اعترفوا بالجهود المبذولة لترقية الصناعة التقليدية

حرفيون يبتكرون أساليب جديدة لمواجهة مشكل التسويق

حرفيون يبتكرون أساليب جديدة لمواجهة مشكل التسويق
  • القراءات: 7146
❊ رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

رغم المجهود الذي تبذله وزارة السياحة والصناعات التقليدية في سبيل النهوض بقطاع الصناعات التقليدية، من خلال إقرار سبل جديدة للتسويق تسمح للحرفين بالترويج لحرفهم، ومن ثمة إنعاش السياحة، كان آخرها دراسة إمكانية تزويد السفارات الجزائرية في الخارج بمنتجات الحرفيين، غير أنّ هذا المقترح يظل غير كاف لعدة أسباب، أهمها عدم إعطاء الفرصة لمشاركة كل الحرفيين وحصرها في بعض الفئات، حسبما كشف عنه عدد من الحرفيين تحدّثت إليهم «المساء»، بمناسبة مشاركتهم في فعاليات الصالون الدولي للصناعة التقليدية الذي اختتم مؤخرا بقصر المعارض.

أبدى عدد من الحرفيين الذين تحدثت إليهم «المساء»، ارتياحهم لكل المقترحات الجديدة التي تعمل وزارة السياحة والصناعات التقليدية على إقرارها من أجل دعم هذا القطاع، إلا أن التسويق كان ولا يزال  الإشكال الكبير الذي يهدد الصناعة التقليدية في الجزائر. لهذا، اتّجه عدد منهم إلى ابتكار طرق جديدة يجري الاعتماد عليها لبيع حرفهم، ورغم عدم رضاهم عنها، إلا أنها تعتبر ـ حسبهم ـ الحل الوحيد  بالنظر إلى قلة المعارض المحلية التي تقام على المستوى الوطني.

السعي وراء التسويق أوقعنا تحت رحمة التجار

البداية كانت مع الحرفي حريقي بومنجل، المختص في النحاس من ولاية قسنطينة، الذي يملك خبرة تزيد عن 42 سنة، اهتدى بعد أن واجه الكثير من الصعوبات فيما يخص تسويق الأواني النحاسية التي يصنعها، إلى التوجه نحو ربط علاقات مع تجار يقتنون منتجاته بالجملة، مشيرا إلى أن الصناعات النحاسية تعرف في السنوات الأخيرة انتعاشا رغم قلة المادة الأولية، وهو الأمر الذي تفطّن له بعض التجار الذين اتّجهوا إلى الاستثمار في مجال الصناعات النحاسية، من خلال الاستحواذ على الحرفيين. موضحا أنه أفنى حياته في صناعة النحاس، ولم تمنح له فرصة العرض خارج الوطن، الأمر الذي جعله يكتفي بالإنتاج بغرض البيع فقط.

أشار الحرفي صالح مكي، المختص في النقش على النحاس، الذي توارثه أبا عن جد، إلى أن التسويق ورغم أنه من أكبر الإشكالات التي يعانيها الحرفي، غير أنه تمكّن بعد أن صنع اسما له في السوق، من كسب ثقة بعض العائلات المعروفة في قسنطينة، التي تقدّس الصناعة النحاسية وتقتني منه بكميات كبيرة. بالمناسبة، يقول «عدم مشاركتنا كحرفيين معلمين في المعارض التي تقام خارج الوطن، تجعل حظوظ إنعاش السياحة بالاعتماد على الصناعة التقليدية قليلة، رغم الطلب الكبير علينا، حيث نتلقى الكثير من الطلبات لبيع المنتوج في كل من تونس والمغرب، غير أن القيود الجمركية تحول دون تمكيننا من تحمل أعباء التنقل والعرض والبيع». بالمناسبة، نطالب ـ يضيف ـ «بتسهيل الإجراءات ليتسنى لنا إجراء التبادل مع الدول الشقيقة، ولم لا عرض إبداعاتنا في دول أجنبية، خاصة أن كل ما نعده من صناعات يعكس تراثنا، وهو مطلوب بكثرة من السياح الأجانب بالنظر إلى جودته وإتقانه».

من جهته، يرى الحرفي صابر المختص هو الآخر في النحاس، أن التسويق بالنسبة للحرفي، لا ينبغي أن يتم ربطه بالمعارض، لأنها تظل غير كافية، الأمر الذي جعلنا يقول «نخضع لرحمة التجار الذين لا يعرفون قيمة هذه الحرف التراثية، وإنما ينظرون إليها على أساس أنها سلعة كغيرها». موضحا أن الحاجة هي التي تدفع بالحرفي إلى التعامل مع هؤلاء التجار، للتخلص من المنتوج والتفرغ للعمل، خاصة أنه يعتمد في دخله على ما يبيع، بالتالي لا يفكر في التوجه نحو إنعاش السياحة، لأن انشغاله يظل منحصرا في كيفية البيع للاسترزاق، مشيرا إلى أن الاقتراحات التي جاءت بها وزارة السياحة في مجال التسويق والترويج، تخدم كلها الحرفي وتدعمه، غير أن الفرصة لا تمنح لكل الحرفيين، الأمر الذي يجعل أغلبهم لا يستفيدون من هذه الامتيازات.

الصالون الدولي فرصتنا لربط العلاقات ومن ثمة التسويق

إذا كان حرفيو النحاس قد اهتدوا إلى الاستنجاد بالتجار لتسويق منتجاتهم، فإن حرفيي الزرابي التقليدية أيضا سعوا إلى التفكير في حيل جديدة تمكنهم من تسويق إنتاجهم، بالنظر إلى قلة المعارض الوطنية، وهو حال الحرفي مصطفى من ولاية غرداية، الذي قال في معرض حديثه بأن الحرفي لا يواجه أي إشكال في كل مراحل صناعة الزربية إلى غاية الوصول إلى التسويق، حيث نراهن ـ يضيف ـ «على الموعد السنوي الذي يضربه لنا المعرض الدولي للصناعة التقليدية، خاصة أن الزربية تستغرق وقتا طويلا لإنهائها، بالتالي يعتبر فرصتنا الكبيرة للتسويق»، مشيرا إلى أنه بعيدا عن المعارض، يتم الاعتماد على العلاقات الشخصية التي سبق للحرفي أن ربطها مع بعض الزبائن، من محبي الصناعات التقليدية، حيث نستغل ـ يقول ـ «فرصة المعارض لتوزيع أرقام الهواتف على الزبائن الذين يزورون المعرض ويعجبون بزربية غرداية، وإن حدث ورغبوا في الشراء، نتكفل بكل نفقات نقلها إلى صاحبها في أي مكان كان، المهم أن نتمكّن من ربح زبون وتسويق منتج».

نفس الانطباع لمسناه عند شكري بن عيسى، حرفي في النسيج من ولاية تلمسان، الذي  يعد رائدا في مجال الصناعات النسيجية. وحول التسويق، أشار إلى أن الوسيلة التي اعتمدها لتسويق إنتاجه، هو التعريف بصناعته التقليدية من خلال المشاركة في المعارض القليلة التي تتاح له فرصة العرض فيها، حيث لا يجري التركيز على البيع  بقدر التشهير لنوعية المنتج، وبهذه الطريقة، يقول «تمكنا من استقطاب بعض الزبائن الذين تحولوا إلى أوفياء يقتنون منتجاتنا»، مشيرا إلى أنّ التفكير في إنعاش السياحة عن طريق الصناعة التقليدية يظل مطلبا غير قائم، لأن الحرفي دائما يحمل انشغال التسويق، وعندما يجري التكفل بهذه المسألة، يتفرغ الحرفي للتفكير في كيفية ترقية صناعته وجعلها تساهم في إنعاش الفعل السياحي.

من جهتها، تربط الحرفية فضيلة مشري المختصة في النسيج من ولاية أم البواقي، تسويق إنتاجها بالمعرض الدولي للصناعات التقليدية وتقول «من المعروف أن الزرابي التقليدية تستغرق وقتا طويلا حتى يتم الانتهاء منها، الأمر الذي يدفعني إلى توجيه استثماري على ما يجود به زوار المعرض الدولي»، مشيرة في السياق إلى أنّه بعيدا عن المعرض، تعتمد على بعض الحيل للتسويق والممثلة في التقاط صور للزرابي والترويج لها، لأن الحرفي في الجزائر لا يملك مورد رزق آخر، بالتالي التفكير في تسويق المنتج يعتبر من الانشغالات التي لا يتوقّف عن التفكير فيها. بالمناسبة، تقترح الحرفية أن تتكفل الجهات المعنية بسوق إنتاج الزرابي ودعمها من خلال إنشاء مصانع تقليدية، خاصة أن اليد العاملة والمادة الأولية متوفرة، لأن الزرابي التقليدية تسير نحو الانقراض، بسبب هجر بعض الحرفيين لها.

الحلول المقترحة للتسويق غير مفعلة ميدانيا

رغم أن بعض الدول الشقيقة مثل تونس، رائدة في إنتاج الأواني الخشبية من أشجار الزيتون، غير أن الجزائر هي الأخرى تملك حرفيين امتهنوا حرفة صناعة الأواني الخشبية أبا عن جد، ولعل ذلك ما جعل هذه الحرفة تنتعش هو امتلاكها لأنواع مختلفة من الأخشاب  التي يجري تحويلها إلى أوان من النوعية الرفيعة، إلا أنه، حسب الحرفي ياسين صافي من ولاية سطيف، وبعيدا عن المعارض، يعتمد الحرفي على المجهود الشخصي للتسويق، الأمر الذي يؤثّر نوعا ما على إنتاجه، لأن المفروض أن الحرفي يتفرّغ للعمل، بينما يتكفّل آخرون بمهمة التسويق، إلا أن الحرفي في الجزائر هو الذي يبدع ويجمع المادة ويفكر في التسويق، الأمر الذي يجعل تفكيره منصبا في عمله ولا يتطلّع إلى تطوير حرفته، لجعلها موردا يساهم في إنعاش السياحة. أشار في السياق، إلى أن تكلفة العمل والترويج أرهقت الحرفي وجعلته يفكّر فقط في كيفية البيع للاسترزاق، موضحا أن بعض الحلول التي تم اقتراحها، على غرار العرض بالفنادق بهدف الترويج، تظل غير مفعّلة ميدانيا، لأن أصحاب الفنادق يفرضون بعض الشروط المجحفة التي لا تمكّن الحرفي من المشاركة في إنعاش السياحة، فمثلا يقول «يمنح صاحب الفندق للحرفي مكانا ضيقا ويطلب منه ترك بعض منتجاته فقط والمغادرة، كل هذا يجعله يستغني عن الفكرة.

هو نفس الانشغال الذي أكده الحرفي الخير مرابط، المختص هو الآخر في صناعة الأواني الخشبية، أشار في معرض حديثه إلى أن الحرفي اليوم لا يراهن على الاستثمار في مجال السياحة، وإنما انشغاله الوحيد هو التوجّه للبيع بغرض الاسترزاق، موضحا أنّ الحرفي اليوم موضوع تحت رحمة التجار الذين أدركوا قيمة هذه الإبداعات كتراث واستثمروا فيها، واقترح بالمناسبة أن يجري التفكير بصورة جديدة في إشكالية التسويق ليتفرّغ الحرفي للعمل.

رشيدة بلال