هيئة المحامين البلجيكيين المناهضين للاستعمار:

الانتصار النهائي في اتفاقيات إيفيان كان بفضل الجزائريين أنفسهم

الانتصار النهائي في اتفاقيات إيفيان كان بفضل الجزائريين أنفسهم
  • القراءات: 997
م. خ /واج م. خ /واج

أكد الأستاذ سارج مورو، مسؤول هيئة المحامين البلجيكيين المناهضين للاستعمار، أن «الانتصار النهائي في اتفاقيات إيفيان كان بفضل الجزائريين أنفسهم وليس بفضل البلجيكيين أو الفرنسيين المنخرطين في هيئات الدفاع أو شبكات الدعم»، مؤكدا أن «التنظيم الفعال الذي وضعه، بإحكام وإتقان كبيرين، الشعب الجزائري بأسره، قد سمح للجزائريين باستعادة كرامتهم المسلوبة».

وقال الأستاذ مورو، الذي تكفلت هيئته بالدفاع عن العديد من المناضلين الوطنيين الجزائريين في بلجيكا وفي فرنسا إبان حرب التحرير 1954، إن العمل الذي قام بها المحامون البلجيكيون لم يكن إلا محاولة «لإبراز ذكاء وشعور شعب فرضت عليه العبودية».

وأشار المحامي إلى أن البلجيكيين كانوا من بين البعض الذين اعترفوا في الوقت المناسب بصوت العدالة وتجسيدها ثم العمل كمناضلين «من خلال التقيد الحرفي بتوجيهات الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أو فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.

وتابع معلقا «كان لنا حظ الإصغاء لأصوات المقهورين والتوقف عن الإصغاء للخطابات الرنانة حول الحضارة الغربية»، قبل أن يضيف في هذا الصدد «لقد كان هناك القليل من الذين استطاعوا في الفترة الممتدة بين 1954 و1962 أن يتجرأوا على تبني هذا الخطاب والعمل بمقتضاه، من خلال العمل تحت تصرف فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا التي تعد رأس حربة ثورة التحرير في أوروبا.

كما أكد أنهم «سواء كانوا محامين أو حاملي حقائب وحاملي أمل أو مكلفين باجتياز الحدود أو مناضلين في لجان المساعدة أو من أجل السلام ورغم قلتهم إلا أن نشاطهم كان حاسما وفعالا».

وقد نجحت مجموعة المحامين البلجيكيين التي كانت تضم في تلك الفترة كلا من سارج مورو كمسؤول عن المجموعة ومارك دوكوك وسيسيل دراب وأندري مارشي، في إنقاذ كل من رابح واكلي والطاهر زاوش وارزقي عبدي ومحمد عرباوي من الإعدام بالمقصلة.

كما تمكن المحامون البلجيكيون من إنقاذ ومساعدة المحكومين بالإعدام بـ«دواي» ـ شمال فرنسا ـ ويشير سارج مورو في هذا الصدد إلى العقيد أحمد بن الشريف ومناضلين آخرين ومسؤولين في فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا من بينهم رحموني واينوز أو سكالي.

وذكر الحقوقي البلجيكي في هذا الخصوص بشن السجناء الجزائريين لإضراب عام عن الطعام في نوفمبر 1961 على مستوى جميع السجون وفي ذات اليوم والتوقيت ضد مشروع تقسيم الجزائر الذي أطلقه «احد رجال ديغول» الوزير بيريفيت. وأضاف أن «هذا القرار تم اتخاذه ببروكسل وتم تعميمه مباشرة على جميع السجون».   

كانت حرب التحرير التي قادها الشعب الجزائري بالنسبة لهذا المحامي  المناهض للاستعمار «انتفاضة شعب تم احتقاره وحرمانه من المساواة والأخوة»، كما أكد أن «الأمر لم يكن في شيء تمردا غير منطقي ضد الحداثة والحضارة أو نتيجة مؤامرة دولية تتحكم في مجموعة من السذج من الخارج»، مشيرا إلى أن «النظام الاستعماري الذي استغل واستعبد شعب بمقتضى أوهام الغرب العنصرية ولامبالاة الأقدام السوداء أمام مطالب المساواة التي نادى بها الشعب الجزائري هي الأسباب الرئيسية لهذه الثورة».

مناضلون بلجيكيون قدموا يد العون للثورة التحريرية بالحديث عن التضامن البلجيكي مع الثورة التحريرية، تجدر الإشارة إلى أنه تأسست في بلجيكا إبان حرب التحرير الجزائرية حركة تضامنية مع الجزائريين الذين كانوا يكافحون من أجل الاستقلال والحرية بمبادرة من مواطنين بلجيكيين، كانوا يشاطرون نفس القناعات المعنوية والسياسية مع المناضلين الجزائريين، غير أن جل أعمالهم التضامنية تبقى غير معروفة إلى  يومنا هذا. 

وتجند العديد من المناضلين البلجيكيين المناهضين للاستعمار خلال هذه الحرب الشرسة إلى جانب الجزائريين، وقدموا لهم يد العون في كل المجالات سواء كانت سياسية أو إعلامية أو إنسانية وحتى الطبية والقضائية.

وقدم هؤلاء المناضلون (البلجيكيون) طيلة حرب التحرير المساعدة لجبهة التحرير الوطني في نقل الوثائق وتوزيعها وفي تسليم الاشتراكات بل والأسلحة أيضا.

علاوة على ذلك، ساعد البلجيكيون المئات من المناضلين الجزائريين الذين كانوا محل بحث ومتابعة من طرف فرنسا الاستعمارية على اجتياز الحدود وإيجاد مأوى لهم ببلجيكا، كما تكفلوا بالدفاع عن المعتقلين أمام المحاكم الفرنسية والبلجيكية.

في هذا الصدد، كتبت الصحفية البلجيكية كوليت براكمان في دفترها تحت عنوان «جبهة الشمال: بلجيكيون في حرب الجزائر» تقول «في فرنسا يعتبر المجاهدون الجزائريون إرهابا وهم معرضون للإعدام بالمقصلة و في بلجيكا هم عرضة للتبليغ، حيث أن التعاون جيد بين شرطتي البلدين»

وإذا كان المناضلون الفرنسيون من أجل القضية الجزائرية قد أنشأوا «شبكة جونسون» لدعم جبهة التحرير الوطني فإن البلجيكيين أنشأوا «اللجنة من أجل السلم في الجزائر» بالإضافة إلى هيئة دفاع تضم عدة محامين. 

فعندما تم تفكيك الشبكة الفرنسية «لحاملي الحقائب» في فبراير1960 استلم البلجيكيون المشعل وأنشأوا شبكات أخرى لإجلاء المعتقلين الجزائريين. وأوضحت الصحفية كوليت براكمان أن مناضلين بلجيكيين أمثال الزوج جكماين ولويس وإيريني من قدامى المقاومين البلجيكيين (ضد الاحتلال الألماني) قد فتحوا أبوابهم واقترحوا الإيواء على الطلبة أعضاء الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في مدينة أوكل (منطقة بروكسل)، موضحة أن «المئات من المسؤولين والمناضلين الجزائريين وأعضاء شبكة الدعم الفرنسية تم استقبالهم سريا ونقلهم  إلى خارج الحدود البلجيكية». وأضاف أن «الكاتب الجزائري كاتب ياسين تم إيواؤه سريا عدة مرات بمدينة أوكل».

من جهتها، تتذكر السيدة هانريات مورو، زوجة سيرج مورو مسؤول هيئة محامي جبهة التحرير الوطني، أن زوجها وهي كانا يستقبلان دوما مناضلين جزائريين في شقتهم بالعاصمة بروكسل. 

وكانت السيدة سوزي روزيندور، المنخرطة في النضال السري مع المناضلين الجزائريين مكلفة بنقل أرشيف جبهة التحرير الوطني من بلد لآخر، مشيرة إلى أنها كادت أن تتعرض يوما إلى الاعتقال بالحدود الألمانية وهي تنقل وثائق لجبهة التحرير الوطني من بلجيكا إلى كولونيا (ألمانيا) أنها كانت «على علاقة مباشرة مع مسؤولي فيديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا خاصة مع عمار بوداود».  وتقول هذه المناضلة إن أكبر فخر لها هو مشاركتها في تنظيم استفتاء تقرير المصير يوم 1جويلية 1962 بمدينة شارلوروا (بلجيكا)

من جهة أخرى تروي السيدة آن شوتو سمراوان، زوجة مسؤول شبكة جونسون ببلجيكا الراحل لوك آكسل سومرهاوسن أن هذا الأخير كان كتوما جدا إذ لم يكن يتحدث مطلقا عن أعماله التضامنية مع الشعب الجزائري الذي كان يكافح من أجل استقلاله.

وتقول السيدة سومرهاوسن «كان زوجي مناهضا للاستعمار عن قناعة وناضل من أجل استقلال الجزائر لأنه كان يؤمن بعدالة قضية الشعب الجزائري»، مؤكدة أن الراحل كان له استعداد طبيعي لخوض معركة كهذه بحيث قالت «كان ذلك تلقائيا عنده لأن عائلته كانت متفتحة على مثل هذه النضالات»، مضيفة أن «والده يعيره سيارته لنقل المناضلين والنشطاء الجزائريين».  وكان الراحل جاك ناجل قد أكد في شهادة له خلال ندوة من تنظيم «جمعية الصداقات الجزائرية البلجيكية» في 2012 (الفيديو متوفر على اليوتيوب) أن قصف قرية ساقية سيدي يوسف التونسية الواقعة على الحدود مع الجزائر من طرف الطيران الفرنسي في فبراير 1958 وكتاب «السؤال» لهنري علاق الذي أدان فيه تعذيب الجزائريين خلال 

حرب الجزائر «كان وراء اكتشافه لخطورة الوضع مما جعله ينخرط إلى صفوف الوطنيين الجزائريين. 

وتم اعتقال جاك ناجل بالحدود الفرنسية والحكم عليه بخمس سنوات سجن وهو في مهمة نقل نسخ من «بيان الـ121» إلى فرنسا وهو نداء من أجل استقلال الجزائر وقعه العديد من المثقفين الفرنسيين أمثال جون بول سارتر وسيمون بوفوار.