القصبة في يومها الوطني

المحروسة تلتفت لتاريخها

المحروسة تلتفت لتاريخها
  • القراءات: 1398
مريم .ن مريم .ن

تعود القصبة في كل 23 فيفري لتثير الذكريات وتفتح التساؤلات عن غائب طال انتظاره وعليل استعصى مرضه. ورغم ما يلوح من مشاهد اليأس، فإن الأمل باق في أن تصحو الأميرة النائمة وتعود لحياة الزهر والياسمين وتنثرها على عشاقها الذين يبقون مرابطين عند حدودها ومعالمها يحيون ذكراها ومآثرها ليس باعتبارها حي عتيق، بل لأنها أمة جزائرية جامعة دفن تحت أسوارها الغزاة، وترسخت في أزقتها دعوات الصالحين وهتافات الفدائيين. تعود الذكرى اليوم ليتحدث أبناؤها لـ«المساء” عما فات وما هو آت من فتح وأمل.

الباحث والشاعر رشيد رزاقي: إعادة بناء الذاكرة

أشار الباحث رشيد رزاقي في حديثه لـ«المساء” أن وجدانه تربى في القصبة وتفتق شعرا ولحنا، كيف لا وهي ملهمة كل إبداع وحرص على أن يستهل حديثه شعرا فقال:

بسم الله وكلامي ظريف                    

  من بير جباح لسيدي امحمد شريف

نحدثكم على القصبة قلعة الذاكرة           

  والمقاومة سيدي عبد الرحمن مول القبة

ناس النيف والشهامة والفن والعلم      

    بالنوبة والمعاملة فيها قايمة

البارح كانت محروسة بالرجولة والزعامة   

   التاريخ يعرفها عروسة وناسها فحولة

اليوم رابت العرصة والبيبان كلها محلولة   

   يا القصبة نفديك ونبنيك ونحيي الذاكرة

وين نروح نرجع ليك، ربيت عليك الغيرة

   أنا مع ولادك نجيك ونحقوا المسيرة

أكد المتحدث أن تاريخ القصبة لا بد من تفعيله اليوم قبل غد لفائدة الشباب قصد الاعتزاز به والدفاع عنه، فهو جزء من ذاكرة الأمة الجزائرية المجيدة ومن غير المقبول التفريط فيه أو نسيانه ليس فقط في 23 فيفري بل في كل يوم وحين.

استرسل السيد رزاقي في الحديث عن هذا التاريخ بدء من تأسيس مدينة الجزائر وذلك ضمن مدن جزائرية أخرى وهي أشير ومليانة والقصبة وقلعة بني حماد، ثم بقيت القصبة المحروسة قوية بموقعها ورجالها وبحارتها لتصبح سيدة المتوسط.

من رموز القصبة ـ حسب المتحدث - دار السلطان، ولم يكن يسكنها الدايات بل كانوا يسكنون في القصبة السفلى ليقتربوا من قصر 23 مقر رياس البحر إلى أن جاء علي خوجة وكان أول داي يقيم بدار السلطان، كما كانت القصبة معروفة بردائها الأبيض المستمد من الجير، ويقال إن التسمية الفرنسية للعاصمة الجزائرية جاءت من كلمة الجير، وكان بها طريق يشبه طريق الحرير بآسيا موجود بشارع ديدوش مراد وكان حينها يسمى طريق ورقلة، تأتيه القوافل من الصحراء، كما عرفت القصبة بالياسمين تماما كما عرفت البليدة بالورود وكان هذا الياسمين يقطر في منطقة هي الآن مقبرة القطار لذلك سميت بهذا الاسم، علما أن المقبرة كانت موجودة في القصبة السفلى باتجاه باب الوادي لكن فرنسا هدمتها وأقامت عليها بناء عصريا بالقرب من ثانوية الأمير عبد القادر ومقر الأمن الوطني. وبمنطقة سركاجي كان يصنع الخل، وكل هذه الحقائق التاريخية وغيرها لا بد أن تصل للشباب.

بوطويلة راضية مرشدة سياحية: توثيق المعلومات ضرورة   

بدورها، أشادت المرشدة السياحية المعتمدة بوطويلة راضية، بهذا التاريخ مؤكدة أن عملها مساهمة في تعزيز هذا التراث الوطني. وأكدت على أن يكون المرشد مكونا ويملك بطاقة اعتماد من وزارة السياحة، ويعي ما يقدم كي لا يتسبب في تشويه هذا التاريخ الممتد من الأزل وحتى الثورة التحريرية. وأشارت إلى أنها تلتزم بالعمل مع الوفود التي لا تتعدى الـ15 شخصا وليس مائة كما يفعل بعض المتطفلين.

قالت المتحدثة إن القصبة روح تزول شيئا فشيئا، تحتاج لمن يبث فيها الحياة من جديد.. وثمنت بالمناسبة مجهودات والي العاصمة السيد زوخ في مجال مشاريع التراث، كما رأت أن القصبة تحتاج إلى نهضة خاصة في مجال النشاط الحرفي وفي الفنون، كما ينقصها اليوم التسويق الإعلامي والتثمين كي تحيا وتروج في المجال السياحي.

سليمة ميري فنانة: التراث جزء من الذاكرة

قالت السيدة سليمة ميري إنها تهوى الفن وتمارسه منذ تقاعدها من وظيفتها وتحاول من خلال تصاميمها المبدعة على المجسمات والدمى أن تستحضر اللباس الجزائري الأصيل منه اللباس العاصمي الذي ساد بالقصبة واشتغلت على البحث التاريخي لتقدمه للشباب وللأجانب أيضا وأبدعت فيه خاصة وأنه مطلوب جدا من الأوروبيين، كما جسدته في اللوحات الفنية مرفوقا بلمحات من التقاليد القديمة بالقصبة وكذا بالحلي، وحرصت على أن تدعو الفتيات والعرائس للالتزام به وقالت ”أقول لكل عروس عليك أن تخرجي من بيت أهلك بالحايك و«البدرون” أو ”الكراكو” كي لا تنسى القصبة”.

عبد القادر بن عاشور رئيس جمعية حضرية: لا ذاكرة بلا تثمين

أشار السيد عبد القادر بن عاشور ابن القصبة البار إلى أنه يسعى لتثمين ذاكرتها بكل ما فيها من تاريخ وعادات وتقاليد وقيم وأماكن وغيرها كي تبقى للأجيال. وأشار إلى أنه يعمل من خلال جمعيته على الترويج لهذا التاريخ المشترك إذ أن القصبة كانت

دوما ملتقى الجزائريين ولم تعرف في تاريخها الجهوية التي زرعها المستعمر، كما حث المتحدث على ضرورة نبذ التقليد الأعمى لكل ما هو مستورد وتعويض ذلك بـ ”بنّة البلاد” حيث تزدهر القصبة في الأعياد والمولد النبوي وعبر المواسم، وأكد أن التراث اللامادي هو الباقي أمام تدهور القصبة.

نقلت الجمعية التراث للجزائريين وللأجانب تماما كما كان منذ مئات السنين وهو ما جعلها مطلوبة، كما حث بن عاشور على ضرورة تجسيد كل ذلك في يومياتنا وفي أعمالنا الفنية والثقافية والتعاون مع فناني وحرفيي القصبة، مستشهدا بالراحل دحمان شويتر الذي أنجز سلاح فيلم بوعمامة والذي ترك من بعده أحمد مايدي وكل هؤلاء وغيرهم ممن يحفظون التاريخ والأصالة ولابد من تدعيمهم.

نور الدين لوحال كاتب وصحفي: القصبة تتجاوز الفلكلور

قال السيد لوحال لـ ”المساء” إنه يجب أن يتجاوز 23 فيفري عتبة الفلكلور فذلك لا يخدم القصبة في شيء، بل أن يكون الاحتفال عبارة عن لقاء لتقييم ما تحقق خلال سنة، وبالتالي يعرض كل معني ما قدمه سواء من جمعيات أو إدارة أو من عموم محبي القصبة. وأضاف ”لا يجب الاكتفاء بلقاء من أجل الثرثرة وأكل السردين وشرب الشاي وكفى، فالقصبة بحاجة للجميع وعلى الكل إنقاذها ومد يد العون لها كي لا يلوم أحد نفسه غدا عندما تسقط جدرانها ولا يبق لها أثر.