كان يمثل الملجأ الدافئ في عطلة الشتاء
بيت الجدة.. بين الشوق ومتاعب الأحفاد
- 177
رشيدة بلال
يتحوّل بيت الجدة، مع حلول عطلة الشتاء، إلى ملجأ آمن ودافئ تقصده الأم رفقة أبنائها لقضاء بعض الأيام، غير أن احتواء الزوار لأكثر من فترة قصيرة أصبح مرهقًا وصعبًا، خاصة بسبب عدم قدرة الجدات على تحمّل الضجيج والأعباء الإضافية التي تفرضها الزيارة. وتزداد الأمور سوءا عندما يجتمع الأبناء والأحفاد في منزل واحد، وهو ما دفع بروّاد مواقع التواصل الاجتماعي، في تدوينات وتعليقات هزلية، إلى التفاعل مع الظاهرة والمطالبة ببقاء العائلات في منازلها وقضاء العطلة رفقة أبنائها بدل إلقاء العبء على كاهل الجدة.
تجد بعض العائلات، مع حلول موعد العطلة، صعوبة في قضاء بعض الوقت في أماكن معينة، بل ويتعذر على البعض حتى التنقل إلى فضاءات التسلية، إما بحكم الارتباط بالعمل أو بسبب التكاليف المالية الإضافية. وكحلّ بديل، ومن باب التغيير وتوطيد صلة الرحم، يبقى بيت الجد أو الجدة الخيار الأقرب لعدة اعتبارات، أهمها أنه المكان الذي يسمح فيه للأبناء بالتصرف بحرية أكبر.
غير أن هذا التصور، على ما يبدو، بات متجاوزًا في ظل المتغيرات الاجتماعية، حيث لم يعد بيت الجدة ذلك الملاذ الآمن والدافئ كما كان، إذ أصبحت هي الأخرى تبحث عن الهدوء والسكينة، وترغب في التمتع ببعض الراحة. وهو ما وقفت عليه “المساء” في استطلاع للرأي استهدف عددًا من الجدّات اللواتي اعتدن استقبال أبنائهن وأحفادهن عشية العطلة.
وحسبما جاء على لسان بعضهن، فإن بيت الجدة لم يعد يتسع لتحمّل شغب الأطفال ولا مسؤولية بعض الأمهات، مؤكدات أن من حق الأبناء التنقل إليهن وقضاء بعض الوقت، لكن بشرط أن لا تطول مدة الزيارة. كما شددن على أن من حقهن أيضًا التمتع بالهدوء والسكينة، خاصة وأن بعض الأبناء يتركون الأحفاد في المنزل ويغادرون، وهو أمر لم يعد في مقدورهن تحمّله.
وفي شهادة لسبعيني، أوضح أنه قرر، عند اقتراب العطلة، مغادرة المنزل رفقة زوجته وقضاء بعض الوقت في الحمامات المعدنية، وترك البيت لابنته التي لديها ستة أبناء، معلقًا بالقول إنه لم يعد يتحمل إزعاج الأحفاد ونفقاتهم، وبما أن من حق ابنته زيارته، فقد فضّل ترك المنزل لها.
في المقابل، أكد آخرون أن الزيارة العائلية تبقى أمرًا محببًا، ومن حق جميع الأبناء قضاء بعض الوقت في بيت الجدة، غير أن بعضهم يتخلّى عن كل مسؤولياته، ويلقي بالعبء على الجدة، سواء من حيث الإنفاق لتحضير الوجبات، أو ترتيب البيت، أو حتى تربية الأحفاد، وهو ما دفع الكثير من الجدّات إلى التعبير عن رفضهن لهذا الوضع والمطالبة بقصر الزيارة على فترات قصيرة.
ويبقى السؤال المطروح: هل أصبح بيت الجدة غير قادر على احتواء الأبناء والأحفاد؟ أم أن المتغيرات الاجتماعية والنزعة الفردانية هي التي عصفت بالعلاقات الأسرية داخل العائلة الممتدة؟
العلاقات الاجتماعية شهدت تغيرات
في هذا السياق، يرى المختص في علم الاجتماع، الأستاذ زبيري حسين، أن العلاقات الاجتماعية وقيمها شهدت تغيرًا ملحوظًا بعد الانتقال من نموذج العائلة الممتدة، التي تضم الجد والجدة والعم والعمة، إلى العائلة النووية المكوّنة من الأب والأم والأبناء فقط. وحسبه، فإن هذا التحول كان له أثر مباشر على الروابط الاجتماعية، وهو ما نعيشه اليوم من عدم قدرة بيت الجدة على تحمّل التوافد الكبير للأبناء والأحفاد خلال العطلة.
ومن جهة أخرى، أرجع المتحدث التغير الذي يعيشه المجتمع الجزائري وتأثيره على العلاقات الأسرية إلى النسيج العمراني، الذي عزز مفهوم العائلة النووية، ورافقته فكرة المنفعة والمصلحة الخاصة. ويوضح أن الراغب في زيارة بيت الجدة أو العم أو الأخ أو الأخت قد يجد نفسه غير مرحب به، خاصة إذا كانت الزوجة عاملة، حيث يُنظر إلى الزائر الجديد على أنه عبء والتزام إضافي.
وأضاف أن المصلحة تظهر بوضوح عندما تعجز العائلة عن القيام برحلة بسبب العبء المالي، فيتحول بيت العائلة إلى الملجأ الوحيد، لما يوفره من تكاليف أقل ونوع من التغيير. وبعدما كانت هذه الزيارات تُصنّف ضمن تعزيز الروابط العائلية وتوطيد العلاقات الاجتماعية، أصبحت تُنظر إليها كمشكلة أو أزمة، خاصة إذا كان بيت الجدة يضم الكنة وأبناءها، ما يعني التزامات إضافية، وفوضى، وشغبًا، ومشاكل متعددة.
ومن بين الأسباب التي جعلت من تواجد الأبناء في بيت الجدة عبئًا أكثر منه فرصة لتوطيد العلاقات الأسرية، يبرز الجانب المالي، الذي يعزز حسب المختص فكرة الانتهازية، ويحوّل معنى الزيارة إلى التزام ثقيل بعدما كان الترحيب بالضيف قيمة اجتماعية راسخة. وأوضح أن الروابط الأسرية يفترض أن تحكمها ركيزتان أساسيتان، هما الاعتراف والقبول، غير أن هيمنة الفردانية عززت مفهوم الرفض الاجتماعي، ولم تعد العائلات الجزائرية قادرة على تحمّل بعضها البعض.