مدير المركز الجزائري للسينما إلياس سميان لـ «المساء»:

لدينا تراث سينمائي عالمي لا يقدّر بثمن

لدينا تراث سينمائي عالمي لا يقدّر بثمن
  • القراءات: 2269
حاورته: مريم. ن حاورته: مريم. ن

يعمل المركز الجزائري للسينما على بعث الحياة السينمائية من خلال قاعاته 13 المنتشرة عبر الوطن، والتي استفاد بعضها من التجهيز ومن تقنية الحزمة الرقمية، ويتكفّل بترميم الأفلام الجزائرية وعلى رأسها فيلم «تحيا يا ديدو» الذي ستطلق نسخته المرممة قريبا مع مشاركته في مهرجان كان السينمائي. وقبل كلّ هذاّ، يبقى المركز حارسا أمينا للتراث السينمائي الجزائري، ومخزنا لأهم إنتاجات العالم الكلاسيكية، زد على كونه يحتل المرتبة الثانية عالميا كمتحف للسينما .

عن مهام المركز وما تمّ تجسيده على أرض الواقع وكذا واقع الصناعة السينمائية في بلادنا وآفاقه، يتحدّث السيد إلياس سميان مدير المركز الجزائري للسينما.

❊ إلى أين وصلت عملية تجهيز القاعات التابعة للمركز الجزائري للسينما؟

❊❊ يسيّر المركز 13 قاعة منتشرة عبر الوطن، منها البليدة وبجاية ووهران وقاعة عنابة التي أعيد فتحها بمناسبة تظاهرة مهرجان السينما المتوسطية، علما أنّ القاعة أُغلقت لمدة 15 سنة، واستفادت من عملية الترميم والتجهيز بأحدث الوسائل التقنية (منها الحزمة الرقمية).

وأشير إلى أن من بين 13 قاعة تمّ تجهيز 3 قاعات بتقنية الحزمة الرقمية (dcp) في انتظار قاعات أخرى، منها قاعة متحف السينما بالعاصمة التي سُجّلت ضمن هذه العملية.

❊ وماذا بالنسبة لعملية ترميم الأفلام الجزائرية؟

❊❊من مهام المركز حفظ وترميم الأفلام ذات 35 ملم. وقام المركز عبر قاعاته منها متحف السينما بشارع «العربي بن مهيدي» (أفضّل دائما أن أحتفظ بتسمية المتحف لمكانتها في نفسي)، بعرض الأفلام ذات 35 ملم، وهي لاتزال مطلوبة من الجمهور. كما أنّ ترقية السينما الجزائرية بالنسبة لنا أولوية؛ لذلك نحرص على أن تكون الأفلام الجزائرية المنتجة حديثا حاضرة في قاعاتنا عبر كامل الولايات، علما أنّ الكثير من قاعات السينما أُغلقت أو دُمّرت، وبالتالي فإنّ وزارة الثقافة تعمل على استرجاع 100 قاعة موزّعة عبر التراب الوطني، سيتم تجهيزها بأحدث التقنيات.

رمّمنا فيلم «تحيا يا ديدو»

المركز الجزائري للسينما عضو بالفدرالية الدولية لأرشيفات الأفلام بمدينة بولون الإيطالية. وهناك تبادلات وتعاون مستمر مع إيطاليا في مجال الترميم، ولذلك كنت في زيارة لروما؛ حيث يرمّم الفيلم الجزائري «تحيا يا ديدو»، بعد أن وجدنا النسخة الأصلية (نيجاتيف) مهملة في أحد المخازن قرب بلدية الجزائر الوسطى، التي موّلت الفيلم وأنتجته في بداية السبعينيات، فحملناه إلى مخبر بإيطاليا ليرمّم بشكل جيّد، وبالتالي أنقذنا فيلما يعتبر من التراث السينمائي الجزائري الهام. كما أنّه يبرز قامة فنان قدير، هو الراحل محمد زينات، الذي كان مجاهدا وبرتبة عقيد في جيش التحرير إبان الثورة، وسبق زمنه بعشريتين على الأقل، حيث جمع معالم الفن الجزائري في هذا الفيلم، إذ أبرز ضمن مدينة البهجة حضور محمد راسم وإسياخم والعنقى وفن الشعبي، وكان ذلك بمثابة التكريم. بعدها بعشر سنوات أصبحت تجربة الراحل زينات ملهمة لمخرجين آخرين، منهم المخرج العالمي فريديريكو فليني من خلال فيلمه «فليني روما».

فيلم «تحيا يا ديدو» سنعرضه بمهرجان كان دورة 2017 ضمن «السينما الكلاسيكية». وقبلها سننظم تظاهرة فنية بالجزائر تتزامن وذكرى رحيل «مومو» (حيمود إبراهيمي). وأقول إنّ المركز يتكفّل بالحفظ والترميم. أما فيما يتعلّق بالرقمنة فتتكفّل بها مؤسّسات مختصّة. وبالفعل قامت وزارة الثقافة برقمنة 20 أحسن فيلم جزائري، منها 15 فيلما انتهت بها العملية، وأخرى في طريقها إلى الرقمنة، وهي بحوالي 130 فيلما طويلا.

بالنسبة للنسخ الأصلية لأفلامنا (النيجاتيف)، فقد جرى تحميضها في مخابر بفرنسا وإيطاليا ويوغوسلافيا وتونس، وبالتالي فإنّ عملية الترميم تجري هناك. ويوجد حاليا بعض مشاريع الترميم، منها لفيلم «الفحام» للمخرج الراحل محمد بوعماري (نسخته الأصلية بأرشيف وزارة الدفاع الوطني)، وهو الفيلم الذي شكّل ولادة جديدة للسينما الجزائرية عند عرضه أوّل مرة في بداية السبعينيات. ويتناول التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الجزائري في السبعينيات، وكان من أوائل الأفلام الجزائرية التي تناولت ظاهرة الريف والمدينة، ومعادلة التصنيع التي أسّست لميلاد الطبقية في المجتمع الجزائري، وهي نوعية الأفلام التي عُرفت لاحقا بسينما الضواحي، وافتك عدّة جوائز عند صدوره، على غرار السعفة الفضية بمهرجان قرطاج سنة 1972، والجائزة الدولية للنقد بواغادوغو سنة 1973، بالإضافة إلى جائزة الديوان الكاثوليكي الدولي وجائزة مهرجان برلين.

❊ يُعتبر السينماتيك مخزنا ثمينا للتراث السينمائي الجزائري والعالمي، فما تعليقكم؟

❊❊ يملك السينماتيك تراثا سينمائيا لا يقدّر بثمن، ويحظى باهتمام الأوساط العالمية. وكما ذكرت، فإنّ سينماتيك الجزائر هو الثاني دوليا، ويحتفظ بأفلام أنجزت قبل الثورة، وكذا أرشيفات مصوّرة وأفلام أنجزت إبان الثورة التحريرية ابتداء من سنة 57. وتمّ عرضها خلال إحياء خمسينية تأسيس السينماتيك. وعرضنا للجمهور بعض الأفلام منها «جزائرنا» و«الجزائر في لهب» و«عمري 8 سنوات» وغيرها. ولدينا أرشيفات أصلية لأفلام فرنسية، منها «حرب الجزائر» لجاك بيرل. وعندنا أيضا أفلام أصلية للأخوين لوميار لا تملكها حتى فرنسا، من ذلك فيلم مصوّر في باب عزون، وأفلام من روائع السينما العالمية (أغلبها أمريكي) لا توجد حتى بأوروبا. عموما، لدينا 20 ألف فيلم (عنوان)، أقدمها يعود لسنة 1897، بعضها بتقنيتي 16 ملم و8 ملم، وهذا ما يجعل الجزائر اليوم من بلدان العالم التي لها تراث سينمائي بهذا الحجم والكيف، وبالتالي فإنّ بلدانا أوروبية اليوم تطلب منا ما ليس عندها.

لدينا أيضا بعض الأرشيف الذي نودّ الوصول إليه بفرنسا، والمتمثّل في بعض الأفلام المنتجة والمصوّرة بالجزائر إبان الحقبة الاستعمارية، وأغلبها بالمجلس الوطني السمعي البصري بباريس، وهناك تعاون بينه وبين وزارة الثقافة عندنا منذ سنتين.

❊ماذا عن حضور الرسميين في ذاكرة السينماتيك؟

❊❊حضور متميّز بما في ذلك حضور الرئيس بوتفليقة الذي يحبّ الفن السابع ويقدّره. وأذكر أنّ السينماتيك في السبعينيات مثلا، كان يبرمج عرضا سينمائيا خاصا بالرئيس الذي كان حينها الراحل بومدين وبالطاقم الحكومي؛ قصد الاطلاع على جديد السينما، خاصة الجزائرية منها.

❊ كيف علاقتكم بالجمهور؟ وهل من إقبال على الأفلام؟

❊❊ نبرمج عبر مختلف القاعات أفلاما جزائرية، ونحرص على أن تكون جديدة، لكنّنا نبرمج أيضا الأفلام القديمة التي تلقى الإقبال رغم أنّ الجمهور شاهدها حتى على شاشة التلفزيون، وهذا نتيجة تعطّشه لهذا النوع من الأفلام. وأذكر أنّنا برمجنا العام الماضي فيلم «حسن طيرو» بالسينماتيك، فامتلأت القاعة، واضطررنا لجلب الكراسي من خارج القاعة.

نحرص على أن يكون الفيلم هو السيد، لذلك نرفض أن تحوّل قاعات السينما إلى نشاطات أخرى أو إلى قاعات اجتماعات، لكن الأكيد أنّ ثقافة وتقاليد السينما لم تعد كما كانت في الستينيات أو السبعينيات، لكنّها موجودة، والجمهور خاصة الشاب لازال يدفع ليشاهد فيلما حتى لو كانت حالته المادية متواضعة (بعض الأفلام تخرج في نفس اليوم مع أوروبا).

وعلينا أن لا ننسى أنّ السينما عندنا عانت من ظروف صعبة أبعدت الجمهور عنها، خاصة منذ نهاية الثمانينيات، حيث أُغلقت القاعات، وحلّت ظاهرة العرض بالفيديو لأفلام غير مرخّصة. ثمّ جاءت العشرية السوداء، وبالتالي تراجع التواجد السينمائي بين الأوساط الشعبية. لقد كانت الجزائر عشية الاستقلال تملك 473 قاعة، بينما المغرب العربي كلّه ليس به سوى 10 قاعات. واليوم هناك إرادة سياسية عليا لاسترجاع القاعات وتخصيصها للأفلام وللجمهور، ففرنسا مثلا باعت 213 مليون تذكرة سنة 2016، ونحن أيضا كان لنا الإقبال عليها، وكنا نقوم بالإحصائيات التي توقفت نهاية الثمانينيات، وكانت مداخيل التذاكر هي ما يدعم السينما.

❊كيف هي علاقات المركز بالأوساط والمؤسّسات السينمائية في الخارج؟

❊❊ هناك تعاون مستمر مع المؤسّسات والأوساط السينمائية عبر العالم، منها إيطاليا وفرنسا وبعض الدول العربية، مثلما كانت الحال بالنسبة للتعاون مع مصر في الطبعة الأخيرة لصالون الكتاب بالجزائر من خلال فضاء السينما والأدب، وكذا مع إيران وغيرها، نتيجة سمعة الجزائر وتاريخها وارتباطها بالفن السابع، والسينماتيك خير دليل، حيث كان سفيرا للجزائر عبر العالم، في حين أنّ دولا لم يكن لديها ما للجزائر، فالمغرب مثلا لديه سينماتيك محلي يديره فرنسي. ومصر طلبت مؤخّرا من الفدرالية الدولية لأرشيفات الأفلام، تأسيس سينماتيك.

كان لي شرف التعرّف رفقة بعض زملائي، على مخرجين وفنانين عالميين جاءوا إلى السينماتيك، وقصدت سنة 73 القاهرة في مهمة عمل لأيام، فمكثت بها 4 أشهر بعدما توقّفت الرحلات نتيجة الحرب العربية. وهناك كان يزورني الراحل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين. وكنت ألتقي محمود المليجي ونادية لطفي وغيرهما من عمالقة مصر الذين حقّقوا الشهرة بالجزائر.

❊ ما هو دور التكوين في النهوض بقطاع السينما؟ 

❊❊يبقى التكوين مشكلا مطروحا، وهناك دعم أوروبي من خلال برنامج تكوين نظري. ينقصنا تقنيو العرض السينمائي، ولو توفّروا لمددنا فترات العرض إلى ساعات الليل، علما أنّنا نستعين بتقنيين من اختصاص السمعي البصري.

❊وماذا عن الجيل السينمائي الجديد؟ 

❊❊ هناك جيل واعد، وأرى أنّ السينما تتقدّم بوفرة الإنتاج، فكلّما كثر الإنتاج تعزّزت التجربة وظهر الجيّد، وحاليا أنا معجب بمخرجين شباب منهم مؤنس خمار وخالد بن عيسى وصبرينة براوي.

بطبعي أنا إيجابي ومتفائل، وستكون هناك نهضة سينمائية خاصة مع فتح المزيد من القاعات، سيكتشف حينها شبابنا عالما جميلا يستحق المشاهدة والعيش.