الروائي أنور بن مالك لـ«المساء»:

الكاتب لا يكتب كي يحصل على تكريم

الكاتب لا يكتب كي يحصل على تكريم
  • القراءات: 845
لطيفة داريب لطيفة داريب

حينما تخصص حياتك للكتابة لأنها جزء من كيانك، لا يمكن أن تفتقدها ولو لهنيهة، وهذا هو حال الكاتب الجزائري أنور بن مالك الذي يكتب حاليا روايته الجديدة، وفي هذا التقت «المساء» به وسألته عن هذا الجنين وكذا رؤيته للعديد من الأمور المتعلقة بالأدب الجزائري، فكان هذا الموضوع.

لطيفة داريب

جلستنا مع الكاتب أنور بن مالك أقل ما يقال عنها إنها ممتعة، كيف لا وهو الذي فتح لنا باب قلبه الذي يدق بحب الكتابة ووجعها أيضا، فقال إنه يكتب منذ عام ونصف العام روايته الجديدة التي قد ترى النور بعد مرور عام ونصف عام آخر. مضيفا أن الأحداث التي مست وما زالت العالم العربي، دفعت به دفعا إلى أن يكتب عنها في عمله الجديد، خاصة وضع سوريا والعراق، الذي قال بأنه مؤلم جدا.

لينتقل إلى مسألة حساسة تتمثل في اختيار نهاية القصة.. نعم هل يقرر كيف تكون نهاية عمله قبل أن يصل إلى «الخاتمة»؟ أم أنه يجهلها مثل القارئ تماما حينما يطالع الرواية؟ ويجيب بأنه لا يدرك كيف تكون نهاية عمله، بل يتخوف منها لجهله لها. ويتساءل في كل مرة «كيف ستكون نهاية روايته؟ هل ستكون منطقية؟ أم أنها واضحة جدا إلى درجة تصيب القارئ بالملل؟ أم..؟ أم..»؟.

وفي هذا السياق، عاد بن مالك إلى تجربة حدثت له حينما نشط ناديا للقراءة حول رواية له لم تكن قد رأت النور بعد، فاندهش لانقسام الجمهور حول مصير طفل في الرواية ولم يجد أيا كان الحاجة لسؤاله، مشيرا إلى أن القارئ لا يهتم برأي الكاتب حينما يصدر عمله، وهو على حق في ذلك.

أما عن اختياره لأحداث مأساوية في رواياته، قال المتحدث بأن الوجه البشع للحياة يفرض عليه ذلك، مضيفا أنه حينما تنتمي إلى بلد عاش فترات صعبة وعنيفة مثل العشرية السوداء، لا يمكن أن لا تتأثر كتاباتك بها أيضا، ما يحدث حاليا في العراق وسوريا وليبيا يزيد من الجرح جراحا، ويقول «صحيح أن العراق استعادت مدنها من الجماعات الإرهابية وهدأت الأمور نسبيا في سوريا، لكن لا أحد يعرف كيف ستكون نهاية كل هذه الأحداث الأليمة، والخوف أن تنتهي هذه الصراعات بحروب أهلية».

وأشار صاحب رواية «العاشقان المنفصلان» إلى رغبته في كتابة النهايات السعيدة، لأنه حينما يشاهد فيلما ما، يود أن تكون نهايته سعيدة، مع حاجته في تأليف كتب هادئة لكنه لم يحقق ذلك. في المقابل، أوضح في رده على سؤال «المساء» حول موقفه وتعامله مع هذه الأحداث الأليمة التي يسردها في نصوصه، فهل يغوص فيها غوصا، أم أنه يضع بينه وبينها حاجزا حتى لا تؤثر على حياته؟ أجاب الكاتب أنه يمارس الأسلوبين معا، فمن جهة، يفكّر في روايته إلى حين الانتهاء منها ولو كلفه ذلك سنوات، وهو ما حدث له، فمثلا حينما كتب رواية «الاختطاف»، كان يفكر في مصير الطفلة المختطفة كأنها فرد من العائلة. وفي نفس الوقت، هو منفصل عنها، فلا يمكن أن يعيش متشائما، منفعلا في حياته اليومية، بل في العادة يُسأل دائما عن سبب كونه مبتسما بينما يكتب أشياء رهيبة، ليضيف أنه استطاع تحقيق التوازن بين هذين الأمرين.

هل يمكن أن نحلم في الجزائر ونحقق أهدافنا؟ يجيب أنور بن مالك أن هذا الأمر يمكن حدوثه في أية دولة كانت، مهما كان سوء وضعها، مضيفا أن الجزائر لا تعيش واقعا رهيبا مثل الذي يحدث في بعض الدول العربية، إذ يوجد جزائريون رائعون يقومون بأشياء رائعة.

في إطار آخر، اعتبر المتحدث أن الفائز بجائزة أدبية مثل الحائز على التذكرة الرابحة للرهان الرياضي، فليس الأكثر ذكاء بل الأكثر حظا، ومع ذلك يهنئ كل فائز خاصة إذا ظفر بالجائزة عن صدق، مضيفا أن الكاتب لا يكتب كي يحصل على تكريم، بل يكتب لأنه خصص حياته للكتابة، وهذا الأمر مهم بالنسبة له، كما أنه وسيلة للتعبير وغيرها.

لكن يتهم الحاصل على جائزة أدبية خاصة الغربية منها والمشرقية، بأنه إما يكتب بطلب أم أنه باع ضميره، فيرد  بن مالك أن هذا الكلام قد يقال بدافع الغيرة. مضيفا أنه من المؤسف أن يكتب رشيد بوجدرة، مثلا، كتابا يشتم فيه، فهذا خسارة كبيرة أن يخصص وقتا لكره الناس والحديث عنهم بسوء، في حين كان بإمكانه أن يكتب كتابا يعجب قراءه، وتساءل بن مالك «هل الجائزة هي التي تحدد قيمة الكاتب؟ أبدا، فأراغون لم يتحصل على أية جائزة، رغم أنه أكبر شاعر في فرنسا. نعم، «هناك كُتاب كبار لم يتحصلوا على شيء ومؤلفون بمستوى ركيك، نالوا جوائز»، مشيرا إلى أن المجتمع العربي ليس لديه مفهوم المكافأة، حيث يلبسها رداء سياسيا.

في إطار آخر، اعتبر بن مالك أن مشاركة كتاب شباب بكثرة في الصالون الدولي للكتاب أمر مستحب، رافضا كل أنواع الرقابة. مضيفا أننا عشنا فترة طويلة من الرقابة، وماذا كانت النتيجة؟ أدب غير مهم وغير مقروء، ليطالب بترك الشباب يكتبون كما شاءوا والمستقبل للأقدر، وأردف قائلا؛ «ليس لدينا الكثير من الكُتاب، فلنتركهم يكتبون».

لكن لماذا تقل، أو حتى لا نقول، ينعدم التضامن بين الكتاب الجزائريين، رغم قلتهم؟، فيرد محدث «المساء» إنه لا يمكن أن يكون هناك تضامن بين الكُتاب، لأن كل كاتب يعتقد أنه مركز العالم. كما يتميز بتضخيم للأنا، وهو ما اعتبره صاحب رواية «الاختطاف»، ضرورة لا مناص منها، لأنه لا يمكن أن يتواضع الكاتب وهو يمارس الكتابة لفترات طويلة، في حين كان من الممكن أن يستمتع بحياته، فهو يواجه خطر أن يكتب أشياء قد لا تقرأ من أحد، لهذا تحول اتحاد الكتاب الجزائريين إلى قوقعة.

هل للجزائر نصيب من الرواية الجديدة لأنور بن مالك؟  يرد المعني أنه كلما كتب مؤلفا إلا والجزائر فيه، وهذا أمر لا يعود إليه، بل يفرض نفسه. أما عنوان العمل فلم يختره بعد وسيكون خاتمة جهوده. مشيرا إلى أن انتقاء العنوان أمر متعب حقا، فكيف تختصر كلمات أحداث سودت صفحات كثيرة؟ كما أضاف أنه في كل عمل جديد يحاول أن يكتب بأسلوب أدبي مغاير.

وعن قدرة تحكمه في أحداث الرواية من عدمها، قال بأنه سبق له أن تدخل في وقائع روايته المعنونة بـ»الاختطاف»، حيث أقسم على أن لا تموت الطفلة المختطفة كيفما كان الأمر، فكان بإمكانه التضحية بأية شخصية من شخصيات روايته، إلا الطفلة. وحينما يصل إلى نهاية عمله، فهذا يعني أنه شعر بخاتمة ما يكتبه، فهو لا يتسرع أبدا حتى ولو بلغه التعب أو لنقل الملل، وفي هذا يقول؛ «في روايتي الأخيرة «ابن شؤول»، اعتقدت أنني أنهيتها فقدمتها لدار نشر وهناك قدُمت لي ملاحظة أن بعض مقاطع الرواية كتبت بطريقة تعليمية، فما كان علي إلا أن أعدت كتابة الجزء الوسط من الرواية وكلفني ذلك ستة أشهر إضافية من العمل، والسبب أنني شعرت بأن هناك شيئا ليس على ما يرام في عملي هذا، بل إنني كنت أعلم أن هذا الجزء من الرواية لم أكتبه بالشكل المطلوب، لهذا يجب أن يكون الكاتب صادقا مع نفسه، لأنه الحكم الرئيسي على عمله، فليس من المهم أن يكون كتابك جيدا، بل من الضروري أن تكتبه بشكل أفضل ما يكون، وأي نقص في الكتاب  سيعود على الكاتب لا محالة».