في دراسة متخصصة لمصلحة طب العمل لبومرداس

تزايد ضحايا القلق المهني الملائمة

تزايد ضحايا القلق المهني الملائمة
الدكتورة حورية سناني، رئيسة مصلحة طب العمل بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية حنان. س
  • القراءات: 3462
❊حنان سالمي ❊حنان سالمي

أظهرت دراسة متخصصة حول "القلق في الوسط المهني"، من إعداد فريق بحث من المؤسسة العمومية للصحة الجوارية ببومرداس، أن الاهتمام بالصحة النفسية للعامل، من شأنه تحسين صحته الجسمانية، بالتالي تحسين مردوده المهني، شريطة تفادي عوامل القلق والضغط والتوتر، وظهر من بين نتائج الدراسة، حالات لعمال ضحايا القلق أصيبوا بأمراض مزمنة، وآخرون أصيبوا بانهيارات عصبية، كما توصلت إلى أن بعض أرباب العمل لا يأخذون بتوصيات طبيب العمل، رغم أن قانون العمل يوصي بذلك. في هذا الشأن  تحدثت "المساء" إلى رئيسة فريق البحث وعادت بالتالي.

على هامش يوم دراسي حول "طب العمل ودوره في الوقاية من الأمراض والكشف المبكر عنها"، المنظم مؤخرا بمقر ولاية بومرداس، تحدثت "المساء" مع الدكتورة حورية سناني، رئيسة مصلحة طب العمل بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية، والمشرفة على فريق البحث الذي أعد دراسة حول "القلق في الوسط المهني"، أجري سنة   2016، بهدف الوقوف على الصحة النفسية للعامل، التي هي أساس الصحة الجسمانية، بالتالي تحسين مردود كل عامل وفق مجال عمله وتخصصه.

اعتبرت الأخصائية، ضحايا القلق المهني من العمال والموظفين في تزايد مقلق، والسبب ظروف العمل غير الملائمة في عدة مؤسسات.

ضغط نفسي كبير حسب ميادين العمل!

الدراسة المتخصصة جرت خلال عام 2016، بالتنسيق مع المكتب الولائي لاتحاد العمال الجزائريين، على عينة عشوائية من العمال ممن يقصدون مصالح طب العمل، حيث لاحظ أطباء العمل كيف أن الظروف المهنية تؤثر كثيرا على صحة العمال النفسية والجسمانية، كما لاحظت الدراسة وجود ضغط نفسي كبير يمارس على العمال،  حسب ميادين العمل، وهو ما قد يسبب الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، مثل ارتفاع الضغط الشرياني أو السكري.

في هذا السياق، قالت الأخصائية، إن من بين أهم ضحايا الضغط المهني والمولد للقلق المزمن، عمال الصحة، وتحدثت عن مرافقي المريض، تحديدا ممن يتسببون في خلق جو كبير من التوتر على الطبيب المناوب.

أرجعت الدكتورة سبب قلق عامل الصحة تحديدا، إلى عدم قدرته على الاستجابة للضغط المتزايد عليه من أجل تأدية مهامه خلال المناوبة، حيث يصل عدد المرضى إلى 180 مريضا خلال المناوبة الواحدة، زيادة على نقص التأطير، ومنه نقص بعض وسائل الفحوصات الثانوية، كالفحص البيولوجي أو الأشعة وغيرها، فيتم توجيه المريض نحو القطاع الخاص، بسبب عدم توفر تلك الفحوصات في المؤسسات الصحية العمومية، مما يفضي إلى حصول مناوشات بين الطرفين، وهو تماما ما يزيد في عوامل القلق والضغط والتوتر.

طرد تعسفي وقابلات أمام القضاء

نفس الشيء يحدث مع باقي عمال الصحة، مثل القابلات اللواتي يتعرضن لضغط رهيب أثناء العمل، تواصل الأخصائية سردها لنتائج الدراسة، متحدثة عن الضغط الذي تتعرض له القابلات، خاصة في مصالح الأمومة المتواجدة بالوسط الريفي، حيث أكّدت وجود حالات متابعة قضائية ضد قابلتين، بعد تسجيل وفاة مولود، والسبب يعود إلى رفض القابلة في إحدى الحالات، استقبال حامل كانت في حالة وضع، ووجهت الزوج نحو مستشفى أو هيكل صحي يوفر أخصائيا في التوليد، لكن الزوج رفض وأصر على أن تلد زوجته في المصلحة بإحدى القرى، وبعد تعقيدات الوضع توفي المولود. مشيرة إلى وجود الكثير من هذه الأمثلة التي تتكرر وتسبب حالات ضغط رهيب على القابلة، بداية من ضغط أهل الحامل، ثم حالة الوضع والنتائج المترتبة عنه.

تحدثت الأخصائية عن شكل آخر من الضغط والقلق، الذي يتعرض له عمال المؤسسات الأخرى، ومنها الاقتصادية، حيث أوضحت أن أهم من يتعرض للضغط المسبب للتوتر والقلق الشديدين؛ العمال المصابون بالأمراض المزمنة، خاصة المصابين منهم بالسكري وارتفاع الضغط، موضحة أن قانون العمل يؤكد أولا، أهمية إجراء طبيب العمل مقابلة خاصة مع كل عامل جديد لمعرفة مدى قابليته للمنصب المطلوب "لكن لا يتم في جل الأحيان، الاهتمام بتوصيات طبيب العمل الذي يؤكد أحيانا، عدم أهلية العامل لمنصب ما"، تواصل الطبيبة سناني تحليلها للدراسة المتخصصة حول "القلق في الوسط المهني"، ضاربة أمثلة في هذا السياق، عن حالات عمال مصابين بالسكري ينصح بعدم تعرضهم لأي نوع من القلق، ومنه الابتعاد عن الاكتظاظ بالمكاتب "لكننا وجدنا مرضى سكري بمكتب واحد يضم ثمانية عمال، إضافة إلى وقوعهم ضحايا عنف لفظي وتهديد بالطرد.. مما يؤكد أن تعليمات طبيب العمل لا تؤخذ بعين الاعتبار تماما".

تحرش جنسي وانهيار عصبي

من بين الحالات التي رفعتها الدراسة المتخصصة أيضا، حالات تحرش جنسي تجاه بعض العاملات، وبالضبط عاملتان في إحدى المؤسسات، كان رب العمل يرسل لإحداهما أفلاما خليعة على هاتفها، واستمر الوضع دون أن ترضخ العاملة لنزوات رب عملها، مما أدى به إلى تحويلها، وهو ما سبب لها انهيارا عصبيا، بينما أدى هذا الوضع بالعاملة الثانية إلى تقديم استقالتها، وهو ما يعتبر تعسفا في حقها.

تواصل الأخصائية حديثها، معتبرة الطرد التعسفي أيضا من بين أهم الأسباب المؤدية إلى مضاعفة حدة الإصابة بالأمراض المهنية ذات العلاقة بالضغط والقلق، "حيث لاحظنا كذلك، أن بعض العمال ممن يطالبون بتحسين ظروف العمل يطردون بكل بساطة. كما تم تسجيل عدم تطبيق قرارات طبيب العمل فيما يخص، مثلا، إعادة توجيه عامل نحو منصب يوافق حالته الصحية، رغم أن الاتفاقية الإطار بين وزارتي الصحة والعمل توصي بذلك، مما يجعلنا نؤكد أن هناك حالات عمال "توجع القلب".. فقرارات طبيب العمل لا تؤخذ بالاعتبار سوى في 10٪ فقط من الحالات"، تقول الدكتورة حورية سناني، وتختم حديثها لـ«المساء"، بالتأكيد على أن الكثير من أرباب العمل يقولون "ما دخلوش روحكم".. رغم أن المشرّع أعطى أهمية كبيرة لطب العمل ووفر حماية لصحة العامل بعدة قوانين، مما يتطلّب فعلا إعادة النظر في هذا الجانب".

يوم دراسي.. وتوصيات

تنظيم اليوم الدراسي حول "طب العمل ودوره في الوقاية من الأمراض والكشف المبكر لها"، الذي عرف مشاركة عدة جهات، سمح بوضع عدد من التوصيات التي من شأنها تحسين الظروف المهنية للعمال، إن أخذت بعين الاعتبار من طرف الجهات المعنية، ويظهر من بين التوصيات، تطبيق برنامج الفحوصات الطبية الدورية المنجز من قبل طبيب العمل، وأهمية التنسيق بين مسؤولي الإدارة المستخدمة مع أطباء العمل من أجل التسيير الحسن للنشاط الاجتماعي، واستكمال تنصيب اللجان متساوية الأعضاء للوقاية والصحة والأمن على مستوى كل البلديات، إلى جانب السهر على إجراء التحقيقات بعد كل حادث أو مرض مهني، مع ضرورة إدراج بعض الأمراض في قائمة الأمراض المهنية، لاسيما تلك المرتبطة بالإدارة، كضعف النظر، دون إغفال ضرورة إدراج المشرع للإصابات المهنية ذات الطابع الذهني والمعنوي، حيث استفيد من النقاش خلال اليوم الدراسي، وجود ثغرة قانونية في قانون العمل، تتعلق بالإصابة بالأمراض العقلية المنجرة عن ضغوط العمل، مما أدى إلى تحرير توصية في هذا المجال لتدارك الأمر، إضافة إلى ضرورة إصدار نص تنظيمي يحدد سلطات الأطباء المكلفين بالرقابة على نشاط طب العمل.