الوعدات الشعبية بالشلف

تمسّك بالموروث الثقافي وتواصل بين الأجيال

تمسّك بالموروث الثقافي وتواصل بين الأجيال
الوعدات الشعبية
  • القراءات: 1872

تحظى الوعدات الشعبية التي لا زالت تقيمها ولاية الشلف باعتبارها جزءا من تاريخ وأصالة الجزائر، ومناسبة ثقافية اجتماعية ذات بعد ديني، باهتمام جميع الفئات العمرية، في مشهد يوحي بتواصل الأجيال وتمسّكها بالموروث الثقافي.

يشكل موضوع الوعدات الشعبية التي تقام عادة خلال الفترة الممتدة بين  سبتمبر، أكتوبر ونوفمبر جدلا كبيرا في أوساط المجتمع، بين معارض من إقامتها لأسباب دينية ومشجع لها، كونها من العادات وتقاليد المنطقة، فيما كان إقبال مختلف الفئات العمرية على هذه المواعيد فرصة لتقصي الحقائق واستقاء آراء العامة والأخصائيين في هذا المجال.

يرى أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ودراسة الأديان بجامعة حسيبة بن بوعلي، الميلود بوعزدية، أن الوعدات الشعبية لازالت تحافظ كظاهرة ثقافية، على طابعها التقليدي الذي يستقطب جميع فئات المجتمع، لاكتشاف الدلالات الرمزية للاحتفال وليس بغرض تصديقها أو الإيمان بها، خاصة أنها ـ أي فئات المجتمع ـ أصبحت تتمتع بنضج وعلم كافيين للتمييز بين الحرام والحلال.

يخوض الأخصائي في حيثيات الظاهرة وتداعياتها على أفراد المجتمع، فقد  كانت قديما فرصة لإقامة جلسات الصلح وإكرام الضيوف، ومحطة للتذكير بمناقب وخصال الولي الصالح لدرجة سرد روايات وأساطير تسمى بـ«الكرامات، يتم تناقلها بين أفراد المجتمع، حفاظا على نظام اجتماعي ومرجعية دينية خاصة بالقبيلة.

يضيف بوعزدية أن الوعدات الشعبية التي أضحت تستقطب عددا كبيرا من جيل اليوم على اختلاف أعمارهم، لا يعني بالضرورة تصديقهم للأساطير والحكايات التي تروى هنا وهناك، لكنها فرصة للتعرف على العادات والتقاليد التي كانت تمارس عند السلف.

كما يرجع إقبال مختلف الفئات العمرية على الوعدات الشعبية خلال الآونة  الأخيرة - استنادا للمتحدث - إلى تطور وسائل وتكنولوجيات الإعلام والاتصال ووسائط التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يساهم في محافظة هذه الظاهرة على استمراريتها، فالجمهور الذي كان يستهدفه البرّاح قديما ليس نفسه الذي يمكنه استهدافه اليوم من خلال وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.

  وعدة سيدي عبد الرحمان... إحياء للإنتاج الثقافي  

تعد وعدة الولي الصالح سيدي عبد الرحمان (75 كلم عن مقر الولاية) التي تم إحياؤها مؤخرا، بعد غياب دام 25 سنة من الوعدات التي تشتهر بها  منطقة الشلف، حيث عرفت إقبالا كبيرا للقاطنين المحليين، وتثمينا للمبادرة التي تساهم في إصلاح ذات البين وتواصل الأجيال، والحفاظ على العديد من الأنشطة والرياضات التقليدية، على غرار رياضة العصا التقليدية والفروسية والفن البدوي والشعر الملحون.

يرى الأستاذ بوعزدية أن إقبال أفراد المجتمع على الوعدات الشعبية هو حفاظ على الموروث والعادات والتقاليد، استجابة لأبعادها، بداية بالبعد الاجتماعي ـ الثقافي، من خلال إعادة الانتماء لموروث ثقافي لبيئة ما، والبعد الاجتماعي النفسي عبر البحث والاستماع لسرديات يمكن أن تحمل من الصدق القليل من الحقيقة، بما يروح عن النفس ويغير جوها، وكذا البعد الديني من خلال إحياء قيم الصدقة وإصلاح ذات البين والكرم.  يعتبر معمر عبادلية ـ منظم الوعدة ـ أن مفهوم الوعدة الشعبية الذي توارثوه أبا عن جد عن الولي الصالح سيدي عبد الرحمان، دائما ما يرتبط بالصدقة وإطعام الفقراء، عابري السبيل وطلبة الزوايا والمدارس القرآنية، وإقامة الصلح بين أفراد المجتمع، فضلا عن علاقات التعارف والمصاهرة التي يمكن أن تنشأ في خضم الاجتماع.

ثمن السيد عبادلية هبة الكثير من أهالي المنطقة، رغم عوزهم لإحياء هذا  الملتقى الثقافي الديني الذي يبتعد -كما لفت- عن الممارسات المحرمة مثل الذبح والنذر لغير الله، مثمّنا بالمناسبة دور الشباب في هذا النشاط، آملا في نفس الوقت، تسلمهم مشعل الحفاظ على الموروث الثقافي.