قلعة ”تيميكي” الرومانية بالشلف

معلم تاريخي يطلب النجدة

معلم تاريخي يطلب النجدة
  • القراءات: 717
❊ ق. ث ❊ ق. ث

تبقى قلعة تيميكي بالشلف من الشواهد المادية على مرور الحضارة الرومانية بحوض الشلف، حيث لا زالت منتصبة وسط ديكور طبيعي خام لتروي فترة ازدهار المنطقة إبان العصور  الميلادية الأولى، وبالرغم من أن الموقع مصنف ومحمي إلا أن بعض الممارسات باتت تهدد هوية المكان التاريخية وتحول من جعله قطبا سياحيا بامتياز.

تتعرض قلعة تيميكي التي يرجع تاريخها للقرون الميلادية الأولى لعديد الانتهاكات على غرار الحفريات غير الشرعية والبناءات الفوضوية على حدودها فضلا عن زراعة بعض المساحات وكذا سرقة الحجارة من طرف بعض المواطنين المحليين في حين أن الموقع الأثري تم تصنيفه من قبل المستعمر الفرنسي سنة 1905 ليصنف ثانيا بعد استقلال الجزائر سنة 1967 طبقا للأمر 67 281 المتعلق بالحفريات وحماية المواقع الأثرية.

الانتهاكات المسجلة على مستوى قلعة أولاد عبد الله مردها حسب المسؤولين لنقص الثقافة التراثية والوعي لدى بعض  الفئات حيث تحاول المصالح المحلية من خلال حملات التوعية والتحسيس التعريف بأهمية المكان وترسيخ ثقافة الحفاظ على التراث المادي وتثمينه، خاصة في ظل فعاليات شهر التراث، حيث تم تنظيم عديد النشاطات في الموقع الأثري.

تم تسجيل اعتداء واحد على الموقع خلال الشهرين الأخيرين فيما طلب من السلطات المحلية التدخل لمنع بناء السكنات الفوضوية وممارسة أنشطة فلاحية بحدود الموقع، مع الأمل في تكفل السلطات المحلية بإنجاز سياج محيط بالموقع كإجراء أولي لحمايته خاصة في ظل إمكانية تحويله لوجهة سياحية داعمة للاستثمار والاقتصاد المحلي بعد أن تم الانتهاء من دراسة إعداد مخطط الحماية والتثمين في انتظار أن تباشر به أعمال التدخل والتنفيذ مستقبلا (مسجلة في عمليات التحكيم لسنة 2019).

للإشارة، فإن قلعة تيميكي الرومانية التي عرفت مؤخرا بعض الانتهاكات تعتبر موقعا أثريا جديرا بالاهتمام والحماية والتثمين وهو ما جعل مصالحها تعمل على التدخل السريع خاصة فيما يخص هدم البناءات الفوضوية وتحسيس السكان المجاورين بالقيمة التاريخية للمكان.

هناك أيضا تنسيق مع كل من مديرية الثقافة التي قامت بتسخير عون لحراسة المكان وكذا مصالح الأمن للقيام بدوريات مراقبة بمحيط الموقع الأثري تفاديا لانتهاكات جديدة.  تباينت مواقف وآراء المواطنين فيما يتعلق بأهمية الموقع التاريخية، وقد رحب بعضهم بفكرة حمايته وتثمينه في حين لم يعر آخرون اهتماما لهذا الموضوع مما يؤكد على ضرورة التحسيس والتوعية في سبيل حفظ هكذا معالم تضمن تواصل الأجيال وتؤرخ لحضارات مرت بالمنطقة.

اعتبر بعضهم أن قلعة تيميكي دليل على وجود إنساني بالمنطقة  ضارب في عمق التاريخ وبحاجة للدراسة والعرض أمام العالم لعله يكون وجهة سياحية تدّر موارد مالية جديدة للبلدية وأهل المنطقة، مستنكرين في نفس الوقت بعض الممارسات غير الشرعية كالبحث عن الكنوز وتهريب الآثار، وداعين إلى توعية الساكنة من خلال منابر الإعلام والأنشطة الجوارية بقيمة قلعة أولاد عبد الله.

وعلى النقيض من ذلك، يرى البعض الآخر أنه ليس معنيا بالبحث والاهتمام بتاريخ أناس مروا من هنا وأكل عليهم الدهر وشرب، بقدر اهتمامهم بقوتهم وقوت عيالهم .

إحياء الثقافة التراثية في الأوساط المحلية

يرى أحد أساتذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة حسيبة بن بوعلي بالولاية، أن تثقيف أهالي المنطقة وتوعيتهم بالآثار التاريخية المادية مرتبط بتفعيل مؤسسات التنشئة كالمدرسة والجامعة والمسجد وغيرها، فالناس تحمل أفكارا من حيث المعتقد والتاريخ وبعض الفئات تعتبر التراث خارجا عن الدين وتذكير بالجاهلية وهذه الذريعة دفعت ببعض منهم إلى عدم الاهتمام بها، وتواجد الحضارات القديمة بالمنطقة هو عبرة وذاكرة صحية للأجيال القادمة حتى لا تحدث القطيعة، فالقطيعة تؤدي إلى التفرقة.

ويتم التأكيد على أنه ينبغي في سبيل التأسيس والترسيخ لثقافة تراثية تثمين الشواهد التاريخية للحضارات المتعاقبة على غرار قلعة أولاد عبد الله.

تضافر كل الجهود لإيجاد آليات كفيلة بإبراز الفائدة المعنوية للحفاظ على التراث من خلال استمرار الذاكرة الجماعية للناس، فمن لم يملك تاريخ لا يملك مستقبلا.

باحثون آخرون يعودون إلى أهمية الموقع من الناحية التاريخية حيث يفيدون بأنه و«على إثر تحري معمق لفرقة بحث في علم الآثار من الجزائر العاصمة تم تأكيد وجود تسلسل حضاري جدير بأن يأخذ حيزا أكبر من الدراسة والاهتمام.

الموقع الاستراتيجي لقلعة أولاد عبد الله التي تطل على العالم من أعلى هضبة صخرية بمنطقة سيدي عيسى (بلدية تاوقريت) يثير  فضول الباحثين في علم الآثار باعتباره موقعا رومانيا مع العلم أنه بعيد عن الموارد المائية الطبيعية مما اضطرهم لإيجاد خزانات خاصة والعيش بمياه الأمطار.  ويتواصل فضول الباحثين حول الشعوب التي مرت بقلعة تيميكي مع تلك النقاشات الموجودة والغريبة، حيث تشير إلى عقائد وثنية ترجع إلى ما قبل الميلاد. ووفق التجربة والملاحظة فإن المدينة الرومانية عرفت أوج ازدهارها في القرن الأول قبل الميلاد قبل أن تنقطع فيها الحياة بدءا من القرن الثالث بعد الميلاد احتمالا لنقص المياه ودليل ذلك عدد القبور الموجودة في الجهة الشرقية والغربية للموقع.  ووفقا للمختصين في علم الآثار، فإن الموقع الجغرافي لقلعة تيميكي يساهم في حمايتها من الظروف الطبيعية على أن تساهم السلطات المحلية هي الأخرى في حماية الموقع عن طريق التدخل والتحسيس والتوعية في حين يبقى على المواطن الاضطلاع بدوره والتفاعل مع شواهد التراث المادي من خلال الحفاظ عليها والتفكير في تحويلها لوجهة سياحية تحفظ ذاكرة المنطقة وتفتح آفاقا اقتصادية محلية جديدة. 

ق. ث