشعر الحر (التفعيلة) ورواده ومؤسسوه، الشاعر الكبير بدر شاكر السياب والشاعرة نازك الملائكة، ثم تبعهما الشاعر عبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ولميعة عباس عمارة وآخرون، فالعراق أرض ومهاد الشعر وفيه تلتقي الأضداد، وفيه المؤتلف-المختلف، تنبعُ من طبيعته وأجوائه وإرثه الحضاري الذي يمتد من بابل وآشور وأكد وسومر.

  هل تعتقد أن الساحة الأدبية العربية بحاجة إلى نقاد بنفس حاجتها لأدباء؟

لا أدب بكل فنونه، بلا نقد، ولا نقد بدون مادته الأدب، أو ما نسميه النص، فتطور الساحة الأدبية والمشهد الثقافي العربي لا تكتمل صورته بأحادية الوجود، فالنقد حارس وحامي هذا الكم من النصوص والمخطوط والمقروء، والنقد مرآة لما يُكتب ويُنشر، وهو الدليل والفنار للأدباء والفنانين والمثقفين عموما، ليروا أين هم، وما يجب أن يكونوا عليه. ودليلنا من تاريخنا الأدبي وتراثنا العربي، حيث كانت مواسم التجارة والحج مهرجانات تُعقد للشعراء الذين سعوا من كل حدب وصوب، ليَسمعوا ويُسمِعوا الآخر ما توصلوا إليه، ويضربون خيمة للنابغة، ليقرر أحكامه وحكومته في شعر الشعراء.

هل يمكن لناقد من العراق ـ مثلا ـ أن ينقد كتابات أديب من دولة أخرى، دون التعرف على بيئة هذه الأخيرة وخصوصياتها؟

الأدب بشكل عام لا يرتبط أو يحده مكان، ولا حدود له، وأرى في بعض الأحيان أن تقسيمات الباحثين للأدب وفق الأقاليم وما بدأه الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر، هي للبحث والدرس ليس إلا، فالناقد والباحث الذي يكتب في العراق أو في أي إقليم أو مصر، باستطاعته النقد والتحليل والاشتغال في كتابات الآخر في مكان أبعد من مسكنه وموطنه، وهذا أمر بديهي عُمل فيه منذ القدم، وترى الآن الحال أوسع، فكاتب في المغرب يكتب عن فنان تشكيلي في أمريكا، وآخر في الأردن يكتب عن رواية في الأرجنتين.. وهكذا، فلا حدود للفكر والإبداع.

ما هي المواضيع التي تناولها الدكتور في دواوينه؟

عندي سبعة دواوين، آخرها احتفلت بتوقيعه قبل أيام صدر عن دار السكرية بالقاهرة، الديوان الأول خرافة المرايا سنة 1995 في العراق، والثاني حصى الانتظار سنة 1998 في العراق، والثالث محارتي سنة 2011 في الأردن، والرابع تغريدات نخلة سنة 2014 عن دار دمشق، والخامس أيقونات على مكتب الذاكرة سنة 2017 في العراق، والسادس مرايا الورد في مصر سنة 2018، وآخرها أناشيد الرائي سنة 2019 بالقاهرة، لكل ديوان أجواؤه ومزاجه وطبيعة مواضيعه، لكن المتابع للدواوين سيجد التطور في اللغة والأسلوب، حتى شكل الكتابة لما امتلكته من خبرة وتطور في أدواتي الشعرية والفنية، من خلال مسيرتي، انعكس هذا في آخر ديوان، فتقرأ فيه أبوابا مختلفة؛ في الباب الأول الشعر العربي القريض، والباب الثاني شعر التفعيلة، والباب الثالث شعر النثر، والرابع الأيقونة، والخامس الومضة. تنوع في الموضوع وفي شكل الكتابة. وفي ذكر الأيقونة، فأنا أزعم أنني أول من كتب فيها، وأحاول النحت والإضافة في دواويني، حيث بدأت الكتابة في الأيقونة الشعرية منذ سنة 2013، ووضعتها في ديوان لوحدها، والديوان فيه ما يقارب (39) أيقونة، وفي ديوان أناشيد الرائي الذي أفردت فيه بابا للأيقونة أيضا، فكانت (14) أيقونة، والأيقونة هو اختيار أعلام من الرجال والنساء من العراق والوطن العربي، والعالم أجمع، ومن ثقافات مختلفة وميول واتجاهات فكرية وفنية مختلفة، لأكتب فيها نصا مكثفا لا يتجاوز الأربعة أو الخمسة أسطر، عن حياته ومنجزه وآثاره، واختلف أيضا نوع الكتابة في كل أيقونة، فمنها بالشعر العمودي، ولآخر بالتفعيلة، وبعضها الآخر بالنثر، ومن أمثال الأيقونات (غاليلو، ثربانتس، شكسبير، نزار قباني، أم كلثوم، أبو القاسم الشابي، محمود درويش، أدونيس... وهكذا).

هل اطلعت على ترجمات دواوينك إلى مختلف اللغات؟ هل تؤمن بترجمة الشعر من دون أن يفقد روحه وبريقه؟

لقد ترجم لي أصدقاء وصديقات أعجبوا بنصوصي إلى عدة لغات، منها الفرنسية والصربية والإسبانية والألمانية والإنجليزية والكردية، وتُرجم عدد من نصوص ديواني مرايا الورد وتم إقراره منهجا أكاديميا لتدريسه في كلية اللغات في جامعة بغداد. أعتقد أنه مثلما تُترجم أعمال وإبداعات الأعمال العالمية للغتنا العربية، بهدف الاطلاع على المنجز في مجالات مختلفة، لابد للعالم أن يتعرف على المشهد الثقافي العربي وأين وصل، لكن بأسلوب رصين، وفق معايير الترجمة الحقة، وأن تتكفل بهذا لجان علمية رصينة، ومؤسسات تضطلع بهذه المهمة وفق منهج وبرنامج مدروس.

  كيف حال الشعر في العراق؟ هل يكتب الشعراء عن نكبات وهموم البلد؟

الشعر والشاعر ابن بيئته، وهو مرآة عصره، فلا شك في أن أفق الجمال والسلام والحب يلقي بظلاله على المبدع بكل توصيفاته (شاعر، روائي، موسيقي، تشكيلي، مسرحي...) ليستقي من هذا الجو مادته ومنهجه وأسلوبه في التعبير عن واقع معيش.

خلافا لهذا، فالبلدان التي تعاني من الحروب ومن أزمات تنعكس على مبدعيهم، ونلاحظ هذا في كل دول العالم التي مرّت بحروب عالمية ومحلية وكوارث طبيعية، والعراق جزء من هذا العالم الذي ابتلي بحروب عديدة  وأزمات، جعلت من المنتج الأدبي والثقافي بفنونه المختلفة يرسم هذا الخراب بصور متنوعة، بل وُلدت في العراق مدارس حديثة في الموسيقى والنحت والتشكيل والشعر والرواية، لتؤكد وجود المثقف العراقي على كافة محاور الفنون وآدابها، لتؤكد الطاقة الإيجابية لدى المثقف والثقافة العراقية التي تنهض كطائر العنقاء بإبداع حضاري جديد، تعطيه درسا للإنسانية جمعاء.

  ماذا عن واقع تحقيق المخطوطات في العراق؟

للمخطوطات العربية في العراق مكتباتها وخزاناتها، سواء الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني الثقافية، بل لدى أشخاص يهتمون بالمخطوط وقيمته التراثية والمعرفية، بل هناك مراكز أُنشئت لهذا الغرض، وهناك مختبرات لترميم وإصلاح حال المخطوط وترميمه، واستخدمت التقنيات الحديثة للحفاظ عليه، فضلا عن الأقراص المدمجة والمعالجات الأخرى. كما لا يخلو عام دون مؤتمر يختص بالمخطوطات، يجتمع فيه أهل العلم والاختصاص من عراقيين وعرب ومن دول أجنبية، لتبادل الخبرة والمعلومة بهذا الجانب، كما تحفل المطبوعات العراقية بعدد كبير من نتاج المحققين لعدد من المخطوطات التي لم تر النور، لتكون مشاعا بيد الدارسين والباحثين. كما يوجد درس ومادة لتحقيق المخطوطات في بعض كليات الجامعات العراقية، لتنمية حب ومتابعة المخطوط والتعرف عليه.

هل لك اطلاع على الأدب الجزائري؟

اطلعت على الأدب التونسي والمغربي بشكل كبير، لتوفر الكتاب التونسي والمغربي في العراق، وكتبت كتابا في الرواية المغربية، ونقدا في عدد من شعراء تونس، أما الجزائر، فلا تتوفر الكتب قديما عن الأدب الجزائري، وإن توفرت ففي لغة غير اللغة العربية، مما يصعب متابعتها، وأرى أنه في الفترة الأخيرة، بدأ الكتاب الجزائري يجد محله، وهذا ما شاهدته في معرض القاهرة للكتاب الأخير، حيث أن الجزائر ضيف شرف، وقرأت ما تكتبهُ الكاتبة الرائعة أحلام مستغانمي. وأتمنى الاطلاع على التجربة الشعرية في الجزائر للكتابة فيها.

في الختام، أوجه شكري وتقديري لك سيدتي، وأشد على يديك بخصوص  نوعية الأسئلة التي لم تكن روتينية أو مُعادة، وجاءت من صميم عملي واشتغالي. شكرا لك وللجريدة وإدارتها وقرّائها، وللجزائر الحبيبة كل الخير والمحبة والسلام، وتحية من العراق إلى مثقفي وأدباء وشعب الجزائر.