معرض دوادي نصر الدين برواق محمد راسم

شجون من وحي التأمل

شجون من وحي التأمل
  • القراءات: 790
مريم .ن  مريم .ن

تتواصل برواق محمد راسم فعاليات معرض الفنان التشكيلي نصر الدين داودي المثقل بتجربة سنين التكوين الأكاديمي الراقي والبحث المتواصل الذي يظهر جليا عبر مختلف الأعمال المعروضة ذات الشكل الفني المتقن والمضامين الاجتماعية والفنية المختلفة، فكل لوحة هي بمثابة كتاب مفتوح يتصفحه الزائر وهو يقلب في مخيلته عن صور مماثلة شهدها من راهن حياته.

تتجلى ملامح الحزن والشجن على مدار المعرض "أحلام هائمة" للفنان التشكيلي نصر الدين دوادي، إذ تتجسّد في كل لوحة بعض الآلام الإنسانية التي تنفجر من تقاسيم الوجوه ذات الخطوط المنكسرة المتمركزة على النواصي والأذقان، تسود المعرض حالة من السكون والهدوء المفرط وكأنّ ذلك مسطر له ومقصود من اللوحات التي لا ترحب بمن يزعج شخوصها الذين أنهكتهم أثقال الحياة وهمومها فراحت كل لوحة تعكس الهدوء الذي يوحي بالتأمل.

تشترك اللوحات في إحساس الشجن، لكنّها تختلف في المواضيع المعالجة منها من عالجت العلاقة بين الرجل والمرأة كزوجين يبدوان في حالة غربة (آدم وحواء) في فضاء موحش تفتقد فيه العواطف وغيب فيه التواصل والحوار، كما يظهر اعتماد الفنان على الأسلوب نصف التشخيصي من لوحة إلى أخرى تزدحم فيها المعاني.

بينما تعكس لوحات تجريدية أخرى مزاج الفنان وأحاسيسه الدفينة التي هي جزء من أحاسيس مجتمعه الجزائري.

من اللوحات أيضا لوحة "الذبابة" تظهر فيها هذه الحشرة تحط على الألوان لعلها في ذلك تحاكي النحلة التي لا تحط إلا على كل جميل ولذيذ.

بالمقابل، يظهر بورتريه "الطفلة" هادئا تتجه ملامحه نحو مستقبل أفضل، وتظهر السيدة العاصمية الراقية كجزء من ماض جميل تجمع في لباسها الأزرق كل ذكريات القصبة.

هناك أيضا اللوحات المتسلسلة منها لوحة أخرى تزدحم فيها الألوان تحمل عنوان "الهيئة الأنثوية" وهي لوحة مركبة من ثلاثة أجزاء تقف فيها النساء والفتيات من أعمار مختلفة بعضهن يبتسمن باحتشام، ترتدين ما يشبه فوطة الحمام أي أنهن في مكان أنثوي حميمي ومعهن الأم التي تصر على حمل ابنها على ظهرها.

لوحة بدون عنوان يتفجّر فيها اللون البرتقالي ويتجسد بداخله كيس كبير يشبه الجوف أو الرحم به قطع كأنها الدرر باللون الفيروزي المرتبط دوما بالأحجار الكريمة كدلالة على الغنى الموجود بداخل الإنسان ينتظر من يخرجه أو من يستثمره وكدلالة أخرى على الذاكرة التي هي جزء من داخلنا.

يتكرر الأسلوب "نصف تشخيصي" الذي يصوّّر الشخوص المختلفة التي تسكن هذه اللوحات المتتالية في أحجام متوسطة وأخرى كبيرة بألوان مائية وزيتية وهكذا تحضر الألوان الداكنة والشاحبة والإضاءة الخافتة أو الضبابية لتعكس رؤية الفنان وقناعاته.

في لوحة "توأم" يتضح الأسلوب التجريدي، حيث يظهر وجهان متقابلان حزينان في دوامة واحدة مغلقة تعشش فيها النباتات والمخلوقات الغريبة.

تتوالى اللوحات منها "الصرخة" التي تصدر منها الذبذبات والتموجات الأنثوية المنبعثة من الشعر المجنون، وفيها يمتد البحر إلى أفق السماء.. أما لوحة "الراقص" فتصور رقصة الدراويش الصوفية ليدخل صاحبها في ملكوت آخر يشع نورا.

من قضايا الراهن العربي المرّ، يقف الفنان عند أزمة اللاجئين السوريين الذين يملأهم البؤس وتختفي ملامح وجوههم كدليل على كثرتهم إذ الأمر يتعدى مجموعة إلى شعب بأكمله، وتظهر الأم تلف بذراعيها الواهنتين رضيعها في أفق مظلم لا شمس له. لوحة أخرى لا تقل بؤسا متعلقة بـ«الأرملة" التي تهوم بعيالها وتحمل أصغرهم على كاهلها المثقل.

هناك أيضا لوحة "الطفل الشهيد" بين كفي أمه وإخوته الصغار المتألمون في صمت.

جلبت لوحة "القلب" الكبيرة بوسط المعرض الاهتمام، حيث يظهر فيها ما بداخل هذا العضو العجيب من مشاعر ولفائف محشوة وعوالم لا نهاية لها.

من جهة أخرى، وظف الفنان التراث في لوحة "العرسان" من منطقة الشاوية، حيث تظهر الزرابي واللباس المزركش.

من بين اللوحات التي جلبت الجمهور لوحة "الأمومة" التي تفيض منها المشاعر لتحيط بكل شيء ، وكذلك لوحة "نشوة" ذات الايحاءات الجنسية التي تتجسد في الحصان المندفع.

«الترقية" سيدة حالمة تتمسك بتراثها البارز في الحلي واللباس، كذلك "العازف" المولع بالأنغام التي تتداخل مع جسمه الطيار.. أما لوحتي "شفاف" و«وحدة" و«ندى" فتعكس التعدي على حقوق المرأة ككائن يحلم بالحرية ، لتأتي "عازفة الباليه" وتضرب مجتمعها القاسي بعرض الحائط وتنطلق نحو آفاق رحبة من الكون.

كان للطبيعة حضور خاص خاصة البحر الذي أوحى منظره وكأنه يتدفق من نافذة الغرفة. للتذكير، فإنّ الفنان من مواليد العاصمة سنة 1957، التحق بمدرسة الفنون الجميلة سنة 1975 ليتحصل على شهادة التخرج سنة 1979 ليواصل دراسته بمعهد الفنون الجميلة بموسكو، وفي 1986 أصبح أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بباتنة، وقد قدّم العديد من المعارض من سنة 1978 إلى غاية اليوم.

 

مريم .ن