المسرح الروماني بسكيكدة

تحفة أثرية بحاجة إلى التفاتة

تحفة أثرية بحاجة إلى التفاتة
  • القراءات: 1539

عبّر العديد من المهتمين بالشأن الثقافي بعاصمة روسيكادا، بمن فيهم الفعاليات الثقافية المحلية وحتّى مواطنون، عن استيائهم الكبير لتوقف عملية إعادة تهيئة وترميم المسرح الروماني المتواجد بوسط مدينة سكيكدة، الذي يقدّر قطره بحوالي 78 مترا، منذ سنة 2006، بعد أن حدّدت مدة الأشغال التي خصص لها غلاف مالي إجمالي قدّر أنذاك بـ 50 مليون دج، والتي تمّ تقسيمها إلى مرحلتين بعامين، بسبب عوائق كثيرة حالت دون تسليمه في آجاله المحددة، منها أنّ عملية الترميم الأولى لم تكن مطابقة للمقاييس المعمول بها في الترميمات التي تخص مثل هذه المعالم، حسب المعاينة التي قام بها أنذاك كل من مدير حفظ وترميم التراث وخبير مختص في ترميم المعالم التاريخية والمواقع الأثرية من وزارة الثقافة.

الغريب في أمر هذا المعلم الثقافي، أنه وعلى الرغم من استفادته خلال سنة 2016 من أشغال استعجالية، الهدف منها إزالة الأتربة والردوم والحشائش الضارة والأشجار، من شأنها أن تضع حدا لتدهور المعلم، بالخصوص بعد أن تمّ تعيين مكتب للدراسات مختص يملك تجربة كبيرة في عملية ترميم المعالم الأثرية، إلا أنّ الأمور ظلت على حالها، فلا الأشغال الاستعجالية القديمة انطلقت ولا حتى الجديدة، ليبقى مصير المسرح الروماني المصنف وطنيا يراوح مكانه، أمام التدهور الذي أضحى عليه بسبب غياب الحلول العملية الكفيلة بإعادة الروح إليه، خاصة أنّ بإمكانه أن يعطي إضافات للسياحة وللفعل الثقافي على حد سواء.

وما زاد "الطين بلّة"، حسب مصدر من مديرية الثقافة للولاية، هو تأخّر مصالح الجزائرية للمياه في إيجاد حل استعجالي لقناة المياه الصالحة للشرب التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، قصد تحويلها خارج المسرح، خاصة أن تسرب المياه منها لقدمها أثر على المسرح، ويرى نفس المصدر أنّ تحويل تلك القناة إلى خارج أسوار المسرح الروماني سيسمح بانطلاق أشغال تدعيم المدرجات، وإنجاز شبكة تصريف مياه الأمطار، وإنجاز المنصة.

للتذكير، فإنّ الأشغال الاستعجالية التي خصّص لها غلاف مالي إجمالي يقدر بـ04 ملايير سنتيم، وتمسّ أيضا أشغال تهيئة الحديقة الأثرية المجاورة له، إضافة إلى تخصيص مبلغ إضافي قدر بأكثر من ملياري سنتيم لأشغال إعادة التهيئة من خلال إنجاز المرافق الملحقة،  كالأجهزة الصوتية والإنارة الخاصة بالمسارح، قد تمّ اقتراحها بناء على توصيات خبراء في علم الآثار من الوزارة الوصية، كانوا قد عاينوا الوضعية السابقة التي آل إليها المسرح الروماني، بالخصوص بعد توقف أشغال إعادة الترميم التي انطلقت تقريبا سنة 2006.

كما أدى اكتشاف المدرج الروماني الأصلي إلى إخضاع الموقع من جديد لدراسة استعجالية ثالثة، بعد أن تمّ رصد غلاف مالي قدّر بحوالي 03 ملايين دينار، خصص للقيام بأشغال  إعادة الوجه الحقيقي للمسرح الروماني، كما كان في سابق عهده.

مع العلم، قامت مديرية الثقافة لولاية سكيكدة خلال سنة 2012، بتوقيع اتفاقية مع الديوان الوطني للممتلكات الثقافية المصنفة التابع لوزارة الثقافة، من أجل تمكين هذا الأخير من إكمال عملية ترميم المسرح الروماني المتواجد بوسط المدينة المتوقفة منذ تاريخ اكتشاف مدرجات وجزء من الركح الأصلي للمسرح الروماني، أثناء أشغال إنجاز الشطر الثاني لمشروع الترميم، حيث تمّ العثور على تلك الآثار تحت الردم على عمق حوالي 3 أمتار عن سطح الأرض، لكن منذ ذلك الحين وإلى يومنا، فأشغال الترميم وإعادة التهيئة تبقى متوقفة إلى حين.

حسب معاينة "المساء" للموقع، لاحظنا بكل أسف، أنّ عملية التهيئة الأولى التي خضع لها، أفرغت المسرح الروماني من محتواه، حيث لم تأخذ  تلك الأشغال بعين الاعتبار الطابع المعماري الروماني الأصلي، لاسيما طبيعة المدرجات التي أنجزت بمواد جديدة، مما أفقده صفة المسرح الروماني، ناهيك عن طبيعة الأشغال التي تفتقد إلى المسحة الفنية، والأكثر من ذلك، فحتى الأعمدة التي تم تنصيبها على طرفي المنصة، والتي تشبه إلى حد ما الأعمدة التي يبرع الرومانيون في تزيين قصورهم بها، قد أثبتت الخبرة التقنية التي قامت بها مؤسسة مصالح المراقبة التقنية للمباني أنذاك، بأنّها لم تنجز حسب المواصفات المتعارف عليه في مثل هذه الحالات.

للتذكير، فإن المسرح الروماني المتواجد بوسط مدينة سكيكدة، والذي يضاهي في جماله وكبره المسرح الروماني لتيمقاد بولاية باتنة، وجميلة بولاية سطيف، ومداوروش بولاية سوق أهراس، والمسرح الروماني لتيبازة المطل على البحر، يعد واحدا من أكبر وأوسع المسارح التي شيّدها الرومان في إفريقيا الشمالية، فهو مستوحى من المسرح اليوناني ويتكوّن من حجارة كبيرة محفورة في منحدر جبل، يتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 4900 متر مربع ويتسع لأكثر من 6 آلاف متفرج، وقد تم بناؤه خلال فترة الإمبراطور "أدريان" في القرن الثاني. وحسب الروايات التاريخية، فقد تم تشييده بفضل تبرعات الأديب "أمليان بلتور" قبل أن يدمر الاستعمار الفرنسي أجزاء منه، بالخصوص منصة "براكسينيوم" التي بنى فوقها ثانوية النهضة للبنات، ناهيك عن تغييره لطبيعة المسرح بتحويله من روماني إلى إغريقي.

وفي كل هذا، يبقى على الجهات المعنية، خاصة وزارة الثقافة، التدخل العاجل من أجل إعادة بعث أشغال التهيئة الاستعجالية حتى يتسنى للمسرح أداء وظيفته، على غرار المسارح الرومانية المتواجدة بعدد من ولايات الوطن، مع فتح الحديقة الأثرية للجمهور.