قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر يعكس اللحمة والإجماع الوطني
2025 سنة تثبيت الخيارات السيادية ودعم الترسانة التشريعية
- 85
زين الدين زديغة
❊ جرائم الاستعمار بين 1830 و1962 لا تسقط بالتقادم ولا تطوى بالصمت
❊ ترسيخ مرجعية التاريخ في بناء الحاضر واستشراف المستقبل
❊ الدفاع عن الحقيقة التاريخية في وجه محاولات الطمس أو الانتقاص وصون الذاكرة
❊ قرار تاريخي بتجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر
اختتمت سنة 2025 بقانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر يعكس اللحمة والإجماع الوطني إزاء هذا الملف الهام الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، كخطوة رمزية وتشريعية برسائل داخلية وخارجية، أعادت ملف الذاكرة الوطنية إلى الواجهة، كما عرفت السنة الجارية سياسيا تثبيت الخيارات السيادية للبلاد من خلال جملة من القوانين التي عززت الترسانة التشريعية ووائمتها مع دستور 2020.
من الإصلاحات السياسية إلى معركة الذاكرة كانت سنة 2025 محطة هامة في تاريخ الجزائر، شهدت ميلاد قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر يعكس اللحمة والإجماع الوطني حول ملف الذاكرة الوطنية، بادر به المجلس الشعبي الوطني، تزامنا مع إرادة سياسية تأكد على حق الشعب الجزائري في ثلاثية الاعتراف والاعتذار الرسمي والتعويض الشامل عن الجرائم الاستعمارية من 1830 إلى 1962، والتي لا تسقط بالتقادم ولا تطوى بالصمت.
ويندرج هذا النص المصادق عليه على مستوى المجلس الشعبي الوطني في جلسة تاريخية نهاية الشهر الجاري-الذي يأتي في وقت لا تزال بعض الأصوات في فرنسا وعملائهم تبرر للاستعمار وتمجده-ضمن رؤية وطنية شاملة لتعزيز السيادة الوطنية وتحصين القرار السياسي وترسيخ مرجعية التاريخ في بناء الحاضر واستشراف المستقبل، وكذا الدفاع عن الحقيقة التاريخية في وجه محاولات طمس أو الانتقاص بما يضمن صون الذاكرة الوطنية وحمايتها من التشويه.
وبني هذا النص التشريعي على مبادئ قانونية مكرسة دوليا وجاء في 27 مادة تؤكد أن الاستعمار الفرنسي للجزائر جريمة دولة تتحمل فرنسا مسؤوليته القانونية والأخلاقية، مع إدراج بعض الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري ترتب عليها توقيف تطوّر شعب بكامله لأكثر من 132 سنة، وكذا أحكام تتعلق بالاعتراف الكامل وبالمسؤولية القانونية والاعتذار الرسمي ورد الاعتبار المادي والمعنوي، وإقرار تدابير جزائية تجرم تمجيد الاستعمار أو الترويج له.
ترسانة قوانين للمواءمة مع دستور 2020
كما شهدت سنة 2025 تعزيز الترسانة التشريعية بعدد من القوانين الهامة، على رأسها النشاطات المنجمية، الإجراءات الجزائية والوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، وكذا التعبئة العامة، الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية والقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بهما.
ويتعلق الأمر كذلك بقوانين إحداث أوسمة عسكرية والتقاعد وغيرها، وكذا مشاريع قوانين أخرى تتواجد على مستوى مجلس الأمة بعد المصادقة عليها بالمجلس الشعبي الوطني، ينتظر أن تصدر قبل نهاية السنة أو بداية جانفي 2026، أهمها مشروع قانون المرور، مشروع القانون الأساسي للقضاء ومقترح قانون لتعديل قانون الجنسية، بالإضافة إلى قانون المالية للسنة القادمة، الذي وقعه رئيس الجمهورية، وجاء بأكبر موازنة في تاريخ الجزائر، وتدابير تشريعية لتعزيز القدرة الشرائية ودعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر التمويل العمومي، وإجراءات لتعزيز الامتثال الجبائي الطوعي ومكافحة الغش والتهرب الضريبيين ومكافحة تبييض الأموال.
ونص قانون النشاطات المنجمية على تثمين المنتجات المنجمية محليا للحصول على قيمة مضافة عالية، والأخذ بعين الاعتبار كأولوية تلبية احتياجات السوق الوطنية من المنتجات المنجمية الجاهزة، وإلغاء أحكام الطبيعة الاستراتيجية للمواد المعدنية المدرجة في قانون 2014، ومنح تسهيلات للراغبين في الاستثمار.
أما قانون الإجراءات الجزائية فأكد على حماية المسيرين وأعاد النظر في إجراءات المثول الفوري، والاعتراف المسبق بالذنب، مع مراجعة أحكام الأقطاب القضائية المتخصصة وضبط اختصاصاتها، اعتماد "النيابة الإلكترونية" وتكريس مبدأ ملاءمة المتابعة الجزائية وضبط اللجوء للحبس المؤقت، وكذا حفظ القضايا لعدم ملاءمة المتابعة الجزائية حفاظا على المصلحة، استعمال وسائل الاتصال المسموعة والمرئية في التحقيق القضائي والمحاكمة والحق في استئناف الأحكام واعتماد التشكيلة الجماعية لمحكمة الجنح، واللجوء إلى الوساطة من طرف نواب الجمهورية في عديد القضايا.
تعزيز تدابير الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
وبخصوص قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، فعزز من الأحكام المتعلقة بالوقاية من هذه المخاطر، بما يتلاءم مع الالتزامات الدولية للجزائر، وأعاد ضبط المفاهيم وفق تطوّر هذه الجريمة وبروز تقنيات جديدة لتبييض الأموال.
الوقاية من المخدرات.. أحكام جديدة توازن بين الوقاية والعلاج والردع
وعن قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بهما، فتضمن أحكاما جديدة توازن بين الإجراءات الوقائية والعلاجية والجانب الردعي وتأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية والمضرة للمخدرات على الصحة العمومية والأمن والنظام العموميين، علاوة على تحصين المؤسسات التربوية والتعليمية والتكوينية، وحدد آليات جديدة من شأنها تحصين الهيئات العمومية والمؤسسات ذات النفع العام والمؤسسات والهيئات التابعة للقطاع الخاص.
التعبئة العامة.. ضمان الفعالية في الانتقال من حالة السلم إلى حالة الحرب
أما قانون التعبئة العامة فيندرج في إطار مساعي الدولة الرامية إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة لمجابهة أي خطر محتمل يهدد استقرار البلاد واستقلالها وسلامتها الترابية، وضمان الفعالية في الانتقال من حالة السلم إلى حالة الحرب للقوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية وكل الاقتصاد الوطني، وكذا وضع القدرات الوطنية تحت التصرف لصالح المجهود الحربي.
قانون مرور جديد بتدابير بين الوقاية والردع للحد من مجازر الطرقات
وفيما يتعلق ببعض القوانين المنتظر صدروها قريبا، كالقانون الأساسي للقضاء، فيأتي تماشيا مع دستور 2020 من أجل التأسيس لمرحلة جديدة للسلطة القضائية في الجزائر، ونفس الأمر بالنسبة لقانون المرور الذي يندرج ضمن مقاربة وطنية متكاملة تقوم على الجمع بين الوقاية والردع والتحسيس للحد من مجازر الطرقات التي أخذت بعدا مقلقا خلال السنوات الأخيرة، وكذا مقترح قانون الجنسية الجزائرية الذي اعتبر وزير العدل أنه سيعزز من الحفاظ على قدسية هذه الرابطة بين المواطن ودولته والقائمة في جوهرها على عاملي الولاء والانتماء.
بناء جسور الثقة بين السلطة والأحزاب
وفي سياق مغاير أرسى رئيس الجمهورية تقليدا سياسيا يتمثل في استقبال رؤساء الأحزاب السياسية، في خطوة تعكس حرصه على ترسيخ ثقافة الحوار والتشاور، ويأتي هذا النهج تأكيدا على أهمية إشراك مختلف الفاعلين السياسيين في مناقشة القضايا الوطنية الكبرى، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز الاستقرار السياسي، كما يساهم هذا التقليد في بناء جسور الثقة بين بين السلطة والأحزاب.
ترقية 11 مقاطعة إدارية لولايات كاملة الصلاحيات مواكبة للتحوّلات
من جهة أخرى عرفت سنة 2025 ترقية 11 مقاطعة إدارية بالهضاب العليا والجنوب إلى ولايات كاملة الصلاحيات، ويتعلق الأمر بكل من آفلو، بريكة وقصر الشلالة، وكذا كل من مسعد، عين وسارة، بوسعادة، الأبيض سيدي الشيخ، القنطرة، بئر العاتر، قصر البخاري والعريشة، وتأتي هذه الخطوة، بما يتماشى مع التحوّلات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية لتمكين السلطات المحلية من الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها الكاملة، لتحفيز التنمية ورفع جاذبية الأقاليم وتحسين الإطار المعيشي للساكنة خاصة في مناطق الهضاب العليا والجنوب.