حادث بني عباس يفتح ملف "السائق المؤهّل" للنقل الجماعي

جمعية الممرّنين تدعو لتكوين محترف ورقابة نفسية على السائقين

جمعية الممرّنين تدعو لتكوين محترف ورقابة نفسية على السائقين
  • 311
رشيدة بلال رشيدة بلال

عاد الحديث بقوة بين المختصين في السلامة المرورية، عقب حادث المرور المأساوي الذي وقع مؤخرًا في ولاية بني عباس وأودى بحياة 13 شخصًا وعدد كبير من الجرحى، نتيجة انقلاب حافلة كبيرة لنقل المسافرين؛ من خلال طرح أهمية إعادة النظر في مفهوم السائق المؤهّل المكلف بقيادة وسائل النقل الجماعية؛ باعتبار أن العامل البشري هو السبب الأول في أغلب حوادث المرور ذات الحصيلة الثقيلة.

أكدت رئيسة جمعية الممرنين المحترفين للسياقة، نبيلة فرحات، في تصريح لـ"المساء”، أنه لا يمكن الحديث عن سائق مؤهّل إذا كان التكوين يتم بطريقة سريعة أو شكلية لمجرّد الحصول على رخصة السياقة. وشدّدت على أن السائق المؤهّل لا يُصنع صدفة، بل يُبنى عبر مسار تكويني صارم، وقواعد مهنية واضحة، ورقابة فعلية؛ لأنه حجر الأساس في الحدّ من حوادث المرور، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنقل الجماعي.

وقد عرضت جمعية الممرنين المحترفين للسياقة انطلاقًا من تجربتها الميدانية عبر سنوات من العمل، أهم النقاط التي ينبغي الانطلاق منها لبناء سائق مؤهّل، يعوَّل عليه في قيادة النقل الجماعي قليل الأخطار. وتشير رئيسة الجمعية في حديثها مع “المساء”، إلى ضرورة تطبيق البرنامج الوطني لتعليم السياقة رقم 40 لسنة 2024، الذي يفرض 30 ساعة نظرية، و30 ساعة تطبيقية كاملة، مع إدماج بيداغوجيا السياقة الدفاعية ضمن التكوين. وأكدت المتحدثة أن التكوين يجب أن يركز على مهارات أساسية، مثل: كيفية مسك المقود، والوضعية الصحيحة، والتحكم في المركبة، وتقدير المسافات، وقراءة الطريق، وإدارة المخاطر. وهي نقاط تبدو بسيطة وغير مهمة للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة الأساس الذي يُبنى عليه سائق حقيقي.

وفي السياق نفسه، شدّدت فرحات على أن سائقي الحافلات بحاجة إلى تكوين متخصص؛ لأن سائق الحافلة ليس كالسائق العادي للمركبات السياحية. وأوضحت أن الوصول إلى سائق محترف لا يتحقق إلا بتكوين خاص بالمركبات الثقيلة، يشمل التدريب على كيفية التعامل مع الركاب، والتحكم في حالات الطوارئ والانقلاب، والسياقة الليلية، والتعرّف على طرق تسيير الإجهاد الناتج عن التعب والنعاس؛ لضمان تخرّج السائق بمواصفات مهنية دقيقة.

ومن بين النقاط الهامة التي يجب التركيز عليها لبناء سائق مؤهّل، حسب المختصة، الفحص النفسي والمهني الإجباري، مؤكدة: “لا يمكن أن يكون سائق حافلة مسؤولا عن عشرات الأرواح دون تقييم دوري لقدراته، يشمل الصحة النفسية، والقدرة على التحكم في الضغط، وردّات الفعل المهنية، على غرار ما هو معمول به في الدول الأوروبية”. وقالت إن المراقبة الدورية وتجديد الكفاءة أمران ضروريان. فالسائق المؤهّل يجب أن يُراجع تكوينه كل خمس سنوات في مجال قيادة الحافلات، أو عند ارتكاب مخالفات خطيرة، أو عند تغيّر ظروف العمل؛ لأن المهارات لا تُكتسب مرة واحدة فقط، بل تتجدد باستمرار.

وأضافت المتحدثة أن من بين العناصر الأساسية لبناء سائق محترف، ربط رخصة السياقة بنظام الرخصة بالنقاط. فالسائق المؤهّل، حسبها، هو الذي يحترم قانون المرور وليس فقط من يجتاز الامتحان ويتحصل على الرخصة. ويجعل نظام النقاط السائق أكثر انضباطًا ومسؤولية، ويدفعه إلى مراجعة سلوكه بعد كل مخالفة؛ لأن كل نقطة تُسحب تعني اقتراب سحب الرخصة.

تجهيز الحافلات بأنظمة المراقبة يحقق سلوكا مؤهلا

ترى جمعية الممرنين المحترفين أن تجهيز الحافلات بأنظمة المراقبة، بات ضرورة للوصول إلى سائق محترف، لأنها تسمح بمراقبة السرعة، والفرملة، والتوقفات، وحتى السلوك داخل الحافلة، عبر كاميرات داخلية، وجهاز مراقبة السرعة، ونظام تتبّع. وتؤكد فرحات أن السائق الذي يعرف أنه مراقَب يحترم القانون أكثر.

وختمت محدثة “المساء” بالتأكيد على أن حوادث المرور المرتبطة بحافلات النقل الجماعي، شهدت خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعا مقلقا، يشكل مؤشرا خطيرا، يستدعي الوقوف عنده بجدية، بالنظر إلى الانعكاسات الكارثية التي تمس الأرواح البشرية، وتؤثر على ثقة المواطن في منظومة النقل الجماعي. وشددت على أن حوادث الحافلات ليست مجرد أرقام عابرة، بل ناقوس خطر يكشف خللا عميقا في منظومة النقل العمومي. فـالحافلة بطبيعتها وسيلة نقل جماعية. وأي حادث يقع لها تكون نتائجه مضاعَفة. وتتحول الأخطاء البسيطة إلى خسائر فادحة، يكون فيها سائق الحافلة الحلقة الأقوى والأخطر في آن واحد.


الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية والأمن عبر الطرق:

التعجيل بدراسة ومناقشة مشروع قانون المرور الجديد

دعا رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية والأمن عبر الطرق، علي شقيان، على خلفية الحادث الأليم الذي وقع بولاية بني عباس وأودى بحياة أكثر من 13 مسافرًا وإصابة 35 آخرين من بينهم حالات حرجة إثر انحراف وانقلاب حافلة لنقل المسافرين على مستوى الطريق الوطني رقم 50 باتجاه بشّار بلدية ودائرة تبلبالة، الجهاتَ المعنية إلى التحرك العاجل بعد تفاقم حوادث المرور ببلادنا وما تخلفه يوميا من ضحايا وخسائر بشرية ومادية فادحة. وأكد أن الفاجعة الأخيرة باتت تفرض، وبإلحاح شديد، التعجيل في دراسة ومناقشة مشروع قانون المرور الجديد في أقرب الآجال.

وأوضح رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية، علي شقيان، في تصريح لـ"المساء”، أنه أصبح من الضروري بل ومن الملحّ، تفعيل الآليات القانونية والتنظيمية العصرية، التي من شأنها كبح هذا النزيف الدموي على الطرقات، وتعزيز منظومة الوقاية والردع، وتحديث أدوات الرقابة اللازمة، وترقية الثقافة المرورية بما ينسجم مع التحديات الراهنة.

ولفت شقيان إلى أن المسؤولية الجماعية تحتّم على الجميع، مؤسساتٍ ومجتمعا مدنيا، بذل كل الجهود اللازمة بوتيرة استعجالية؛ من أجل حماية الأرواح، والحفاظ على أمن الطرقات، وإرساء منظومة مرورية آمنة تتوافق مع المعايير الحديثة، وتستجيب للواقع الميداني. وتساهم في الحد من إرهاب الطرق، الذي لايزال بين الفينة والأخرى يحصد أرواحا بريئة في مجازر مرورية مروّعة