رحيل صديق الجزائر بول بالتا

فكر واستراتيجيات وذكريات

فكر واستراتيجيات وذكريات
صديق الجزائر الصحفي الشهير بول بالتا
  • القراءات: 695
مريم .ن مريم .ن

ووري الثرى أمس الثلاثاء بمقبرة إيفري سور- سين قرب باريس، جثمان الصحفي الشهير بول بالتا الذي توفي الأسبوع الفارط بالعاصمة الفرنسية، عن عمر ناهز تسعا وثمانين سنة. وقد جرت المراسم الجنائزية بحضور أفراد عائلته ومقربين قليلين منها. وارتبط اسم الراحل بالجزائر، واشتهر بحواراته المطولة مع الرئيس بومدين، كما كتب عن مراحل متعدّدة من تاريخ الجزائر بعد 1962.

وُلد بالتا في مدينة الإسكندرية بمصر سنة 1929، وأنهى دراساته العليا في باريس، حيث حاز شهادتي الليسانس في الفلسفة وفي تاريخ الفن. وخلال خمسة عشر عاماً كان المتخصّص الوحيد في شؤون الشرق الأوسط والمغرب العربي في صحيفة لوموند، وعلى وجه الخصوص الجزائر خلال فترة هواري بومدين، الذي قال له: في عروقك يجري دم عربي بعد أن قرأ وتابع كلّ ما يكتبه عن الجزائر ما بعد الاستقلال.

سجل بول بالتا صديق الجزائر الكبير، مع الرئيس هواري بومدين أكثر من خمسين ساعة من الحوارات الصحافية والمقابلات الشخصية خلال عامي 1973 و1978، وقام بتغطية كبرى الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، منها الصراع العربي - الإسرائيلي وحروب كردستان والثورة الإيرانية وحرب الخليج الأولى (1980 - 1988)، وتعاون مع مجلات وصحف مرموقة مثل ميدل إيست جورنال (واشنطن)، آل باييس (مدريد) و«لو ليبرال (الرباط).

ومن كتبه إيران - العراق، حرب الخمسمائة عام، المغرب الكبير، الإسلام في العالم، الإسلام، البحر المتوسط المكتشف مجددا، الإسلام حضارة ومجتمعات (بالاشتراك مع فرانسيس لامون)، البحر المتوسط، التحدي والرهانات و«إستراتيجية بومدين.

ومن الشهادات التي يسجلها التاريخ عن بالتا حين كان رئيس مكتب صحيفة لوموند في الجزائر بين 1973 و1978، شهادته عن صديقه الراحل بومدين الذي رافقه في الكثير من السفريات داخل وخارج الوطن، وقال عنه: إن الرئيس توفي وفي حسابه البنكي ستة آلاف دينار جزائري، ولم يمتلك في حياته حسابا بالعملة الصعبة، ولم يترك لزوجته ولا لأشقائه عقارا أو قطعة أرض أو حتى شقة صغيرة باسمه، فلقد كان بسيطا في حياته.

كما خصّص بالتا كتابا كاملا للحديث عن الرئيس هواري بومدين بعنوان استراتيجية بومدين، حيث أشار إلى أنه اقترب من بومدين واحترمه، وثمّن سياسته على المستوى الداخلي والدولي، وكان بومدين بدوره مرتبطا بصداقته، وحريصا عليها. يُعتبر الصحفي والكاتب بول بالتا من المهتمين بالجزائر والعالمين العربي والإسلامي، وقد سمحت له تجاربه الثرية بمعايشة كثير من التحولات بدءا بصعود المد التحرري والقومي، وانتهاء بتحوّل الإسلام إلى هدف غربي تُوجَّه نحوه سهام الاتهام بالإرهاب. كما كان يقول إنّ اكتشاف الجزائر كان حدثا هاما، حيث تعلقت كثيرا بالجزائر والجزائريين الذين عاشرتهم.

رحل بالتا، لكن مواقفه وأفكاره باقية في سيرته وكتبه. لقد استطاع قراءة الراهن والمستقبل بتحليل موضوعي شامل، لذلك عُدَّ مدرسة ليس فقط في الصحافة، وإنّما كذلك في الاستراتيجية والمستقبليات.