أيقونة الأغنية الشاوية الأصيلة

قدور اليابوسي.. عملاق «الدمام»

قدور اليابوسي.. عملاق «الدمام»
  • القراءات: 2388
ع.ز ع.ز

هو عبد القادر بورزازم المكنى بـ»قدور إسكوم»، نسبة للقرية التي ولد وتربى فيها، والتابعة لبلدية يابوس، حوالي 50 كلم شمال غرب مدينة خنشلة، أحد أعمدة اللون الفني الأوراسي «الدمام» أشهر الطبوع الأوراسية إلى اليوم، لأنّه ببساطة الغناء الذي يعبر عن الذات الأوراسية ومعاناتها، ويحكي للأجيال قصة عشق الهوية الأمازيغية. عاش قدور في طفولته حياة ريفية صعبة، فكان مصدر رزقه الوحيد رعي ماشية أهل قريته، فحرم كالعديد من أقرانه من أبناء المناطق الريفية الجبلية من مزاولة الدراسة، وعاش بحكم رعيه للغنم مرتحلا صيفا وشتاء يبحث عن العلف والماء والجو الدافئ لماشيته.

بينما كان قدور وحده في الفلاة والسكينة، بحث لنفسه عن لحن موسيقي يعبّر به عن ذاته ومعاناته، حيث كان يردّد أغاني الأجداد، ويحاول من حين لآخر أن يشتكي حاله بوصفها من خلال لحن موسيقي معين، وباعتبار والده من الأعضاء المؤسسين لفرقة «نجوم الأوراس» للرحابة يابوس، فقد تمكّن قدور أسكوم من حفظ كلّ الأغاني والقصائد الشعبية، خاصة ما تعلّق منها بروائع الرحابة التي كانت تغنى أغلبها على إيقاع الأرجل أو ما يسمى بـ «ارداست أوذرار»، دون استعمال آلة البندير، مثلما هو عليه الحال حاليا في الأغنية الأوراسية.

قدور صنع لنفسه اسما متميزا في أداء أغنية الدمام وعمره لا يتجاوز 17 سنة، حتى أنه انفرد بهذا النوع الغنائي الأصيل بمنطقة الأوراس، وأصبح معروفا عند أبناء المنطقة حاله حال عمالقة الأغنية الأوراسية كعيسى الجرموني وعلي الخنشلي، على اعتبار أنهما وغيرهما لم يؤدوا أغاني هذا النوع الفني الذي كان فنا جبليا أصيلا بامتياز، ليحدث قدور اليابوسي طفرة أو بالأحرى نقلة نوعية، باستحداث لون فني جديد استهوى الكثير من أبناء خنشلة خصوصا، ومنطقة الأوراس عموما. فكان الدمام بمثابة حدث فني وثقافي كبير لدى سكان الأوراس، ومنذ ذلك الوقت انطلقت مسيرة قدور أسكوم، وأضحى حديث العام والخاص فارتبط اسمه بالدمام وأصبح مطلوبا بقوة في أفراح ومناسبات الشاوية في الأوراس الكبير، على اعتبار الأعراس أهم المناسبات التي سمحت لأغلب الفنانين بالظهور إلى الوجود واستعراض وتطوير مهاراتهم الغنائية تلبية لأذواق متتبعي الفن الشاوي الأوراسي.

1976 عام الانطلاقة نحو النجومية

لخّصت أغنية الدمام حياة قدور أسكوم الذي كان يبحث في بدايته الفنية عن عازف على آلة القصبة، ليكون معه الثنائي المنشود ويأخذ طابع النجومية بدمج الأغنية المشهورة الدمام بكلماتها ولحنها المميز مع الموسيقى، ووقع الاختيار على العازف عبروز ليكون رفيق دربه في الساحة الفنية، فانطلق نحو منطقة التلاغمة بولاية قالمة، ليسجل أول شريط عام 1977 يتكون من 6 أغاني، من بينها الدمام، عياش، والأغنية الثورية «انتش ابلسيغ»، وللتعريف بمسقط رأسه، اختار قدور كنية اليابوسي بدل أسكوم في أوّل ظهور له، مع تسجيل أول شريط غنائي جعله أكثر شهرة وحقّق مبيعات كبيرة وفتح له باب المشاركة في المهرجانات الجهوية والوطنية، وانتقل إلى النشاط الرسمي بتأسيسه لجمعية ثقافية وضمّ معه العازف الحاج زريبة كاسم فني معروف في الساحة الفنية.

«الدمام» بصبغة وطنية

بعد تأسيس الجمعية الثقافية يابوس للتراث والفولكلور برئاسة قدور اليابوسي، تلقت الجمعية لأول مرة دعوة للمشاركة في مهرجان الأغنية الجزائرية عام 1979، ليلبي الفنان قدور اليابوسي رفقة الفنان الكبير المرحوم الهادي بهلولي والعازفين عبروز والحاج زريبة، النداء لتمثيل الأغنية الأوراسية الفلكلورية، وكان الاتفاق مع القائمين على المهرجان على إحياء ليلة واحدة فقط، بهدف منح الفرصة لمرور ومشاركة ممثلي الطبوع الأخرى في إحياء ليالي المهرجان.

ولأن قدور كان يريد أن يتميّز كعادته، طلب من القائمين على المهرجان فسح مجال الحركة له والتنقل على منصة الحفل دون مكبّر للصوت، فكان له ما أراد، وبعد أداء فرقته لعدد من الأغاني الأوراسية الشاوية الأصيلة، استطاعت أن تخطف الأضواء ويقف الجمهور ليصفّق مطوّلا على أداء الفرقة التي تفاعلت معها الجماهير الحاضرة، راقصة تارة على وقع أهازيج القصبة والبندير، ومتأثرة تارة أخرى بألحان الدمام وعياش وغيرهما، ليفتح قدور اليابوسي باب النجومية له ولأغنية الدمام على مصراعيها بداية من عام 1979.

بعد أن أبدعت فرقة قدور اليابوسي في أوّل سهرة فنية في إطار فعاليات مهرجان الأغنية الجزائرية بالجزائر العاصمة عام 1979، طلب محافظ المهرجان من الفنان قدور اليابوسي تمديد فترة إقامته بالعاصمة لإحياء ليال فنية أخرى، حيث شاركت جمعية سي قدور في سهرات فنية عديدة، سمحت للفنان وفرقته بالتعريف بالأغنية الأوراسية المتصفة بجماليتها كتراث فلكوري شاوي أصيل، وأصبح الجمهور في كل سهرة يطلب أغنية الدمام التي كانت مليئة بشحنة من العواطف القوية والأحاسيس المرهفة تقشعر لها الأبدان، فكان الدمام بمثابة الشرارة الأولى التي أعلنت عن بداية عصر جديد للأغنية الأوراسية الفردية والجماعية بلسان شاوي أصيل.

مقطع من أغنية الدمام:

«جباد ايما اهوليذ..... اقرد لوجاب فلا اعديذايما ..هسليتش ايثما مانشذنش فلا...ايما اعمرينو اثي اعدا

جاباد ايما فالباب ..... اناسن يومام يمدي لعذاب يكبر ويشابيما ماهليذ تاجبارث اندقلث انور .... حد الحادج يتبي حد اسنسور، اشت انيومام يمرض يندور».