الجزائر تحيي الذكرى الـ 57 لمظاهرات 17 أكتوبر

واحدة من أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي

واحدة من أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي
  • القراءات: 2034
مليكة.خ مليكة.خ

تستحضر الجزائر اليوم، ذكرى مظاهرات السابع عشر من أكتوبر 1961 التي راح ضحيتها مئات الجزائريين الذين خرجوا مطالبين بالاستقلال وجوبهوا بالقمع من قبل الشرطة الفرنسية التي رمت العشرات منهم في نهر السين بالعاصمة الفرنسية باريس.كما أطلقت الشرطة الفرنسية، بأمر من محافظ شرطة باريس موريس بابون، النار على جزائريين مهاجرين نزلوا إلى الشوارع في مسيرات ضخمة، قدر المشاركون فيها بالآلاف، بدعوة من جبهة التحرير الوطني، احتجاجا على قانون صدر ضدهم ومطالبتهم باستقلال بلدهم، التي كانت قد اجتازت قرابة سبع سنوات من الكفاح المسلح حينها.

وتظل هذه المحطة التاريخية التي تخلد كل عام، أسوأ حدث في تاريخ الثورة الجزائرية، بالنظر إلى فظاعتها، حيث استعملت فيها فرنسا الاستعمارية كافة أساليب التقتيل والتنكيل ضد متظاهرين جزائريين، خرجوا في احتجاجات سلمية على حظر التجول الذي فرض على الجزائريين في باريس عام 1961.

كما تشكل هذه الأحداث رمزا من رموز تضامن وكفاح الجالية الجزائرية المهاجرة في فرنسا التي قدمت دعمها للثورة في أحلك مراحلها بالرغم من بعدها عن الوطن الأم، مقدمة بذلك دليلا قاطعا على إمكانية نقل الثورة إلى داخل التراب الفرنسي، وتشتيت طاقة السلطات الفرنسية بهدف تخفيف الضغط عن الشعب الجزائري الذي كان يعاني من حرب تدميرية.

ففي 17 أكتوبر 1961، وفي الثامنة مساء، خرج آلاف الجزائريين في باريس في مظاهرات سلمية وتجمعوا في الساحات العامة للتنديد بقرار بابون، غير أن قوات الشرطة هاجمت المتظاهرين الجزائريين وقتلت العشرات منهم في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق مع سبق الإصرار، وألقت بالعشرات منهم في نهر السين أحياء حتى طفت جثثهم على سطحه، في عمليات قمع للمسيرات لا يعرف تحديدا عدد ضحاياها.

ولم تتوقف انتهاكات السلطات الفرنسية عند هذا الحد، بل تواصلت بمطاردة الطلبة الجزائريين المتواجدين في فرنسا، وأوقفت نشاطهم بين الجمعيات الأخرى القريبة من اهتماماتهم، كجمعية طلبة المغرب العربي وجمعية الطلبة الفرنسيين وبعض جمعيات طلبة العالم خاصة الاشتراكي منه.

كما وسعت الشرطة الفرنسية من حملتها العدائية ضد الجزائريين المهاجرين بما فيها العائلات المقيمة ونفي الكثير منهم إلى خارج فرنسا فورا، في حين جردت الإدارة الفرنسية العديد من الجزائريين من ممتلكاتهم مثل المقاهي والفنادق، التي كانت في نظرها ملاجئ للجزائريين ينظمون فيها لقاءاتهم واجتماعاتهم لدعم الثورة الجزائرية، فيما حول أكثر من 11.538 من المعتقلين إلى المحتشدات الموجودة في الجزائر.

وأجمع الذين عايشوا الأحداث على أن ما جرى في تلك المظاهرات هو جريمة دولة منظمة، تعاقب عليها جميع القوانين الدولية ولا تموت بالتقادم، رغم أنها جرت وسط تعتيم إعلامي، حيث منعت السلطات الفرنسية حضور الصحافة والكتابة عن المجزرة، كما تجاهلت شكاوى ذوي المفقودين في المظاهرات. غير أن بشاعة الأحداث لم يمنع من تسرب حقيقة ما جرى، حيث وصف المؤرخان البريطانيان جيم هاوس ونيل ماكماستر ما تعرض له الجزائريون يوم 17 أكتوبر في كتابهما ”الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة” بأنه ”أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر”.

ورغم إصرار الجانب الفرنسي على التكتم عن هذه الأحداث، إلا أن المؤرخين الجزائريين يؤكدون أن عدد ضحايا عنجهية المستعمر، يتراوح بين 300 و400 قتيل، فضلا عن العديد من المفقودين. وفي هذا الصدد، يؤكد المؤرخ الفرنسي جان كلود إينودي في كتابه ”معركة باريس”، أن أكثر من 100 إلى 150 جزائري قتلوا أو اختفوا قسرا في تلك الأحداث، محملا الشرطة الفرنسية بقيادة بابون صراحة مسؤولية قتلهم.

وقد حرصت فرنسا على المستوى الرسمي لسنوات على إنكار مجزرة 17 أكتوبر، غير أن الرئيس فرانسوا هولاند، أقر بها في خطاب له بالجزائر في ديسمبر 2012، لكن من دون أن يقدم اعتذارا عن ذلك، حيث قال ”إن فرنسا تعترف بكل وعي بالمأساة التي تمثلت في قمع دموي تعرض له جزائريون كانوا يتظاهرون من أجل حقهم في الاستقلال”. وكان ذلك أول اعتراف فرنسي رسمي بتلك المجزرة. كما وضع في عام 2011 أيضا، إكليلا من الزهور بجسر كليشي على نهر السين الذي ألقي منه الضحايا.

ولعل أهم خطوة داعية إلى اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن قتل مئات المتظاهرين الجزائريين في هذه الأحداث، هي التي قام بها النائب عن الحزب الاشتراكي الحاكم، باتريك بانوتشي، من خلال عرضه مشروع قانون يعترف بمسؤولية فرنسا عن مجزرة 17 أكتوبر. وجاء في النص الذي نشرته صحيفة لوموند ”تعترف فرنسا علنا بمسؤوليتها عن المجزرة التي تسبب فيها قمع مظاهرات 17 أكتوبر 1961، لجزائريين يطالبون باستقلال بلادهم”