الأستاذ محمد الأمين لعواونة لـ"المساء":

النقد في الجزائر ضئيل

النقد في الجزائر ضئيل
الأستاذ الجامعي محمد الأمين لعواونة
  • القراءات: 1199
❊حاورته: لطيفة داريب ❊حاورته: لطيفة داريب

سيصدر للكاتب والأستاذ الجامعي محمد الأمين لعواونة ثاني كتاب، بالاشتراك مع الأستاذ سليم سعدلي، سيتناول فيه مجموعة من الروايات الجزائرية والعالمية وفق مقاربات ما بعد حداثية، بعد أن صدر له سابقا، كتاب بعنوان؛ مبادئ في الدرس الحجاجي. في هذا السياق، اتصلت "المساء" به كطالب، طالب باحث سنة ثالثة دكتوراه في الأدب وتحولات ما بعد الحداثة بجامعة تيزي وزو، وأستاذ مؤقت بجامعتي تيزي وزو وبرج بوعريريج،وطرحت عليه أسئلة حول مؤلفيْه، وعن المواضيع التي تناولها في دراساته العديدة، فكان هذا الحوار

حدثنا عن موضوع كتابك "مبادئ في الدرس الحجاجي"؟

❊❊أولا كتابي "مبادئ في الدرس الحجاجي" عبارة عن مجموعة آراء مختلفة لفلاسفة وبلاغيين غربيين وعرب، تناولوا مفهوم الحجاج، كالمدرسة السفسطائية، وبعدها ردود الفلاسفة اليونانيين، كسقراط وأفلاطون وأرسطو  على السفسطة التي كانت في أثينا، ثم عرجت على الحجاج في ثقافتنا الإسلامية، بداية بمفهوم الحجاج في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالحجاج عند الجاحظ والفارابي وابن حزم الأندلسي، ليأتي عصرنا الراهن، حيث تتبلور نظرية حجاجية مكتملة سواء في شقها البلاغي أم اللغوي أم الفلسفي مع بيرمان وتيتيكاه وتولمين، فامتداد هذه النظرية إلى الثقافة العربية المعاصرة مع طه عبد الرحمن وغيره من النقاد العرب، لأحاول في كتابي تبسيط النظرية الحجاجية وإيصالها للقارئ في صورة ميسرة.

هل تعتقد أننا بحاجة إلى النظرية الحجاجية، خاصة نحن نعيش في عالم يطغى عليه الرأي الواحد؟

❊❊ النظرية الحجاجية اليوم هي ما يؤسس لمختلف الخطابات السياسية التي تبلور السياسة العالمية، عن طريق إقناع المتلقي أو الجمهور، ونحن عندما نتحدث عن الحجاج واحتياجنا إلى النظرية الحجاجية في الوطن الإسلامي، فجوابي سيكون نعم، لأنه بالحجاج تكون نسبة تواصلنا وفاعليتها ناجحة بنسبة كبيرة، وهذا ما تفطنت إلية الثقافة الغربية، خاصة مع بدايات القرن العشرين وجهود المدرسة الفرنسية في تطوير الدرس الحجاجي.

هل تعتقد أن الساحة الأدبية الجزائرية تفتقر إلى الدراسات النقدية؟

❊❊ النقد الجزائري اليوم يبقى للأسف الشديد، رهين الجامعة الجزائرية والمجلات التابعة لمختبر المخابر، بيد أن هناك مجموعة من النقاد الجزائريين الذين صنعوا مشهدا نقديا متميزا في الساحة النقدية ، كالناقدة آمنة بلعلى، والأستاذة راوية يحياوي، والأستاذة سامية داودي، والناقد وحيد بن بوعزيز، ومحمد لامين بحري وغيرهم كثير ممن لا يسع المقام لذكرهم، عندما نتحدث عن النقد في الساحة النقدية الجامعية. أما النقد الذي نراه في الساحة الإعلامية، فإننا ـ للأسف ـ اليوم ننقد الأسماء ولا ننقد الأعمال، ليبقى النقد في الجزائر ضئيلا، مقارنة بالأعمال الأدبية التي نراها اليوم في الساحة الأدبية الجزائرية.

تناولت في العديد من دراساتك، التصوف، هل تعتبر نفسك متصوفا؟

❊❊ التصوف بالنسبة لي طريقة حياة، وعندما أتحدث عن التصوف، فإنني أتحدث عن المنابع الأولى للتصوف مع التصوف السني والتصوف الحلولي، فالإشراقي الذي نهلت منه مختلف الروايات اليوم إليه، سواء العالمية أم المحلية، وهذا ما لاحظته عند دراستي لمختلف الروايات، كرواية سيمورغ لمحمد ديب، والخيميائي لباولو كويليو وروايات ابراهيم الكوني وأشعار عبد الله العشي وغيرهم، لأجد أن التصوف ظاهرة إنسانية نعيشها كل يوم، وقد وجدت لنفسها اليوم مكانا واسعا في وجودنا، نتيجة سلميتها ودعوتها للحب في صورته النقية والصافية.

هل نحن بحاجة إلى التصوف، أي إلى هذا التيار الروحاني في عالمنا الذي تطغى عليه الماديات والأصولية؟ وما موقع التصوف في عالم ما بعد الحداثة؟

❊❊ نعم نحن بحاجة إلى التصوف في ظل الحروب الطائفية والنعرات الشعوبية التي يعيشها الوطن الإسلامي، وحتى العالم الغربي الذي لم يجد التوازن بين ما هو مادي وما هو روحي، إلا من خلال استعانته بالتصوف سواء الإسلامي منه أم الغنوصي، الذي أوجد في القرن الـ13 هجري مجالا لنشر قيم الحب والتسامح بين مختلف الشعوب والأديان، وهذا ما نجده في قول شيخ المتصوفة الأكبر ابن عربي؛ "أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني"، في المقابل، التصوف عملية عكسية لحالة ما بعد الحداثة التي تنادي بالماديات ونهاية الميتافزيقا، ليعود التصوف اليوم كمحاولة لموازنة المادي مع الروحي.

العديد من الروائيين، من بينهم باولو كويلنو وأليف شافاق، تناولوا عالم الروحانيات في رواياتهم التي لقيت نجاحا كبيرا، هل هو أسلوب جديد لتمرير قيم روحية في زمننا هذا؟

❊❊ باولو كويليو في رواية الخيميائي، تناص مع رواية التبر لابراهيم الكوني، وتناص مع مجموعة من النصوص الصوفية الإسلامية، كرسالة كيمياء السعادة لأبي حامد الغزالي، لينتج نصا مثقلا بإيديولوجية غربية ترى في الآخر الإسلامي مطية لتحقيق رغباته المادية. أما رواية إيليف شافاق، فهي الأخرى لا تخلو من النزعة الأيديولوجية التي تبحث في المضمر السياسي والثقافي من خلال التصوف، وهذا ما حاولت إيليف شافاق أن تتبناه من خلال عودتها بطريقة غير مباشرة، إلى التاريخ الكردي ومأساة أرمينيا في ثوب صوفي ينادي بالتعايش والحب بين جميع البشر والأعراق.

كيف يمكن تجديد الخطاب الديني؟

❊❊ الخطاب الديني يعاني من تجاذبات عديدة بين مذاهب مختلفة، لذلك يبقى أمر تجديده بعيد المنال، نتيجة قدسية الخطاب ودخول السياسي مع الديني، عن طريق توظيف رجال السياسة لرجال الدين وفق إيديولوجيا معينة.

تناولت أيضا في دراساتك، تعزيز قيم المواطنة من خلال قصص الأطفال، هل تعتقد أن القصص الجزائرية ساهمت في تحقيق هذا الهدف؟

❊❊ قصص الأطفال في وطننا الإسلامي ـ للأسف ـ لم تستطع تحقيق النجاح الذي نجده في الغرب، وهذا راجع في رأيي، إلى عدة أسباب، لعل أبرزها نقص المهتمين بهذا الميدان، وطغيان وسائل الميديا على القصة الموجهة للطفل، وعندما تناولتُ القصة الجزائرية التي تجسد قيم المواطنة، وجدت أن مختلف القصص تمجد جهة الشمال على حساب جهة أخرى، والمجسدة في الجنوب الجزائري الذي بقي أطفاله اليوم يعانون من التهميش والجهوية.

ماذا عن موضوع كتابك الثاني؟

❊❊ الكتاب الثاني سيكون عبارة عن عمل مشترك بيني وبين باحث جزائري آخر، وهو الزميل والأستاذ سليم سعدلي، سنتناول فيه مجموعة من الروايات الجزائرية والعالمية وفق مقاربات ما بعد حداثية. كما سنتناول الرواية النسوية الجزائرية وخصائصها الفنية والجمالية، عن طريق استنطاق المضمر والبحث بين سطورها عن المسكوت عنه ومختلف الهواجس التي تؤرق الروائيات الجزائريات اليوم.

كلمة ختامية؟

❊❊ أقدم شكري لجريدتكم المحترمة على هذا الحوار الشيق، كما أشكر كل أعضاء مخبر تحليل الخطاب، وأخص بالذكر، أستاذتي الفاضلة آمنة بلعلى، والأستاذ العزيز علي حمدوش، وكل زملائي في قسم اللغة العربية بجامعة "مولود معمري"

بتيزيوزو.