الدبلوماسية الجزائرية تكرّس ”العيش في السلام”

مقاربات فعالة لتعميم قيم السلم والمصالحة عبر العالم

مقاربات فعالة لتعميم قيم السلم والمصالحة عبر العالم
  • القراءات: 800
مليكة خلاف  مليكة خلاف

حفَل مسار الدبلوماسية الجزائرية خلال عام 2018، بالعديد من المحطات المتميزة، التي أثر رصيدها المتشبع بمبادئ لم تتزعزع رغم التغيرات الدولية المتعددة، منها إعلاء سياسة الحوار، وعدم التدخل في شؤون الدول وحل النزاعات بطرق سلمية ونشر ثقافة السلم. وقد تجسدت هذه المبادئ عبر الاحتفاء باليوم العالمي العيش معا في سلام الذي يصادف يوم 16 ماي من كل سنة، إثر مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 8 ديسمبر 2017، على لائحة تقدمت بها الجزائر بهذا الخصوص؛ على خلفية تجاربها الرائدة في هذا المجال، والتي تتمثل أبرزها في اعتماد سياسة السلم و المصالحة الوطنية والقضاء على التطرف.

ويمثل إقرار يوم عالمي لـ العيش معا في سلام، اعترافا دوليا بجهود الجزائر في ترقية وتعميم قيم السلم والمصالحة والعيش المشترك؛ لإنهاء معاناة الأبرياء في العالم مع الحروب والفقر والجهل، وهي قيم تعكس تشبث الشعب الجزائري بثقافة التسامح منذ سانت أوغستين، مرورا بالأمير عبد القادر، الذي ساهم في حماية 11 ألف مسيحي بسوريا سنة 1860 بعد أن آواهم في بيته وفي بيوت معارفه وحاشيته، وصولا إلى سياسة الوئام المدني وميثاق السلم ولمصالحة الوطنية التي اعتمدها الرئيس بوتفليقة في الألفية الثالثة.

وإذا كانت هذه السياسة التي زكاها الشعب الجزائري بأغلبية ساحقة، أثمرت ميدانيا من خلال عودة السلم والاستقرار إلى البلاد، فإنها أضحت مرجعا للعديد من الدول، التي أبدت استعدادها للاستفادة من هذه التجربة، بل أضحت الجزائر تساهم عبر المنتديات الدولية، في نشر مقاربتها في حل النزاعات الدولية عبر العالم، وتكريس الحوار وقبول الآخر ونبذ العنف والكراهية.

تطويب الرهبان... رسالة السلام

ولعل من أبرز الأحداث التي تسجَّل للجزائر في 2018 وحظيت بإعجاب المجموعة الدولية، احتضانها مراسم تطويب الرهبان 19 للكنيسة الكاثوليكية بالجزائر؛ في مبادرة نادرة في بلد إسلامي، تشكل فرصة لتبليغ رسالة السلام والأخوة والتسامح، علما أن الدستور الجزائري يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين في إطار قوانين الجمهورية.

واتسمت الدبلوماسية الجزائرية بالعديد من الميزات التي ظلت لصيقة بها منذ الثورة التحريرية وفي جزائر الاستقلال، من خلال الثبات على مبادئ رسّمت السياسة الخارجية الجزائرية على مدار عقود خلت، على غرار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فضلا عن رفض استعمال القوة أو التهديد بها لحل الأزمات والنزاعات الدولية، مع ترجيح الحلول السياسية والطرق الدبلوماسية، زيادة على التأكيد على مبدأ التعاون الدولي بصورة أكثر عدلا. وقد حرصت الجزائر على الدفاع عن مبادئها في أكثر من مناسبة وعبر العديد من المحافل الدولية، على غرار الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ومناصرتها قضيته العادلة. وما قضية مالي ببعيدة، حيث نجحت الجزائر في الوصول إلى اتفاق سلام تاريخي بين الفرقاء الماليين، حينما تولت قيادة فريق الوساطة الدولية، إضافة إلى سعيها اليوم للمساهمة في تحقيق مصالحة وطنية بالجارة ليبيا، وهي التي استضافت أكثر من جولة حوار بين الفرقاء، ونجحت في حشد الدعم لحكومة الوفاق الوطني، فضلا عن حضورها الاجتماعات الإقليمية، كما هو الشأن لمؤتمر باليرمو بإيطاليا شهر نوفمبر الماضي، والذي شاركت فيه مختلف الأطراف الليبية.

وبلا شك، فإن انتخاب الجزائر مؤخرا نائبا لرئاسة الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة بإجماع 193 دولة عضوا في الهيئة لحساب مجموعة دول إفريقيا، يكرس جهود ودور الدبلوماسية الجزائرية في تعزيز مكانتها الدولية، كما أن ذلك يعبّر عن ثقة المجتمع الدولي بعد سلسلة إنجازات الجزائر ومساهمتها في مختلف التظاهرات الدبلوماسية واسعة النطاق، على غرار توليها سنة 2017 رئاسة اللجنة الأولى المكلفة بنزع السلاح، وتسهيل المصادقة على إصلاح نظام تطوير الأمم المتحدة.

وشكلت المصادقة على هذا الإصلاح المعمق في 31 ماي المنصرم، علامة تقدير وعرفان بجهود الجزائر، التي مكنت من إنجاح هذا المسار الهام. وبصفتها نائبا لرئيس الجمعية العامة، ستكون الجزائر عضوا في اللجنة العامة، وهي هيئة فرعية هامة في الأمم المتحدة، مكلفة بتسيير أشغال الجمعية العامة.

جائزة الاتحاد الإفريقي في مجال تعزيز حقوق المرأة

في سياق الحديث عن الفضاء الأممي، نجحت الجزائر في إنجاز جل أهداف الألفية للتنمية قبل الموعد المحدد لذلك؛ من خلال إحرازها تقدما كبيرا في مجالات عديدة، مثل القضاء على الفقر، نشر التعليم، تخفيض معدل وفيات الأطفال، تعزيز المساواة بين الجنسين، تمكين المرأة وكذا البيئة المستدامة، وهي المجالات التي تم إدراجها في كل خطط التنمية الوطنية التي تعاقبت منذ سنة 2000. فكل تقارير الأمم المتحدة تشهد على هذه النتائج التي تضع الجزائر في مقدمة البلدان الإفريقية، وهي إنجازات مكنت الجزائر من الحصول على جائزة الاتحاد الإفريقي في مجال تعزيز حقوق المرأة، وتمكينها سنتين متتاليتين 2017 و2018.

كما تتجلى مساعي الجزائر من أجل تعزيز الاندماج المغاربي من خلال مراسلتها أمانة اتحاد المغرب العربي، من أجل عقد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد؛ لرفع الجمود عن هياكله في سياق التحديات الإقليمية التي تعيشها المنطقة، وهي الخطوة التي حظيت بإشادة كبيرة من قبل مختلف العواصم العالمية، علما أن اجتماعات مجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي، لم تُعقد منذ عام 2003، كما لم تُعقد قمة رؤساء الدول المغاربية منذ آخر قمة عُقدت في الجزائر عام 1994.

الدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز الاندماج الإقليمي

جمود هياكل الاتحاد المغاربي لم يمنع الجزائر من تعزيز تعاونها الاقتصادي مع الدول المغاربية، كما كانت الحال مع موريتانيا؛ من خلال فتح المعبر الحدودي بين البلدين، والذي سمح بمشاركة المنتجين الجزائريين في تظاهرة اقتصادية هامة بنواقشوط، أفضت إلى التوقيع على 12 اتفاقية، فيما سيمكن هذا المنفذ الحدودي رجال الأعمال، من اقتحام السوق الإفريقية.

وتعززت الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر من خلال انضمام الجزائر إلى مبادرة طريق الحرير الجديدة للصين خلال المنتدى السابع للتعاون الصيني الإفريقي في بكين. وتمثل هذه المبادرة التي أطلقها الرئيس شي جينبينغ في 2013، مجموعة من مشاريع البنى التحتية الضخمة، الرامية إلى تعزيز العلاقات التجارية بين بكين وقارات آسيا وأوروبا وإفريقيا.

هذا المشروع الذي يطلق عليه كذلك في الصين اسم حزام وطريق، هو عبارة عن حزام أرضي يصل الصين بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا وطريق بحري، يتيح لها الوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

وقد كثفت الجزائر في إطار دبلوماسيتها الاقتصادية، جهودها من أجل تعزيز التعاون مع دول إفريقية صديقة، على غرار نيجيريا، من خلال احتضانها شهر أكتوبر الماضي، أشغال اللجنة  المشتركة العليا الجزائرية النيجيرية، حيث تم خلالها تحيين مشاريع التعاون، على غرار أنبوب الغاز والطريق العابر للصحراء، وذلك بإعداد دراسة للوقوف على المعوقات التي تقف أمام هذين المشروعين، فضلا عن دراسة اقتراحات جديدة. 

الندوة الدولية للهجرة بالجزائر تفضح الأجندات المشبوهة

شكّل احتضان الجزائر الندوة الدولية الثانية للمنظمات الإفريقية العضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة تحت شعار إشراك إفريقيا في مواجهة أزمة الهجرة، ردا من الجزائر على الاتهامات الباطلة الموجهة لها من قبل بعض المنظمات بإيعاز من أطراف لها أجندات مشبوهة في المنطقة، حيث مكنت هذه الندوة من فضح الواقع المرير للمهاجرين، الذين تعاني بلدانهم من تدهور تنموي كبير نتيجة أنانية الدول الغنية، التي تنظر إلى المسألة وفق مصلحتها الضيقة.

وإذ خلصت الندوة إلى ضرورة التفكير في مقاربات قوية من خلال تجنيد المجتمع المدني ليكون شريكا فاعلا في المجتمعات الإفريقية، فقد شكلت فرصة للمتدخلين لإبراز الدور الذي تلعبه الجزائر في إفريقيا، من خلال مشاركتها في جميع القرارات الأممية التي تتعلق بالهجرة، وجهودها في احترام حقوق الإنسان، واعتمادها ثقافة السلم والمصالحة في التعامل مع الأزمات والنزاعات.

وتميز النشاط الدبلوماسي في الجزائر في 2018، بالزيارات المتتالية لشخصيات عالية المستوى، على غرار رئيس الحكومة الإسباني ماريانو راخوي براي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، والرئيس التركي طيب رجب أردوغان وغيرهم. كما ميز النشاط الدبلوماسي في الجزائر، الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي تُوجت بالتوصل إلى اتفاقية لإنشاء مجلس أعلى للتنسيق بين الجزائر والمملكة العربية السعودية في المجالات السياسية والأمنية.