المؤتمر العلمي الوطني حول الهجرة السرية

نحو مقاربة شاملة للحدّ من الظاهرة

نحو مقاربة شاملة للحدّ من الظاهرة
أشغال المؤتمر العلمي الوطني حول "الهجرة غير الشرعية لدى الشباب الجزائريين" ت: ر. بلال
  • القراءات: 950
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

دعا المشاركون في أشغال المؤتمر العلمي الوطني حول "الهجرة غير الشرعية لدى الشباب الجزائريين" الذي جاء تحت شعار "عائلتك.. وطنك.. بحاجة إليك"، دعا إلى ضرورة تبنّي مقاربة شاملة لمعالجة الظاهرة التي أصبحت تهدد الشباب، حيث سعى المشاركون إلى تحليل الظاهرة تحليلا نفسيا واجتماعياً وإعلاميا وسياسيا، واقترحوا، بالمناسبة، بعض الحلول العلمية للحد من "الحرقة" .

بدأت أشغال المؤتمر العلمي الذي احتضنته جامعة الجزائر 2 "أبو القاسم سعد الله"، بكلمة الدكتور فتحي زقعار مدير مخبر البحث والقياس والإرشاد النفسي المشرف على المؤتمر، الذي أوضح في تدخّله، أن الحديث عن الهجرة غير الشرعية كظاهرة، تفشت بين الشباب؛ انشغالٌ يهمّ الجامعة كفضاء علمي مهمته البحث. وانطلاقا من هذا جاء المؤتمر ليبحث بطريقة علمية، عن أسباب الظاهرة؛ في محاولة لتشخيصها والمساهمة في تقديم اقتراحات تدعّم جهود الدولة في التصدي لها، مشيرا إلى التوصيات التي يُنتظر الخروج بها من خلال ما يقدمه الباحثون من تحليلات ومقترحات تجري المساهمة بها في تنمية البرامج الموجهة للتكفل بالشباب.

وضع آليات تسد الحاجة وتنمّي حب الوطن

وفي كلمته، أرجع الدكتور ناصر زبدي عميد كلية العلوم الاجتماعية، تنامي ظاهرة الهجرة إلى بعض العوامل الاقتصادية، التي يتطلع من ورائها الشباب إلى الرغبة في الشعور بالحرية من باب تقليد الغرب والانفتاح على الآخر وتحسين المستوى المعيشي، موضحا أن المطلوب اليوم بعد تشخيص الأسباب وتحليلها كالمؤشر الاقتصادي مثلا، وضع آليات تسد الحاجة الاقتصادية، وتنمّي الشعور بالانتماء وحب الوطن.

وركز عبد القادر أزرق الرأس مستشار وزير الداخلية والجماعات المحلية في كلمته، على الجهود التي تبذلها الوزارة لمواجهة الظاهرة، والتي كان آخرها مبادرة بتنظيم منتدى، تم فيه تحليل الظاهرة ومناقشة أسبابها وتسطير عدد من المحاور التي يجري العمل عليها في شكل حلول استعجالية، ومنها المحور الأمني ومحور الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، ومحور تشجيع الهياكل الثقافية ومحور  التركيز على المجتمع المدني.

وأوضح المحاضر في السياق، أن ظاهرة الهجرة في الجزائر عادة ما تمسّ مناطق وهران وعين تموشنت وتلمسان من الغرب الجزائري، ومن الشرق الجزائري عنابة والطارف. وبدأ تنامي الحرقة منذ 2005، وبعد الجهود المبذولة من مصالح الأمن تم الحد منها إلى غاية 2016 ـ 2017، حيث عادت الظاهرة للرجوع والتنامي لعدة أسباب؛ أهمها مواقع التواصل الاجتماعي التي استغلها تجار الموت للترويج للهجرة.

وثمّن المحاضر التفطن لنشاط مصالح الأمن، مشيرا إلى أن مصالح الأمن بادرت بمحاربتها، وهو ما تكشف عنه الأرقام المسجلة، التي تشير إلى 200 قضية لأصحاب الصفحات المروّجة للهجرة، حيث تم الفصل بالإدانة في 30 منها.

من جهة أخرى، قدّم المتحدث مجموعة من الأرقام التي تكشف واقع الحرقة في المجتمع الجزائري خلال سنة 2018، ومنها تسجيل 64 محاولة حرقة جماعية، وإنقاذ 4 آلاف شاب من  المغامرة، فيما تم إخراج 119 جثة حراق من البحر، ناهيك عن تسجيل 96 حالة مفقودة صرحت بها العائلات.

وعلى صعيد آخر، يرى المتحدث أن من أهم الأسباب التي غذّت الظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي التي استغلها تجار الموت في تحقيق الأرباح؛ من خلال تنظيم رحلات تفتقر لأبسط شروط الأمان، وقد بادرت وزارة الداخلية بتسطير خطط أمنية لمحاربة الظاهرة.

الهجرة نتاج الطاقة السلبية

أرجع الأستاذ سليمان ولد خصال ـ ممثل عن المجلس الإسلامي الأعلى ـ لدى تدخّله، أسباب الهجرة غير الشرعية إلى العامل النفسي بالدرجة الأولى، والذي ربطه بما يسمى "الطاقة السلبية" التي أصبح الشباب الجزائريون مشحونين بها نتيجة الشعور بالإحباط وعدم الرضا عن النفس والواقع. ودعا في السياق إلى ضرورة التحلي بالإيجابية، وعدم ربط الرزق بالضفة الأخرى، التي تدفعهم إلى الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة التي نهى عنها الدين، موضحا أن الجهود ينبغي أن تتجه اليوم إلى تحقيق الأمن الاجتماعي.

التنسيق القطاعي ضروريّ

عرض النقيب سعداوي اليمين من قيادة الدرك الوطني، جملة من الجهود التي تبذلها مصالح الدرك في مواجهة الظاهرة، ممثلة في التكثيف من الدوريات، والتنسيق مع حراس السواحل، والمبادرة بتنظيم أيام إعلامية وتحسيسية لفائدة الطبقات الهشة والقصّر، مشيرا إلى أن محاربة الظاهرة ينبغي أن لا تنحصر في المقاربة الأمنية فقط، بل ينبغي التنسيق بين كل القطاعات.

من جهة أخرى، أوضح المتحدث أن مناطق الهجرة التي يقصدها الحراقة، تحولت إلى مراكز تجارية يستثمر فيها تجار الموت. وتعمل مصالح الدرك الوطني على محاربتها، وتدعو، بالمناسبة، المواطنين إلى التحلي بثقافة التبليغ عن طريق مختلف الأرقام التي وضعتها مصالح الدرك؛ لتقريب المواطنين من أجهزة الأمن؛ حتى يساهموا في تحقيق الأمن الاجتماعي.

واقترحت عائشة سمسوم ـ ممثلة عن وزارة التكوين والتعليم المهني ـ للحدّ من الظاهرة تشجيع الشباب على الالتحاق بمراكز التكوين المهني، التي تفتح أبوابها لاستقبال كل الراغبين في التكوين حتى وإن كانوا من دون مستوى علمي، موضحة في السياق، أن وزارة  التكوين المهني أثبتت من خلال الجهود التي تبذلها للتحفيز على التكوين، نجاح تجربتها، وهو ما تعكسه الأرقام، التي تشير إلى توفير أكثر من 700 ألف مقعد و2200 مركز ومعهد لاستقبال الأعداد الكبيرة من الشباب الراغبين في التكوين، موضحة في السياق، أن الوزارة ذهبت إلى أبعد من هذا؛ من خلال محاولة أنسنة مراكز التكوين المهني للتحفيز على طلب التكوين؛ بخلق فضاءات ترفيهية ورياضية. وترى المتدخلة أن مجالات التكوين واحدة من أهم الآليات التي تساعد على التكفل بالشباب؛ من خلال تدريبهم وتأهيلهم للحياة المهنية، الأمر الذي يبعدهم عن التفكير في الهجرة.

ظاهرةٌ بنائية لا اجتماعية

اختارت الأستاذة نادية شعاف من جامعة الجزائر ـ أخصائية في علم اجتماع الهجرة ـ أن تبدأ تدخّلها بتصحيح مفهوم الهجرة غير الشرعية، حيث أوضحت أنها في حقيقة الأمر شرعية ويحق لأيٍّ كان أن يهاجر بحثا عن حياة أفضل، وأن عبارة "غير الشرعية" تطلَق على الطريقة التي أصبح يعتمدها الشباب اليوم للهجرة، ومن ثمة فإن الصفة الأصح التي تُطلق على هذا النوع من الهجرة هي "السرية"، التي يُعتبر عاملها الرئيس اقتصاديا بالدرجة الأولى؛ للبحث عن مكانة اجتماعية مختلفة.

من جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن أكثر ما يغذي الظاهرة هو الطموح وسد حاجة مادية أو معنوية. والدراسة الميدانية التي قامت بها جعلتها تقتنع بأن ظاهرة الهجرة ليست اجتماعية وإنما بنائية، تحتاج إلى إعادة النظر في تركيبة المجتمع وسدّ حاجاته للحد منها.