الرجال والنساء يقبلون على"كياسي وكياسات الحمام"

الحاجة جعلتها مهنة تأبى الزوال

الحاجة جعلتها مهنة تأبى الزوال
  • القراءات: 3162
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

يخطئ من يعتقد أن أغلب المهن التقليدية تسير اليوم نحو الزوال، بسبب العزوف عن حمل مشعلها من طرف الشباب، من بينها مهنة "الكيّاس"، "طياب الحمام" أو "الموتشو"، كما كانت تسمى قديما عند الإسبان، حيث أجمع أغلب المستجوبين على أنها مهنة لا تزول بوجود الحمامات، وأن أكثر مرتاديها لا يهتمون بالاغتسال في الحمام بقدر حاجتهم إلى "كياس" جيد ينعش جسدهم المنهك.

عند الحديث عن مهنة "الكياس" أو "طياب الحمام" يقودنا التفكير مباشرة إلى أزقة القصبة القديمة بالعاصمة، حيث تنتشر الحمامات الشعبية التي تعود إلى عهود غابرة، لا زالت شاهدة على مدى اهتمام العاصميين بالاغتسال فيها، وإحياء التقاليد المرتبطة بالأعراس والولائم، ولأن الحديث عن الحمام يقودنا مباشرة إلى "الكيّاس" الذي يعتبر أهم عنصر فيها، بالنظر إلى الطلب الكبير عليه من كل من يقصد  الحمامات، كان لابد لنا من الوقوف على هذه المهنة.

عن سر بقاء هذه المهنة، رغم التعب الكبير الذي يتكبده "طياب الحمام" مقابل دنانير لا تسد في بعض الأحيان حاجته اليومية، اقتربت "المساء" لدى تواجدها بواحد من أقدم الحمامات الشعبية في أزقة القصبة "حمام مكة"، الذي يعود بناؤه إلى العهد التركي وتحدثنا إلى الكياسة "فريال.س" التي وافقت على أن تمنحنا بعض الوقت للدردشة عن هذه المهنة القديمة، تقول في بداية حديثها، إن اختيارها لمهنة "الكيّاسة" كان صدفة، حيث كانت منذ صغرها تحب الاغتسال بالحمامات الشعبية القديمة، وتستمتع كثيرا بتدليك "الكياسة"، حيث تشعر بعد أن تكيسها من قبل "طيابة الحمام" بنوع من الانتعاش والكثير من النشاط، ولشدة تعلقها بالمهنة، قررت أن تجربها. ولأن المهنة لا تحتاج إلى مؤهل يكفي فقط أن يكون "الكياس" قوي البنية وليس مصابا بأمراض، ليتمكن من تحمل ضغط الحرارة، وشيئا فشيئا، تعودت عليها، ورغم ما تتكبده من تعب، حسبها، إلا أنها لا زالت مصرة على البقاء فيها، رغم قلة العائد المالي الذي تقدمه لها النساء اللواتي يكيّسهن، والذي يختلف من امرأة إلى أخرى، ويتوقف على مدى ارتياحها ورضاها عن عملها.

عمل "الكياس"، حسب محدثتنا ليس بالسهل، لأنها مهنة مرتبطة بالأشخاص الذي يختلفون عن بعضهم البعض من حيث الطبائع، حيث تضطر ـ حسبها ـ إلى تحمّل بعض النساء المزاجيات وسريعات الغضب أو كثيرات الشكوى، وتضطر إلى الصبر عليهن وتجاوز بعض الممارسات، فقط، من أجل إعطاء صورة حسنة عنها وعن مهنتها، إلا أنها تعلق "في بعض الأحياء، تتجاوز بعض الزبونات حدودهن عندما تعتقد أن الكياسة خادمة لديها في هذه الحالة امتنع عن خدمتها"، مشيرة إلى أن مالكة الحمام لا يمكنها إلزامها بتقديم الخدمة، لقناعتها بأنها تؤدي مهنتها على أكمل وجه، وأن العيب في الزبونة وليس في الكياسة".

عن أكثر ما تحبه في هذه المهنة، أشارت محدثتنا إلى أن هذه المهنة متعبة جدا، وتضطر في بعض الأحيان إلى تكييس أكثر من 15 امرأة في يوم واحد، الأمر الذي يجعلها تصاب بإرهاق شديد في آخر النهار، غير أن  احتكاكها بعدد كبير من النساء طيلة اليوم، والدردشة إليهن، إلى حد أن مطالبة بعضهن بنصيحة يجعلها تشعر بأهميتها، بينما أخريات يدلين لها بعض أسرار حياتهن الشخصية. مشيرة إلى أن النجاح في ممارسة هذه المهنة يحتاج إلى الكثير من الصبر والتحلي باللياقة البدنية العالية، وأن تكون على درجة كبيرة من اللباقة، لتتمكن من ربح الزبونة والحصول بعد الانتهاء من العمل على مبلغ جيد، ينسيها تعبها ويعطيها القوة لتتمكن من الانتقال إلى زبونة أخرى.

حول مدى الإقبال على مهنة "الكياس"، أشارت الحاجة "خديجة.ف" مالكة الحمام، إلى أن الطلب كبير من قبل النساء لممارسة هذه المهنة، لاسيما أنها لا تحتاج إلى أي مؤهل، يكفي فقط أن تعرف المرأة كيف تتعامل مع زبونتها. مشيرة في السياق، إلى أنها على مستوى حمامها، تملك أربع "كياسات"، وهو ـ حسبها ـ عدد قليل بالنظر إلى الطلب المتزايد من اللواتي يقصدن الحمام على خدمة "الكياسة"، وتعلق "كثيرات يقصدن الحمام ليس بغرض الاغتسال، وإنّا للاستمتاع بالخدمة التي تقمها الكياسة، التي لا تكتفي فقط بغسل الزبونة، إنّما تدليك جسمها أيضا، الأمر الذي يشعرها بالراحة ويجدد طاقتها".

مهنة من لا مهنة له

غير بعيد عن "حمام مكة" للنساء، اقتربنا من حمام رجالي، حيث كانت لنا دردشة مع "الكياس" "عبد القادر.ع"، الذي اضطر إلى ترك زبونه ينتظر، وحدثنا لبعض الوقت عن هذه المهنة، حيث قال في معرض حديثه، إن مهنة الكياس من أقدم المهن التي كانت منتشرة في العاصمة، وتحديدا بالقصبة القديمة، ولا زال الطلب عليها كبيرا، ولم يعد يقتص الأمر على  الجزائريين فقط، بل حتى اللاجئين الأفارقة الذي أصبحوا يقبلون بكثرة عليها، مما جعلنا نصفها بـ«مهنة من لا مهنة له".

من جهة أخرى، أشار محدثنا إلى أن مهنة "الكياس" تبدو للوهلة الأولى سهلة، غير أنها في حقيقة الأمر من أصعب المهن، لأنها تعتمد على قوة "المكيّس" ودرجة صبره وتحمله، خاصة أن الأشخاص الذين يقوم بتكييسهم يختلفون عن بعضهم البعض، من حيث الحجم والطباع، يقول "الأمر الذي يجعلنا نشعر بالتعب بين زبون وآخر، لاسيما أننا نضطر في بعض الأحيان إلى العمل دون توقف، لأن الزبائن بمجرد أن يدخلوا الحمام يطلبون مباشرة خدمة الكياس"، يوضح "ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نقوم أيضا بعملية التدليك، لأن الأغلبية يشتكون من آلام على مستوى الكتفين والظهر، وهو الجهد الذي يزيد من حجم التعب".

مهنة "الكياس"، حسب محدّثنا، تعتبر من أكثر المهن طلبا في الحمامات، لأن أغلب الوافدين على الحمام يطمحون إلى الحصول على "تكييسة" جيدة تجعلهم ينسون تعبهم ويجدّدون طاقتهم، مشيرا إلى أن أهم ما يراهن عليه في مهنته، هو كسب الزبون وجعله يشعر بالكثير من الارتياح والرضا، ليحصل في نهاية عمله على أجر يرضيه وينسيه تعبه.