صدور رواية جان نويل بانكرازي

ذكريات من جزائر الثورة والحب

ذكريات من جزائر الثورة والحب
  • القراءات: 3196
❊ ق.ث / الوكالات ❊ ق.ث / الوكالات

ظلت سنوات طفولته الثلاث عشرة التي عاشها في الجزائر، تعيش في وجدان وذاكرة الروائي الفرنسي جان نويل بانكرازي، الذي وُلد عام 1949 في مدينة سطيف، وهي المدينة التي شهدت قبل أربع سنوات من ولادته،  مجازر مروعة راح ضحيتها بين 20 و30 ألف شهيد جزائري.

صدرت لهذا الروائي، وهو في التاسعة والستين من العمر، وبعد مغادرته الجزائر بـ56 سنة، رواية جديدة عن دار "غاليمار" في باريس، حملت عنوان "أردت أن أعبر لهم عن حبي"، عاد فيها إلى الكتابة عن ذكريات طفولته في الجزائر، وهي عودة لم تكن متوقعة بالنسبة للكثيرين، لاسيما أنه أصدر من قبل روايتين عن هذه الذكريات هما "السيدة أرنول" و«الجبل"، وقد شاءت الصدف أن تصدر خلال هذا العام أيضا ترجمة لهاتين الروايتين، أنجزها الكاتب والمترجم المغربي سعيد كرامي، وقام بمراجعتها الدكتور منتجب صقر، الأستاذ في قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب في جامعة دمشق، في كتاب مشترك ضمن سلسلة "إبداعات عالمية" من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت.

أكد بانكرازي الذي غادر الجزائر بعد استقلالها عام 1962، أن روايته الأخيرة "أردت أن أعبر لهم عن حبي"، صدى لشهادة دفينة في أعماقه عن حبه للشعب الجزائري، وأنها ربما ستكون روايته الأخيرة عن الجزائر. ويقول: "أنا تعبت من الذاكرة والحنين وأشباح الماضي. أنا تعبت من التذكر والعودة إلى الدوافع نفسها والمشاعر ذاتها والوجوه عينها والمناظر الطبيعية كلها. أنا مشبع بما عشته وواجهته وجابهته. لديّ الآن رغبة واحدة فقط، هي النسيان".

بالعودة إلى روايته الأولى عن الجزائر "السيدة أرنول" التي حصلت على جائزة "موريس جونوفوا" وجائزة "ألبير كامو"، نجد أنها عكست على نحو شفاف وجميل، صورا عن علاقة جميلة ونبيلة ربطت بين طفل رقيق المشاعر وسيدة فرنسية رصينة تُدعى "السيدة أرنول"، وهي تتمتع بخيال خصب، وتنبض دواخلها بعاطفة حميمة إزاء الشعب الجزائري المحتل. وإذ يأخذ الطفل دور السارد، نجده يعتبر هذه المرأة القوية أنها أمه الحقيقية، مع انشغال أمه في متطلبات عملها كمدرسة، لأن علاقتها بأبيه متأزمة ومتوترة في الغالب.

هذه السيدة كانت تعاني من إهمال زوجها وتعيش منعزلة، لأنها لم تعمل على التخفيف من لكنتها المميزة التي تعكس بوضوح انتماءها إلى منطقة الألزاس، ولم يكن لديها صديق غير هذا الطفل، الذي كانت تلتقيه مساء في فناء الدار التي تضم شققا تسكنها عوائل فرنسية، ليمضيا وقتا ممتعا في الحديث بصفاء. كان هذا الطفل الوحيد الذي لم يُدِنْها عندما اتخذت موقفا شجاعا من الثورة الجزائرية، معبِّرة عن "تضامنها مع المسلمين".

كان الطفل في المقابل، يحس بفقدانه الدائم للانسجام مع ما حوله، ويكنّ تقديرا خاصا للسيدة أرنول، التي كثيرا ما كان يتحدث عنها في سياق الرواية بروح الود والاعتزاز، ومن ذلك كيف أنها مدت يدها بعد وقوع أحد الانفجاريات لتقف إلى جواره مخففة عنه هول الأمر، وكيف أنها أنقذت حياته مرة أخرى معرضة نفسها للإصابة بطلق ناري طائش، وكيف كانت في أثناء لقاءاتهما تشد يده كما لو كان ابنها الحقيقي وهما يسيران تحت سعف النخيل.

أما روايته الثانية عن الجزائر التي حملت عنوان "الجبل"، وحصلت على جائزة "فرنسوا مورياك" من الأكاديمية الفرنسية وجائزة "مارسيل بانيول"، وجائزة "البحر الأبيض المتوسط"، فإنه سفح فيها ذاكرته الجريحة التي ظلت تعيش داخله لمدة طويلة، وكان أبطالها ستة أطفال أصدقاء، قُتلوا في الجبل خلال الحرب الجزائرية، وكان صديق سابع لهم قد تخلف عن مرافقتهم، فبقي هذا الأمر معذّبا ومؤرِّقا له بحدة.

الروائي بانكرازي يحمل وسام الفارس الفرنسي للاستحقاق الوطني للفنون والآداب، وهو يعمل منذ عام 1985 ناقدا أدبيا في صحيفة "لوموند الكتب". كما أنه أصبح منذ عام 1999 عضوا في لجنة تحكيم جائزة "رونودو" الأدبية. وكان بين الجوائز التي حصل عليها؛ الجائزة الكبرى للرواية التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية عن روايته "كل شيء يمر بسرعة" عام 2003، وجائزة "ميديسيس" عن روايته "حياء الشتاء" عام 1990.