الأديب البروفيسور حسان الجيلاني

من التواضع إلى عالم الخلود

من التواضع إلى عالم الخلود
  • القراءات: 1293
لطيفة داريب لطيفة داريب

حينما يكون الإنسان عالما وفاضلا في آن واحد، فإنّ رحيله عن هذه الدنيا الفانية، يدمي القلوب ويحزن النفوس، وهو حال الدكتور في علم الاجتماع والأديب حسان جيلالي، الذي رحل أول أمس، بمسقط رأسه بواد سوف، إثر نوبة قلبية، فنعته خيرة أسماء العلم والأدب في الجزائر على صفحات الفايسبوك وكذا عبر منبر جريدة المساء، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح الجنان.

كم هو صعب رحيل الأحباء فجأة، حينما لا نكون مستعدين لهذا الفراق، رغم أنّ طعم الموت مرّ في جميع الأحوال، إلاّ أنّ مرارته تزداد حينما يحدث فجأة وبدون أيّ سابق إنذار، وفي هذا الصدد نعى أصدقاء ورفقاء وطلبة الدكتور، بعضهم من خلال الفايسبوك والبعض الآخر عبر منبر المساء.

من خلال منبر المساء

اتصلت المساء بمجموعة من المقرّبين من الأستاذ الراحل حسان جيلاني، من بينهم صديقه منذ أربعين سنة، الإعلامي والكاتب محمد زتيلي الذي قال إنه كتب أسطرا حول رحيل صديقه حسان الجيلاني، فقال إنه علم قبل ساعات بانتقال الدكتور حسان الجيلالي مساء يوم الاثنين 18 مارس إلى جوار ربه بوادي سوف مسقط رأسه، وكان الخبر بالنسبة له ولأصدقائه من الأدباء والجامعيين مفاجأة وصدمة، فلم تنقطع نشاطاته وتواصله مع المحيط الثقافي، بل تكثفت بعد خروجه إلى التقاعد، وهو مؤلف للعديد من البحوث في علم الاجتماع وفي القصة والرواية والمذكرات والرحلات، وقد عرفه بقسنطينة كأحد الوجوه النشطة بالنسبة لجيلنا في الحياة الثقافية بقسنطينة، فكان يتميز بالجدية والروح المرحة والمثابرة وحب العمل الثقافي كمناضل.

كما إلتقط له صورا عندما شاركهم في الخريف الأخير بدار الثقافة بقسنطينة في ملتقى الكتابة والقراءة والنشر الذي نظمته الدار بالتعاون مع قسنطينة تقرأ، بقيادة مصعب غربي، وتم تكريمه، إنا لله وإنا إليه راجعون.

باديس فوغالييكتب بعشق وإلهام

أما الأستاذ باديس فوغالي فقد كتب لـ«المساء، أنّ معرفته بالأستاذ حسان جيلاني تعود إلى سنوات طويلة، مضيفا أنه رغم انقطاع التواصل بينهما بسبب ظروفهما، إلا أنهما يكنان لشخصيهما احتراما عميقا وتقديرا جليا، فكان كلما التقيا في مناسبة ما إلا ويفتح الراحل مع الأستاذ فوغالي نقاشا بعفوية وسلاسة حول راهن الثقافة وآفاقها المستقبلية في ظل التهافت المتهافت والهابط الذي صبغ مساحة عظمى من حياتنا ويومياتنا الثقافية، وكله حماس فياض لتدارك بعض النقائص التي شابت مواسمنا الثقافية.

ليستطرد قوله إن من خصال جيلاني عدم توقفه عن الكتابة يوما إلا في حالات مرض عابرة، كما كان مهتما بعشق وتفان في تسجيل يومياته عبر ثلاثة عقود أو أكثر، فكان يكتب عن تلك الأحداث الغائرة في أعماق الأفول بحيوية وفاعلية منقطعة النظير، فيقف على تفاصيلها بكيانه ووجدانه، كما امتلك خبرة حياتية أفادها من أسفاره الكثيرة وتدريسه في جامعات عدة داخل وخارج الوطن.

وأضاف الأستاذ فوغالي أن الحديث عن الدكتور جيلاني يطول لكن مساحة الشهادة لا تسمح بأكثر من هذا، ليذكر آخر لقاء جمعه به، كان في تسجيل تلفزيوني لحصة ثقافية أشرف عليها الزميل الشاعر نور الدين درويش في قناة الصباح المغاربية، ولأنه يجل قدره، رجاه أن يسجل هو الأول لأنه لاحظت ثمة إرهاق يغبر ملمحه، وتم ذلك وجاءت نوبة الأستاذ باديس، فسأل عنه ثم اتصل به، وكان ينتظر في السيارة منهك القوى، وقال له إنه لم يعد يتحمل المسافات الطويلة، مشيرا إلى أنه ظهر عليه الإرهاق  الشديد وقد كان من قبل شعلة من التوقد. وعلى الرغم من المرض والعياء، لم يركن إلى الراحة وظل إلى ساعاته الأخيرة يكتب بحب وبعشق وإلهام.. رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه ولا حولة ولا قوة إلا به.

فيصل الأحمرأكاديمي لم يدخر جهدا في إيصال صوته

أما الأستاذ فيصل الأحمر، فقد كتب لـ«المساء عن رحيل الدكتور حسان الجيلاني، قائلا إنه يحتفظ لهذا الشخص الجميل بصورة جميلة جدا، فهو الأكاديمي الذي لم يدخر جهدا في إيصال صوته إلى الشعب خاصة في ظرف الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر، كما عرف عن جمعه بين نشاطه الجامعي المكثف من تدريس واهتمام بحلقات البحث، والنشاط الصحفي الذي يجعله على اتصال دائم مع القارئ البسيط، إضافة إلى إصداره العديد من الكتب ذات الطابع الأنثربولوجي والثقافي والشعبي والأدبي واللغوي العالي أيضا، علاوة عن كتابته في أدب الرحلة.

مضيفا أنّ الجيلاني يبقى اسمه مرتبطا بإنشائه لجريدة عالم المعرفة التي تحولت إلى مجلة وهذا ابتداء من سنة 1991 إلى غاية 1993، وقد كان لها وقعا كبيرا خاصة أنها أنشئت في سنوات حالكة وفي وقت لم يكن هناك فيه أنترنت، لتتحول إلى منبر ثقافي فيه مواضيع حول اللغة العربية والصحراء والأقاليم الجزائرية، فقاد الجيلاني مقاومة من نوع خاص، ليؤكد أنه كان يحمل تواضع العلماء، كما أنّه رفقة صديقه الشاعر نوار، نشرا له مقالين الأول حول فولتير والثاني حول الرافعي، فكانت حقا محطة لا تنسى باعتبار أنه لأول مرة ينشر في منبر ثقافي.

عمار سيدي إدريس:تواضعه ملفت رغم بلوغه أعلى الدرجات العلمية

أما الدكتور عمار سيدي إدريس، فقد كتب لـ«المساء، أنّه في لحظة ما كان بأمسّ الحاجة لمساعدة علمية في إطار إعداد مقال علمي، طرق باب العديد من الأساتذة الذين تجاهلوا طلبه، إلاّ فئة قليلة جدّاً من اهتمت، وأولهم البروفيسور الجيلاني حسان، الذي أدهشه بتواضعه الملفت رغم بلوغه أعلى الدرجات العلمية وتولّيه لمناصب عديدة عبر أنحاء العالم العربي.

وأضاف الدكتور أن الأستاذ رحب به واستقبله ودعمه من كل النواحي، كما ساهم بفتح تخصص علم الاجتماع في العديد من جامعات الوطن، مؤكدا استحالة نسيان من اهتم بدعمه معنوياً وهو يعد مجلة علمية التكامل التي يعتبر الجيلاني أحد أعضاء هيئتها، ليضيف أن الأستاذ رحل وترك فراغاً رهيباً سيسكن ذلك الجدول الذي يضم الهيئة الاستشارية، كما أن أسعد لحظة عندما اتصل به وهو يزور عنابة وطلب لقاءه.

وأضاف سيدي ادريس أنك تشعر حينما تجلس بقرب الجيلاني، كأنك تجالس هرم إنساني شامخ بالعلم تستحي حتى من رفع رأسك أمامه، رغم ما يتمتع به من سماحة روح وطيبة قلب وتواضع علمي نادراً ما نجده اليوم، وقد حدثه عن كفاحه، وعن عرقه وكيف كان يكسب منه المال الحلال، مؤكدا أنها سيرة ذاتية رهيبة يصعب اختصارها هنا، ليتحسر على عدم تدريسها لهذه الأجيال.

وفي الأخير كتب سيكون من المستحيل نسيانك وسنتوجع ونحن نتصل برقم هاتفك الذي لن ترد عليه، وسنتألّم ونحن ننتظر ردك على رسائلنا في الفايسبوك، فراغك رهيب يا أستاذنا لن تملأه الأيام مهما طالت، ندعو لك بالرحمة والمغفرة ويرزقك الله الفردوس الأعلى يا رب.

وعبر الفايسبوك

بالمقابل، كتب الأستاذ الجامعي وصديق الراحل ، البروفيسور بوفولة بوخميس من جامعة باتنة في صفحته على الفايسبوك، أنه انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الدكتور حسان الجيلاني، أستاذ علم الاجتماع والصحفي والكاتب ورئيس حزب سياسي في العشرية ما قبل الماضية، مضيفا أن الدكتور كان مثالا للأخلاق وحسن المعاملة وطيب القول والكلم، كما عمل معه في مجلة المعرفة في سنوات التسعينيات وكان مسؤولا عن الملف الطبي بها، وكان أيضا يزوره دوريا في مكتبه بمنزله آنذاك بمنطقة لابوم المجاور لأحياء الزيادية و«المنصورة و«واد الحد، وكان يلقى منه كلّ التقدير والاحترام والتواضع والمحبة. وكتب أيضا رحمك الله المثقف والسوسيولوجي الجزائري الأصيل وأسكنك فسيح جنانه. كما أتوجّه بالتعازي إلى كل أفراد أسرته في قسنطينة (جامعته الأولى وأصدقائه) ووادي سوف (أهله وأقرباؤه) وبسكرة (جامعته الثانية).. سنفتقد قلمك وعزاؤنا كتبك ومقالاتك وبحوثك. إنا لله وإنا إليه راجعون.

مصعب غربينِعم الدكتور والأديب والصديق

ودائما عبر صفحات الفايسبوك، كتب مصعب غربي، رئيس جمعية قسنطينة تقرأ الثقافية بكيت وأنا أقرأ ٱخر رسالة منك، كانت الشهر الماضي حيث حييت جمعيتي قسنطينة تقرأ بطريقة أفهمها وقلت: تحية وتقدير لقسنطينة التي لا تقرأ، لأنك تعلم جيدا من خلال محادثاتنا ما نعانيه كشباب طموح وسط حصار المؤسسات الثقافية وٱلهتها في عاصمة الثقافة، وأضاف أنه يتذكر اليوم الذي راسل الدكتور صفحة الجمعية واقترح أن يتبرع لها بمنزله، لتكون مقرا لها وتصبح مركزا لنشاطاتها الأدبية والثقافية. كما تذكر أيضا تلبيته لدعوته حيث شرفهم بحضوره في تظاهرة لقاء أجيال أبوليوس وهناك ألقى محاضرة تحدث فيها عن رحلاته ومسيراته الأدبية والعلمية والثقافية، وكذا حينما حدثه عن ولادته بتونس، ونشأته الأساسية بالجزائر ودراسته فيها وبليبيا وصداقاته في المغرب.

وكتب أيضا أتذكر عندما سألتني عن هدفي من الجمعية وقلت لك كما قلت لكل من سألني أن هدفي هو العالمية فأخبرتني أنك ستساعدني لنوصل اسمها على مستوى عالم المغرب العربي. أتذكر كيف كنت تحثني على النضال الأدبي ودروسك عن قيمة الأدب والأدباء.. أتذكر جيدا جلسات الشعر التي أتحفتها بقصائدك..تركتنا يا صديقي، غادرتنا فجأة يا أستاذي، كنت نِعم الدكتور ونعم الأستاذ والكاتب والأديب والصديق..كنت.. تركتنا وقلبك يحترق على قسنطينة والجزائر وما ٱلت إليه حالها، مثلما غادرتنا العزيزة حليمة تواتي قبل مدة ليست بالطويلة وقلبها مشطور على حال قسنطينة وهكذا سنغادر نحن أيضا وقلوبنا، يا الله .. على روحك الرحمة والسلام يا أستاذ الجيلاني حسان.. أيها الإنسان الطيب. إنا لله وإنا إليه راجعون.

الدكتـــــــور حســـان الجيلاني في سطور

للإشارة، الأستاذ حسان الجيلاني، من مواليد سنة 1950 بتونس، متحصل على ليسانس في علم الاجتماع، ليسانس في الآداب، ليسانس في الحقوق والعلوم الإدارية، دبلوم الدراسات المعمقة، ماجستير في علم الاجتماع ودكتوراه دولة من جامعة الفاتح بطرابلس، كلية العلوم الاجتماعية التطبيقية.

تخرّج الدكتور من دار المعلمين بالأغواط في السنة الدراسية، علّم لمدة سنتين بوادي سوف، تحصل في جوان 1972 على البكالوريا كمترشح حر، فالتحق بجامعة قسنطينة في السنة الجامعية 72 /1973، كما عين معيدا بمعهد علم الاجتماع بجامعة قسنطينة يوم 17 فيفري، وعُيّن نائب مدير بمعهد العلوم الاتصالية، جامعة قسنطينة، وانتقل إلى ليبيا في نوفمبر 1994، وعُين أستاذا بكلية التربية (قسم علم الاجتماع) جامعة الفاتح ـ طرابلس ليبيا، ثم عُين أستاذا بقسم علم الاجتماع، جامعة بسكرة، وظل يعمل بها إلى غاية تقاعده.

انتخب رئيسا للمجلس العلمي لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية يوم 05 /10 /2004، بجامعة محمد خيضر بسكرة، وانتخب رئيسا للجنة العلمية لقسم علم الاجتماع، وابتداء من أكتوبر 2007 إلى 15 نوفمبر 2009 انتخب رئيسا للجنة العلمية لقسم الإعلام والاتصال، كما عمل أستاذا للتعليم العالي بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية.

كان عضوا باتحاد الكتاب الجزائريين، وعضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع، كما كتب عشرات المقالات والأبحاث في الصحف الوطنية والعربية، إضافة إلى كونه رئيس وحدة بحث بجامعة بسكرة موضوعها التغير والثبات في المجتمع الجزائري خلال سنتي 2007/ 2008 ورئيس مشروع بحث بالمركز الجامعي بالوادي موضوعه الآثار الاجتماعية لظاهرة الفقر في المجتمع الجزائري (وادي سوف نموذجا) لسنتي 2008 /2009. وله العديد من القصص والروايات وكذا كتب في أدب الرحلة، كما ألف كتاب منهجية العلوم الاجتماعية رفقة البروفيسور بلقاسم سلاطنية، وقد ووري جثمان الفقيد أمس، بمقبرة أولاد أحمد بواد سوف.