هادية وسعيد رحماني برواق ”محمد راسم”

ذكريات فارس وفيضٌ من أمومة سخية

ذكريات فارس وفيضٌ من أمومة سخية
  • القراءات: 3670
❊ مريم. ن ❊ مريم. ن

يستضيف رواق محمد راسم إلى غاية نهاية الشهر الفضيل معرض الفنانين الزوجين سعيد رحماني وهادية هجرس بعنوان من الذاكرة، يبسطان فيه الموهبة ومستوى التكوين الراقي، ومواضيع شتى من عمق المجتمع وبتفاصيل مستوحاة من مضارب وربوع مسقط الرأس، على اعتبار أنه الملهم الأول للجمال وللقيم، كما أنه مخزن أرشيف الذكريات الجميلة التي لا تمحى.

يتضمن المعرض 46 لوحة، وعند دخول المساء المعرض وجدت الفنان الشاب في انتظارها، مرحبا كما يفعل مع جمهوره، ولا يكل ولا يمل من إعادة الشرح والحديث عن عمله وأفكاره بدون أن تفارقه في ذلك ابتسامته وهدوءه ولغته الدبلوماسية الراقية، وبالتالي يتأكد للجميع أن هذا الفنان مكتمل من حيث الموهبة والأخلاق. ولا يُستغرب الأمر في كل ذلك إذا عُلم أن هذا الفنان الممشوق هو فارس، وكيف لا يتأتى له ذلك وهو ابن عاصمة الفروسية تيارت. تعكس لوحات الفنان فروسيته، حيث تتجلى صور الركض والفضاء الرحب والحركة المتوازنة، تماما كما تفعل الخيل وتحب.

وفي حديثه إلـى المساء قال إنه يختار في لوحاته البعد واتساع المساحات (لوحات من الحجم الكبير)، وتغلب الزرقة التي تساعد على أخذ النفس الكبير والانتعاش. وضمن هذا الفضاء الرحب توجد منافذ تهوية ذات زرقة سماوية، تعبرها الألوان والأطياف والأشكال والشخوص.

يعبث الفنان بالألوان وتعبث به في تناغم وجداني صاف، ليستفيض المعنى أكثر ويطلق الرسائل والصور والعبر. كما تحمل اللوحات جانبا من ذكريات الطفولة، وما كان فيها من لهو ولعب وشقاوة، مع إعطاء النعومة لهذه الذكريات المفعمة بالحنين.

في معرض حديثه، أشار الفنان إلى أنه يستعمل الألوان الساخنة والباردة على حدّ سواء، معتبرا أنها ألوان حية. ومن بين ما ساد في معرضه شقائق النعمان الناطق الرسمي باسم الربيع، التي تمتد ـ حسبه ـ وتتفشى في سهول وربوع تيارت الجميلة وفي مناطق أخرى من أرض الجزائر، وهذا يجرّ إلى الحديث عن غنى هذه الأرض التي تحمل الخيرات من غلال وخيول، وغيرها كثير.

وأكد الفنان أنه يستعمل اللون الأحمر ويرافقه بالأزرق، لينعكس مستوى الجمال في اللوحة؛ أي أن أحمر الزهر يقابل زرقة السماء وهكذا.

وإضافة إلى سيادة شقائق النعمان في المعرض هناك حضور لـ الدلو، وقد استعان به الفنان كرمز لأعماق الإنسان، وهو يعكس مقولة كلٌّ يدلي بدلوه و«كل إناء ينضح بما فيه، ويقول: الدلو يمثل عندي الإنسان، ولون كل دلو يعكس مختلف الطبائع والأخلاق والأفكار، وبالتالي فإن الدلو الأحمر يمثل الإنسان المتوهج الذي بداخله حنين، والأخضر يمثل الهدوء والسكينة، والأزرق يمثل سعة الصدر والانشراح.

وبالنسبة للوحة نشر الغسيل أشار الفنان إلى أنها مظهر من مظاهر تقاليدنا والتي لا نستغني عنها، كما أن الغسل يطهر الملابس، وهو أيضا رمز لتطهير الأفكار والطبائع من الشوائب العالقة بها. وتَجسد في المخيّل الشعبي أن الحلم بنشر الملابس هو دليل على زوال الغم والهم.

أما رمز المائدة (الميدة التقليدية) فيعكس العادات والتقاليد الجزائرية التي تعبّر عن الكرم والسخاء وعن الخير والطعام، وهي بالمقابل أيضا، رمز للقلوب الصافية وللمودة بين الناس؛ فالمائدة وحدها ما يجمع الناس على الخير حتى ولو لم يكن بها طعام، وذلك للسمر والحديث والتواصل.

الفن المعاصر اختيار لا رجعة فيه

أكد الفنان سعيد رحماني أنه يستعمل الأسلوب التجريدي ونصف التجريدي وكذا نصف الواقعي ضمن الفن المعاصر، من خلال الخطوط والألوان والتركيبات المستعملة، وحتى من خلال الأفكار والمواضيع المتناولة. والتجريدية وراءها قصة ولا تعتمد على المباشر الفصيح؛ يقول: الواقعية عندي هي آلة تصوير؛ فلماذا تكرار ما تسجله اللقطات الحية، لكن التجريدي المعاصر يمكّن الفنان من إطلاق مشاعره وأفكاره وشخصيته، ويعطي راحة في التأمل وحرية التعبير.

وبالنسبة للشريك الآخر في المعرض وفي الحياة، وهي الفنانة هادية رحماني هجرس ابنة مدينة سطيف العالي، فتتعاطى المدرسة التعبيرية والتشخيصية، واعتمدت في لوحاتها على مواضيع خاصة بالعادات والتقاليد والمرأة (”حراير الجزائر”)، أشارت في حديثها إلى المساء، إلى أنها تميل إلى اللون الأزرق والبني المرتبط بلون الأرض، والمعبّر عن الارتباط بطينها، وهو ما يعكس ـ حسبها ـ مقولة الرجوع إلى الأصل فضيلة .

وبالنسبة لحضور الطفل في هذه الأعمال ردت الفنانة بأن الأمومة قطعة من تركيبها الوجداني، والتي تعزّزت مع مجيء ابنها آدم الذي بدأت حياتها معه، بعدما شحنها بطاقة عجيبة. أما بالنسبة للزوج سعيد فشكرته على احترامه لموهبتها وتشجيعه لها حتى أثناء تعبها وهي حامل، كان يحثها على الرسم والإبداع، مؤكدة أنها هي وسعيد يد واحدة وتفكير واحد.

هادية هجرس خريجة مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة، ثم واصلت دراستها بمدرسة الفنون الجميلة بوهران تخصص ترميم، وكانت دفعتها هي الوحيدة إلى حد الآن حيث أغلقت هذه المادة.

وسعيد رحماني خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة في 2007 تخصص تصميم خطي، سبق له أن أقام عدة معارض عبر الوطن وفي عدة دول من العالم، منها تونس والنمسا ولندن وإسطنبول وروما وصربيا والسعودية. كما حاز على عدة جوائز هامة، وكذلك الحال بالنسبة للنصف الآخر.

 

مريم. ن