ترقية الصادرات خارج المحروقات ومحطات تحلية المياه خيار استراتيجي
عصرنة الفلاحة والأمن الغذائي على الأبواب
- 114
زولا سومر
* تفعيل آليات التخزين لحماية الفلاح والقدرة الشرائية للمواطن
* " صنع في الجزائر" تحد لتجسيد السيادة الاقتصادية
شهدت سنة 2025 قرارات هامة في قطاعات اقتصادية باتت تحظى بالأولوية في التوجه الاقتصادي الجديد على غرار الفلاحة، الصناعة، والمؤسسات الناشئة التي صنفتها الدولة كقطاعات استراتيجية يعول عليها لتنويع الاقتصاد وترقية الصادرات خارج المحروقات. وتميزت سنة 2025 برؤية جديدة للنهوض بالفلاحة وعصرنتها لتجسيد الأمن الغذائي، واسترجاع المصانع المحجوزة وإعادة بعث المشاريع الكبرى، وكذا منح تحفيزات وتسهيلات للمؤسسات الناشئة.
عرف قطاع الفلاحة خلال سنة 2025 ثورة حقيقية باتخاذ قرارات ينتظر أن تعطي ثمارها لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، لجعل الفلاحة محركا رئيسيا للاقتصاد، حيث اعتمد القطاع رؤية جديدة تهدف إلى تحويل الفلاحة من نشاط تقليدي إلى قطاع يعتمد على المعرفة والبيانات الدقيقة، من خلال رسم خارطة طريق جديدة للانتقال إلى "الفلاحة الذكية" التي تستخدم التكنولوجيا لزيادة الإنتاج وتقليل هدر الموارد.
الأرض لمن يخدمها وقانون التوجيه الفلاحي لتحقيق السيادة الغذائية
ولعل أهم القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية للنهوض بقطاع الفلاحة خلال 2025 هي قرارات تطبيق مبدأ "الأرض لمن يخدمها"، الذي يقضي باسترجاع مئات الآلاف من الهكتارات التي تم منحها لمستثمرين "وهميين" لم يباشروا العمل فيها، وإعادة منحها للشباب خريجي المعاهد الفلاحية والمستثمرين الجادين، وكان ملف العقار الفلاحي العنوان الأبرز لسنة 2025، حيث أمر رئيس الجمهورية بإنهاء هذا الملف الذي ظل عالقا لعقود قبل نهاية ديسمبر 2025 وتسوية ملكيات الأراضي للفلاحين الذين يستغلونها فعليا، ومنحهم عقود ملكية أو امتيازات رسمية لتمكينهم من دخول الدورة الاقتصادية والحصول على القروض، إلى جانب التحضير لمشروع قانون التوجيه الفلاحي برؤية استشرافية لحماية الأراضي الفلاحية ومنع تحويلها إلى عمران، والترخيص باستيراد العتاد الفلاحي المستعمل الأقل من 5 سنوات الموجه لمحاصيل الذرة والبذور الزيتية.
تفعيل آليات التخزين لحماية الفلاح والقدرة الشرائية للمواطن
ولحماية المستهلك وأيضا الفلاحين من تكبد الخسائر، تقرر هذه السنة تفعيل آلية التخزين وحماية الأسعار، حيث تقوم الدولة عبر دواوينها بشراء فائض الإنتاج وتخزينه لضمان استقرار الأسعار في السوق الوطنية طوال السنة. إلى جانب تشكيل لجان يقظة لمراقبة التوزيع وتشديد الرقابة على سلاسل الإمداد الفلاحي بمراقبة مسار المنتجات من المزرعة إلى الميدان، وضمان التوزيع العادل للأسمدة والبذور المدعمة، ومنع المضاربة في مخرجات الإنتاج الفلاحي. كما أولت السلطات أهمية لتوسيع طاقات التخزين ضمن البرنامج الاستعجالي لعام 2025، بتسريع إنجاز 350 مركز تخزين جواري للحبوب عبر التراب الوطني.
عصرنة ورقمنة الفلاحة لزيادة المردودية
اتخذ قطاع الفلاحة عدة قرارات لعصرنة الزراعة من خلال العمل بآليات تقنية تسمح بالحصول على معلومات دقيقة وفي وقتها الحقيقي لاتخاذ قرارات مدروسة، وتفعيل استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة المحاصيل بدقة مع مراجعة عميقة لهيكلة القطاع، وتحديث المعاهد والمكاتب التابعة لوزارة الفلاحة لتتماشى مع التطوّرات التكنولوجية العالمية، وإقحام الكفاءات الشابة في مناصب المسؤولية، وكذا إدماج حلول المؤسسات الناشئة مباشرة في العمل الميداني، بالإضافة إلى تطوير الفلاحة الصحراوية ومرافقة المستثمرين بحل مشاكل العقار والكهرباء، وتحديث طرق تمويل المشاريع الفلاحية وتوفير معدات حديثة عبر قروض ميسرة لتحويل الفلاحة إلى مساهم أساسي في الناتج المحلي الخام بقيمة 35 مليار دولار.
محطات تحلية المياه خيار استراتيجي لتحقيق الأمن المائي
ويعتبر خيار محطات تحلية مياه البحر الذي حققته الجزائر بامتياز خلال سنة 2025، خيارا استراتيجيا ضمن سياسة استباقية تبنتها الدولة بتوجيهات من الرئيس تبون لمواجهة التغيرات المناخية والضغوط الديمغرافية والاحتياجات الصناعية والفلاحية المتزايدة، حيث أطلقت إلى غاية الآن 19 مشروعا لتحلية مياه البحر، استلمت منها 5 محطات بطاقة إنتاج كبرى في انتظار انطلاق برنامج جديد بـ 6 محطات تحلية، وذلك في إطار خطة وطنية تهدف إلى تعزيز الأمن المائي وضمان الاستدامة. وهو التحوّل الاستراتيجي الذي يكفل الوصول إلى نسبة معتبرة من الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن المائي، حيث أصبحت مشاريع تحلية مياه البحر جاذبة للاستثمارات في الجزائر وتحظى بدعم واضح من البنوك باعتبارها قطاعا مستداما ومدرا للأرباح، ما انعكس على نمو مؤسسات المناولة المرافقة لحاجيات هذه المحطات في عديد المجالات من حيث التجهيز والصيانة الدائمة، مما يعزز من القيمة المحلية المضافة ويساهم في خلق مناخ ملائم للاستثمار.
"صنع في الجزائر" تحد لتجسيد السيادة الاقتصادية
تميزت سنة 2025 في قطاع الصناعة بالتركيز على تحدي "صنع في الجزائر" كخيار للسيادة الاقتصادية، حيث تم اتخاذ عدة قرارات لتسريع وتيرة المشاريع الصناعية الكبرى مثل مصنع الاسمنت بالجلفة لدعم قدرات التصدير، وتشغيل مصنع سحق البذور الزيتية بجيجل لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتقليل من الاستيراد، وإعادة تشغيل المصانع المسترجعة في إطار مكافحة الفساد، مع التشديد على إدخال المشاريع الصناعية الجاهزة حيز الخدمة وتذليل العقبات البيروقراطية أمام المستثمرين، وربط الوحدات الصناعية بشبكة السكك الحديدية ومصادر الطاقة لتقليل التكاليف، وتسهيل إجراءات منح العقار الصناعي على أن تكون الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار هي القناة الوحيدة والحصرية لمنح هذا العقار لمنع أي تدخل بشري أو وساطات مشبوهة.
كما أسدت السلطات العليا تعليمات بإنشاء قاعدة بيانات رقمية دقيقة لجميع المصانع لمراقبة قدرات الإنتاج وتفادي الندرة، بالإضافة إلى إصدار تعليمات بتشديد الرقابة على الواردات من السلع التي يمكن إنتاجها محليا لحماية المنتوج الوطني، مع إلزام المصانع برفع نسبة الإدماج للحصول على الامتيازات الضريبية، وكذا إسداء تعليمات لإنشاء مناطق صناعية مصغرة متخصصة في الصناعات التحويلية الغذائية بالقرب من مناطق الإنتاج الزراعي في الجنوب والشمال، إلى جانب اتخاذ قرار لإعداد دراسة سوق لإطلاق صناعة وطنية حقيقية لعجلات السيارات للتقليل من الاستيراد، والتشديد على رفع نسبة الإدماج في صناعة المركبات وتقديم تسهيلات للمصنعين الذين يحققون قيمة مضافة.
أولت الدولة أهمية بالغة للمؤسسات الناشئة في 2025 حيث كانت هذه السنة نقلة نوعية، تهدف إلى تحويل الجزائر إلى قطب إقليمي للابتكار بدعم بيئة المؤسسات الناشئة، حيث تم التركيز على الانتقال من تأسيس الشركات إلى "تعزيز
التكنولوجيا المالية" والتوسع القاري.ومن أهم التدابير التي ميزت هذا القطاع خلال عام 2025 هي إطلاق صندوق تمويل إفريقي للمؤسسات الناشئة والشباب المبتكر، بهدف تعزيز الحضور المؤسساتي للجزائر في القارة الإفريقية، وتمويل مشاريع الشباب المبتكر ليس فقط داخل الجزائر، وتفعيل مجمعات التمويل الإقليمية، والدعوة لخلق صناديق تمويل مشتركة بين الدول لتسهيل انتقال الشركات من التمويل المحلي إلى تمويل أوسع يسمح بالنمو السريع، والمساهمة في دعم الحلول التقنية في القارة، وتكريس مكانة الجزائر كقطب إقليمي للابتكار، وهو ما تجلى في استضافة الجزائر لمؤتمر إفريقي للشركات الناشئة في الأيام الماضية، والذي توّج بـ"إعلان الجزائر" الذي نص على دعم تمويل الشركات وتسهيل توسعها خارج حدودها المحلية وتسهيل دمجها في السوق القارية والدولية، وتحسين الوصول إلى التمويل، وتعزيز السيادة الرقمية، وكذا تطوير المهارات والمواهب وإشراك الجالية الإفريقية بالخارج، إلى جانب تفعيل دور المجلس العلمي الإفريقي للذكاء الاصطناعي.
تخفيضات ضريبية وتحفيزات لتشجيع الابتكار
كما عرفت السنة تقديم تحفيزات ضريبية "غير مسبوقة" في قانون المالية 2025 لتقليل الأعباء المالية على الشركات المبتكرة، من خلال تخفيضات ضريبية تصل إلى 30% للشركات التي تستثمر في نفقات البحث والتطوير أو تبرم شراكات مع المؤسسات الناشئة الحاصلة على "العلامة" ، ورفع سقف النفقات القابلة للخصم الضريبي لتشجيع "الابتكار المفتوح" بين الشركات الكبرى والناشئة، إلى جانب منح الأولوية للمؤسسات الناشئة في الصفقات العمومية، خاصة في المشاريع الرقمية والحلول التكنولوجية، لضمان سوق مستدامة لهذه الشركات بدل الاعتماد الكلي على التمويلات الخارجية.
وتم فتح الباب واسعا أمام المؤسسات الناشئة خلال هذه السنة لدخول البورصة، إلى جانب تدابير أخرى، حيث تم تفعيل قرار "شهادة- مؤسسة ناشئة" بشكل أكبر في 2025، مع تحويل مشاريع تخرج الطلبة الجامعيين خاصة في تخصصات الذكاء الاصطناعي والإعلام الآلي إلى شركات تجارية وتخصيص مساحات داخل الجامعات لتكون "حاضنات أعمال" رسمية تابعة للدولة، وتوقيع اتفاقيات تلزم الشركات العمومية الكبرى مثل سوناطراك وسونلغاز بفتح أبوابها للشركات الناشئة.
ويمكن القول إن عام 2025 كان عام "النضج" لهذا القطاع، حيث لم يعد الأمر مجرد أفكار، بل أصبح واقعا كما استفادت حاضنات الأعمال من تمديد الإعفاء من الضريبة على أرباح الشركات أو الضريبة على الدخل الإجمالي لمدة سنتين إضافيتين للحاضنات عند تجديد "علامة حاضنة"، علاوة عن إعفاء أصحاب العلامات من تكاليف تسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية، إلى جانب ربط هذه المؤسسات بتسهيلات المقاول الذاتي لتسهيل الفوترة والعمل الحر قانونيا بأقل تكلفة ضريبية تقدر بـ 0.5% فقط.