الحاج بلعيد الباحث في سوسيولوجيا الفن لـ ”المساء”:

على المجتمع المدني تولي تنظيم النشاطات الثقافية

على المجتمع المدني تولي تنظيم النشاطات الثقافية
الباحث في سوسيولوجيا الفن وعضو جمعية ”البصمة” للفنون التشكيلية الحاج بلعيد لطيفة داريب
  • القراءات: 1409
❊  لطيفة داريب ❊ لطيفة داريب

شارك الباحث في سوسيولوجيا الفن وعضو جمعية البصمة للفنون التشكيلية الحاج بلعيد، في الطبعة السادسة لتظاهرة خيمة الفن التشكيلي التي احتضنتها مؤخرا ولاية سعيدة، من خلال تقديم محاضرة بعنوان الفنان الجزائري بين الأداة التقنوية والالتزام الثقافي. وفي هذا الصدد اتصلت المساء بالباحث، وطرحت عليه عدّة أسئلة حول هذه التظاهرة وعن تخصّصه، إضافة إلى واقع الفنون في الجزائر، وعلى رأسها الفن التشكيلي، ودور المجتمع المدني في تنظيم النشاطات الثقافية، فكان هذا الموضوع.

حب الحاج بلعيد للفنون جعله يتخصص فيها من جانب سوسيولوجي، وهذا بعد تخرّجه من جامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس، ورغم غياب تدريس هذا التخصص في الجزائر، إلا أن ذلك لم يمنع الحاج من البحث فيه ضمن السياقات المعرفية والبحثية، وهذا من أجل تحقيق أبعاد تدوينية.

وشارك عضو جمعية البصمة للفنون التشكيلية في تظاهرة خيمة الفن التشكيلي التي احتضنتها بلدية المعمورة لدائرة حساسنة (ولاية سعيدة)، ومن تنظيم الجمعية التي ينتمي إليها بلعيد ويترأسها فريد باز بالتعاون مع جمعية الهضاب للبيئة والسياحة لبلدية المعمورة. وعرفت تنظيم ورشات الرسم الموجهة لأطفال المنطقة، وإنجاز لوحات جماعية وجداريات، علاوة على تنظيم رحلات إلى سعيدة وعيد سخونة وتيفريت، وإلقاء محاضرات وتكريمات، حيث تم تكريم عدة فنانين ومن بينهم الفنان المرموق محمد بوكرش.

الفنان بين الأداة التقنوية والالتزام الثقافي

أما عن المحاضرة التي قدّمها ابن تيارت الحاج بلعيد، فقد كتب عنها الباحث والمسؤول عن الاتصال بالجمعية كمال صلاي، مشيرا إلى أن الأستاذ الحاج طرح إشكالية تتمثل في كيفية الارتقاء بمستوى المخيال الفني للمبدع الجزائري؛ من متغير الدقة التقنية المنتجة لعوالم الصورة الجمالية إلى مقتضيات الاستقراء العقلاني لإبستيمولوجيا الالتزام الثقافي الباني لقضية الذات الجزائرية، مضيفا أن الأستاذ في إجاباته عن هذا الإشكال المركّب معرفياً تناول عدة نقاط أساسية، اقترنت بشكل جلي بمسألة الفجوة الموجودة في شخصية الفنان الجزائري، لاسيما التشكيلي منه والمتمظهرة في غياب الحس المشترك، مؤكداً أنه من غير المعقول أن نبحث عن فعل تأسيسي للذاكرة الفنية في ظل غياب القابلية الفردية والجماعية، الرامية إلى هذا النموذج من الحراك!”.

وكتب صلاي أن الحاج استرسل في إحداث نوع من المقاربة الإجرائية مع تحيينات خاصة بجمعية البصمة للفنون التشكيلية، التي تشرف منذ أكثر من خمس سنوات على إقامة أشغال الخيمة الفنية التشكيلية. ويتساءل في هذا الصدد: ما معنى الالتزام الثقافي من خلال الخيمة الفنية؟، فهل نحن إزاء قراءة الفعل الثقافي المجتمعي، نخاطب الأفكار أم نكلّم الأشخاص؟، كما رجح قوله إنّ ما بتنا نعيشه في ثنايا الفن الجزائري واقترانا بما هو معاش اجتماعياً ضمن العوالم الكبرى للذات الجزائرية الحاملة لهواجس وهوس الشتات والتشرذم الهوياتي، ما يسمى بـ« الجنائز الفنية، وبذلك يؤكد أن مسألة تفكيك لغة الأداة التقنوية المكهربة بأبعاد طوباوية، يجب أن تفعّل نحو غايات أسمى في دراسة وتحليل الأعمال الفنية؛ حتى لا يصبح الفنان المحترف تقنيا خارجاً عن التاريخ الفني الخصوصي!!”.

تخصص سوسيولوجيا الفن رهانٌ حقيقي

في إطار آخر، قال الحاج في حديثه إلـى المساء، إن تحديات جمعية البصمة للفنون التشكيلية، تكون عبر رهان استمرارية العمل الجمعوي بعمقه النضالي والتطوعي، مضيفا أن النشاط المدني في الجزائر يحتاج إلى إثراء ميكانيزماته معرفيا؛ من أجل فهم ماهية العمل الجمعوي، الذي لا يجب أن يتلقى الدعم المادي من الغيتوهات السلطوية. كما على الفنان الابتعاد عن الشكوى والتشكي من السلطات، بل عليه التضامن مع أخيه الفنان، عبر تكريس الحس المشترك الفني لصالح خدمة المجتمع العام والارتقاء بالذوق.

وتنقّل المتحدث إلى تخصصه المتمثل في سوسيولوجيا الفن، الذي قال إنه سابق لأوانه، مضيفا أنه ضمن البحث السوسيولوجيي يسعى الباحث إلى استنطاق الفن معرفيا وبحثيا عبر البحث في المرجعيات الفكرية للفن التشكيلي في الجزائر، وهو رهان حقيقي من أجل توطين الفن من عدة أبعاد، في انتظار فتح هذا التخصص في الجامعات.

الفن التشكيلي حامل لدلالات جمالية

وفي رده على سؤال المساء عن اختياره الفن التشكيلي من دونه من الفنون، قال الحاج إن الفن التشكيلي يحمل دلالات جمالية معبرّة وصادقة. كما يصبو إلى تجاوز البشاعة وكل ما هو قبيح، بل يستنطق الجمال بأشكال متعدّدة، ويعزّز الحس المشترك مجتمعيا.

أما عن واقع الفن التشكيلي في الجزائر فأشار الحاج إلى حاجة الفنون الجميلة إلى الاهتمام، خاصة أنّه يعاني التهميش على جميع الأصعدة، وخير دليل على ذلك، شوارعنا القبيحة وسكناتنا التي تفتقد للروح المحلية الأصيلة، مع غياب العصرنة في التعامل مع المعطيات الجديدة، بما فيها غياب البعد المعرفي في الفن التشكيلي، لهذا طالب المتحدث باستئناف جهودنا من أجل استنطاق الفن سوسيولوجيا، من خلال إجراء مقابلات مع أغلب الفنانين التشكيليين واكتشاف مواهبهم ومنحهم فرص التعبير عن مكنوناتهم، إضافة إلى محاولة تدشين الأبعاد المعرفية والفنية والجمالية ما بين الفنان التشكيلي والجمهور.

شتّان بين فن العمل الجمعوي والفن المؤسس!

بالمقابل، قال الحاج عن حادثة منع تنظيم الحفلات في أكثر من ولاية، إنّ الفن لا يتطلب الرعاية السلطوية بل يتطلب النضال الجمعوي بعمقه التطوعي، وهو ما تصبو إلى تحقيقه جمعية البصمة للفنون التشكيلية (سيدي بلعباس).

وفي هذا السياق، أكد المتحدث وجود فرق في عالم الفن بين العمل الجمعوي النضالي للفن النابع من إرادة المبدعين والفنانين النابعة من ذوق المجتمع العام، وبين الفن المنظم والمفروض على حساب ذوق المجتمع.

أما عن معاناة الفن التشكيلي في الجزائر من غياب الجمهور، فاعتبر المتحدث أنّ هذا الأمر ناتج عن تغييب جيلي للفن التشكيلي، فالمدرسة الجزائرية لا تملك حجما ساعيا كبيرا للبرنامج الخاص بالفن التشكيلي، كما أن الجزائري عانى من ويلات العنف المبرمج من عدة اتجاهات، وهذا ما أفقده الإحساس بكل جماليات الحياة، ليطالب بضرورة إيجاد العوامل التي تربط بين الجمهور والفن، وهو ما تقوم به الجمعية من خلال تنظيمها الخيمة الفنية التشكيلية، وفقا للقانون الجزائري الذي يمنح الجمعيات حق النشاط.

ولكن الدولة لها حق منع تنظيم أي نشاط ثقافي، أليس كذلك؟ يجيب بلعيد بأننا لا نعيش في الجزائر أزمة قانون بقدر ما نعيش أزمة أشخاص، الذين هم مطالَبون بتفعيل القانون خدمةً للمصلحة العامة.

الدين بريء من الاتهامات

في إطار آخر، اعتبر الحاج أن تردي العلاقة في الكثير من الأحيان بين الفن والدين، مرده إلى غياب حس المواطنة، مضيفا أن الفن هو مرجعية ثقافية للمواطنة، في حين أن الدين هو شأن خاص لا علاقة له بالمواطنة من الناحية التاريخية، وبالتالي هناك خلط ما بين الدين والفن. كما يوجد خلط تعسفي يهمّش الفن باسم الدين رغم أن الدين بريء من هذا، في حين أن الفن يعزز الحس المشترك وتحسين الذوق العام.

ومادام هناك غياب المواطنة ضمن الفضاءات العمومية فحتما ستتواصل هذه الحساسيات المفبركة جيليا ما بين الفن والدين، مؤكدا أنه لن يحسم هذا الأمر إلا عبر إعادة قطار المواطنة إلى مكانها الطبيعي مجتمعيا.