لعشاق السياحة التاريخية

كابا دوكيا ٠٠٠عنوان للعراقة

كابا دوكيا ٠٠٠عنوان للعراقة
  • القراءات: 1069
❊ نور الهدى بوطيبة ❊ نور الهدى بوطيبة

نظمت مؤخرا، الخطوط التركية للطيران، رحلة استكشافية لعدد من الصحفيين الجزائريين إلى مدينة "كبادوكيا" التركية التاريخية، التي تقع في ولاية "نوشهر" وسط هضبة الأناضول التركية، التي تعد عنوانا يختصر عراقة هذا البلد السياحي، ويعكس قدمها في التاريخ الإنساني، بمعالمها التاريخية التي تعد وجهة مثالية لمحبي استكشاف تاريخ الشعوب التي استوطنت تلك الأراضي قبل آلاف السنين.

رحلة تختلف عن باقي الرحلات الأخرى، بميزة جعلتها من أكثر الوجهات سحرا وتألقا، هي مزيج بين الأصالة والتحضر لسكانها الذين أبوا في نفس الوقت تغيير ما عاشته شعوب تلك المنطقة سابقا بجمالها، ترسم لوحات فنية في غاية الروعة، استوطن ولا يزال يستوطن العديد من سكان تلك المدينة الجبال على طبيعتها، حتى أن الطابع المعماري في المدينة استلهم من الطبيعة فنونها وإبداعها، وجعل من تصاميم البيوت والفنادق تأخذ هي الأخرى طابع الجبل المنحوت، ليكون ذلك الشعب من الشعوب التي اتخذت من الجبال مسكنا لها، تعايشت في أحضان الطبيعة بكل ما قدمته لهم، كأن الطبيعة هي التي تأقلمت مع الإنسان وليس العكس.

رحلة بدأت مع المرشد السياحي ارهان، من مواليد منطقة غوريم، تلك المنطقة التي تعد تاريخية بامتياز، لمسنا خلال تجوالنا نوعا آخر من السياحة، ليس تلك الاستجمامية كما يمكن ملاحظتها في أنطاليا أو إزمير، وإنما أكثر تشابها مع منطقة اسطنبول بفضل تاريخيها العريق، لكن بدورها أيضا لها ميزة تجعلها تختلف عن تحضر اسطنبول بعدما أصبحت مدينة كبيرة وحديثة، حيث بقيت مدينة غوريم بكبادوكيا تحافظ على نفس الطابع الذي كانت عليه قبل سنين عديدة، مما يجعل عشاق التاريخ يتحمسون لاكتشاف هذه المنطقة الجبلية الرائعة.

منطقة غوريم حيث يلتقي السحر والجمال

تقع مدينة غوريم التاريخية في وادي كبادوكيا في محافظة نوشهر التركية، يبلغ عدد سكانها حاليا حوالي 2000 نسمة، وهي موقع مصنف في لائحة التُراث العالمي منذ سنة 1985.

لم يتمكن التاريخ من تحديد فترة استواطان تلك المنطقة بالتحديد، لكن أرجحها المؤرخون خلال عهد الحيثيين بين عامي 1800 و1200 قبل الميلاد، وشهدت غوريم إمبراطوريات مُتنازعة كثرت بينها الحروب، مثل الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية اليونانية والبيزنطيين والأتراك في القرن الحادي عشر، مما دفع الناس إلى اللجوء إلى حفر الملاجئ والأنفاق وسط الجبال المُحيطة للهروب والاختباء من العدو، وخلال العهد الروماني أصبحت المنطقة ملاذا للمسيحيين الهاربين، وهذا واضح من خلال عدد الكنائس المحفورة في الصخر، والتي مازالت أطلالها قائمة حتى الآن، من أهم تلك الكنائس التي لا تزال ترسم مناظر تلك المنطقة؛  كنيسة توكلي الفخمة وكنيسة التفاحة، إلى جانب بيوت آثارية منحوتة في الصخر وأبراج الحمام.

تكونت الجبال الصخرية التي رسمت ديكور المنطقة انطلاقا من ثلاثة جبال بركانية هي؛ ارجيس ليس بالبعيد عن مطار قيصري بكبادوكيا، طوله 3916 مترا، وهي أكبر الجبال بها، إلى جانب الموراسان والموملانديس بغرب المنطقة، طولها 3200 متر و2900 متر على التوالي.

قبل 10 ملايين سنة، بعثت منها حمم وماغما جعلتها تكون 10 ملايين كيلومتر مربع من حدود تلك الجبال، لتكون بذلك جبالا تبدو للناظر إليها كأنها جبال منحوتة لروعتها، وهي من إبداع الخالق.

تمكن الإنسان بعد سنوات عديدة من هدوء البراكين، من حفر تلك الصخور التي كانت تتكون من طبقات مختلفة، منها سهلة الحفر وأخرى صلبة، تم تكوين خلالها أبواب ونوافذ جعلت الإنسان يسكن وسطها وجعلها مسكنا تتوفر فيه ظروف العيش، أقلمها حينها الإنسان لتتوافق والطبيعة التي يعيش فيها.

من أهم الحضارات التي مرت من تلك المنطقة؛ البيزنطيين الذين استوطنوا المدينة منذ القرن الرابع إلى غاية القرن الحادي عشر، وهم من نشروا حينها الديانة المسيحية، وبنوا من أجل ذلك العديد من الكنائس، أو بالأحرى حفروا تلك الجبال وجعلوا منها معابد لهم، كانت دائما أماكن إستراتيجية بعيدة عن مداخل المدينة للاختباء من الفرس والعرب.

تشمل اليوم المنطقة أكثر من 500 كنيسة، وهذا يعكس مدى استوطان تلك المنطقة من المسيحيين ولم يبق منهم اليوم في المنطقة إلا التاريخ والمعابد المهجورة، التي بقيت تشهد على مرور حضارات وصنفت ضمن محميات التراث العالمي، إذ أنه في سنة 1924، تم استبدال المواطنين بين الأتراك واليونانيين، وكل المسيح الذين كانوا يتواجدون بهذه المنطقة ذهبوا إلى  اليونان وبلغاريا، وما تبقى منهم في تركيا يعيشون في المدن الكبرى كإزمير وأنطاليا واسطنبول ولا يمثلون إلا 1 بالمائة من سكان تركيا.

نور الهدى بوطيبة