في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
ترسانة من القوانين لحماية حرائر الجزائر
- 144
أحلام محي الدين/ نور الهدى بوطيبة
تحتفل الجزائر على غرار دول العالم، بمناهضة العنف ضد المرأة المصادف لـ 25 نوفمبر من كل سنة، وسط ترسانة قانونية تؤكد الحماية الفولاذية للمرأة من كل المخاطر المحدقة بها. إذ جاء قانون العقوبات صارما مع كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على حقها في أي باب من الأبواب، مؤكدا حمايتها من كل أنواع العنف، مشجعا لها على عدم الصمت والرضوخ للظلم لا سيما من القريب، الذي طالما كان السكوت عن ظلمه جرما في حق النفس. اليوم نعرض عليكم ما جاء به دستور 2020 وما قبله من تشريعات حامية للمرأة، الى جانب نصائح المختصين والدين الحنيف للحفاظ على الصحة النفسية والعقلية.
* أحلام محي الدين
لا للعنف اللفظي والجسدي والجنسي
يُعد القانون الجزائري درعا فولاذيا حاميا للمرأة من كل أشكال العنف؛ إذ كرس دستور 1996 الدور السياسي للمرأة، وكفل مبدأ عدم التمييز على أساس النوع، وكذا دستور 2020، الذي نص على حماية الدولة المرأةَ في كل الأماكن والظروف؛ في الفضاء العمومي، وفي الحياة المهنية والخاصة في المادة 40. كما نص على حماية الدولة حقوق الطفل والأسرة، مع مراعاة المصلحة العليا للطفل، وأن القانون يعاقب كل أشكال العنف ضد الأطفال، مثل ما ورد في المادة 71.. اليوم وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الموافق لـ 25 نوفمبر من كل سنة والذي صادقت عليه الجزائر لحماية حرائرها، عادت "المساء" للتذكير بمجموعة القوانين التي عرضها مختصون.
بهدف حماية المرأة من العنف أقرّ المشرّع أحكاما ردعية في العديد من القوانين، التي عرفت تعديلات هامة، لا سيما في سنوات: 2015، و2020 و 2024. ونذكر بعض صور هذا العنف المنصوص عليها كما يلي:
بموجب تعديل قانون العقوبات سنة 2015 أدرجت مواد جديدة لمكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة؛ سواء كان عنفا ماديا لفظيا أو نفسيا، أو جنسيا، وذلك على النحو التالي:
العنف المادي الصادر من الغير يتمثل في أفعال الضرب، والجرح، وأعمال العنف أو التعدي. وتختلف العقوبة بحسب نتيجة ما ترتّب عنه العنف؛ إما:
- عجز، (عجز كلي عن العمل أو مرض يزيد عن 15 يوما) - عاهة مستديمة (بتر أحد الأعضاء أو فقد أحد العينين...) - وفاة دون قصد إحداثها - عقوبة تتراوح من سنة حبسا و500 ألف دج غرامة إلى 20 سنة سجنا و2 مليوني د.ج غرامة. (المادة 264ق.ع)
إذا وُجد سبق إصرار أو ترصد أو استعمال سلاح تشدَّد العقوبة حسب الحالات الثلاث. العقوبة تتراوح ما بين 5 سنوات سجنا والسجن المؤبد (المادة 265 قانون العقوبات). وكذا العنف المادي الصادر من الزوج.
المادة 266 مكرر من قانون العقوبات تنص على حماية الزوجة من الاعتداءات العمدية التي تلحق بها جروحا أو عاهة أو بتر أحد أعضائها أو الوفاة.
وتختلف العقوبة حسب نتيجة ما ترتّب عنه العنف، إما: عجز أقل من 15 يوما عجزا أكثر من 15 يوما) بتر أحد الأعضاء أو عاهة مستديمة. والوفاة دون قصد إحداثها، فإن العقوبة تتراوح من سنة حبسا إلى السجن المؤبد.
وفي ما يخص الصفح من قبل الضحية، فإنه يضع حدا للمتابعة في الحالة 1 و2 - الصفح يخفف من العقوبة في الحالة الثالثة.
وفي ما يخص الحالات التي لا يستفيد منها الفاعل من ظروف:
1- إذا كانت الضحية حاملا أو معاقة. 2- إذا ارتكبت الأفعال بحضور الأبناء القصّر أو تحت التهديد بالسلاح.
وفي ما يخص العنف اللفظي الصادر من الغير، مثلا القذف : الموجه إلى الأفراد (سواء رجل أو امرأة)، بعقوبة قد تصل إلى 6 أشهر حبسا و50 ألف د.ج غرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين. (المادة 298 ق.ع)
أما عن السبّ: الموجه إلى فرد أو عدة أفراد بالحبس، فبعقوبة قد تصل إلى 3 أشهر حبسا، و25 ألف د.ج غرامة. (المادة 299 ق.ع). وتضاعَف العقوبة إذا ارتُكبت الجريمة باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
وفي ما يخص العنف اللفظي الصادر من الزوج: فإن القانون يجرم أي شكل من أشكال التعدي أو العنف اللفظي أو النفسي المتكرر من الزوج أو المعاملة المهينة.
-الإثبات في العنف الزوجي بكافة الوسائل، العقوبة قد تصل إلى 3سنوات حبسا. المادة: 266 مكرر1، علما أن صفح الضحية يضع حدا للمتابعة. أما في الحالات التي لا يستفيد منها الفاعل من ظروف التخفيف، - إذا كانت الضحية حاملا أو معاقة. - إذا ارتكبت بحضور الأبناء القصر أو تحت التهديد بالسلاح.
بخصوص العنف الجنسي: المضايقات في مكان عمومي بالقول أو الإشارة الخادشة لحيائها. العقوبة قد تصل إلى 6 أشهر حبسا، و100 ألف د.ج غرامة، أو بإحدى العقوبتين. وتضاعَف العقوبة إذا كانت الضحية قاصرا لم تكمل 16 سنة.(المادة 333 مكرر2 ق.ع)
أما في ما يخص الاعتداء الذي يمس بالحرمة الجنسية للضحية، فالعقوبة قد تصل إلى 3 سنوات حبسا، وغرامة قد تصل إلى 500 ألف د.ج. وتشدد العقوبة التي قد تصل إلى 5 سنوات حبسا.
-إذا كان الفاعل من المحارم أو كانت الضحية قاصرا دون 16 سنة، -إذا كانت الضحية ضعيفة أو مريضة أو معاقة بدنيا أو ذهنيا أو عاجزة بدنيا أو حاملا.(المادة 333 مكرر3)
وعن الفعل المخل بالحياء فالعقوبة قد تصل إلى 20 سنة سجنا، وقد تصل إلى عقوبات أشدّ. (المادة 337 ق.ع)
وفي ما يخص الفواحش بين ذوي المحارم، فإن العقوبة قد تصل إلى 20 سنة سجنا. (المادة 337 مكرر ق.ع)
وعن التحرش الجنسي والمتعلق باستغلال شخص سلطته أو وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار أوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه والضغوطات قصد الإجبار على الاستجابة لرغباته الجنسية، فإن العقوبة قد تصل إلى 3 سنوات حبسا و300 ألف د.ج غرامة (المادة 341 مكرر ق.ع) - تشدد العقوبة لتصل إلى 5 سنوات حبسا و500 ألف د.ج غرامة.
وإذا كان الفاعل من المحارم أو إذا كانت الضحية قاصرا دون 16 سنة أو ضعيفة أو مريضة أو معاقة أو عاجزة بدنيا أو ذهنيا أوحاملا، وفي حالة العود تضاعَف العقوبة.
وفي ما يخص الاغتصاب فالعقوبة قد تصل إلى 10 سنوات حبسا. وتشدَّد العقوبة لتصل إلى 20 سنة سجنا في حالة: - اغتصاب قاصر لم تكمل سن 18.(المادة336ق.ع) - أو في حالة توفر لدى الجاني صفة من صفات القرابة أو لمن له سلطة عليه (كمعلم، أو من رجال الدين، أو خادما.....) أو إذا استعان الجاني مهما كانت صفته، في ارتكاب الجريمة، بشخص أو أكثر. - وقد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد. (المادة 337 ق.ع).
* أحلام محي الدين
"رفقاً بالقوارير"
المتصفح في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف يلاحظ الكمّ المعتبر من الحقوق والعدل الذي أولاه الخالق عز وجل لجميع عباده؛ حتى لا يطغى بعضهم على بعض. كما نالت المرأة حقها من الحقوق والكرامة والحفظ؛ فهو خالقها، والمحيط بها والعالم بكل أحوالها وتفاصيلها.
وإعلاءً لقدرها، جاء كثير من سور القرآن الكريم حاملاً لتفاصيل الحقوق والمعاملة. سور بأسماء النساء بداية من "النساء" ، مرورا بـ«مريم" ووصولا إلى "الممتحنة" و«المجادلة" . فالمتصفح في سورة "النساء" يرى أنها أحاطت بكل شؤون المرأة، بما في ذلك الحقوق، والميراث، والتشريعات المتعلقة بها. كما تُعرف سورة "الطلاق" بسورة "النساء الصغرى" . وتختص بأحكام الطلاق، وما يتعلق به من شؤون الزوجية؛ لحماية المرأة من كل الجوانب، وإعطائها حقها كاملا. كما تتحدث سور أخرى عن نساء تحدين الطغيان والطغاة؛ مثل السيدة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون. وأخرى صادق القرآن على رجاحة عقلها وتحليلها للأمور، وهي ملكة سبأ؛ بلقيس. كما جاءت السنة النبوية حبلى بالوصايا. ويكفي دليلا أن المصطفى، عليه أزكى الصلوات والتسليم، في حجة الوداع أوصى بالصلاة، وبالنساء.
كما علّمنا النبي، صلى الله عليه وسلم، كيف تكون المعاملة بالرفق واللين، فقد كان يسمع ويفهم ويساعد حتى في أشغال البيت؛ رأفة بزوجاته، مع الإشارة الى الحماية، والرعاية، والعدل في الحقوق، والمعاملة الحسنة، مع التأكيد على وجوب الاستشارة، واحترام قرار الزوجة؛ فالنبي كان يستشير زوجاته، وهذا ما يرسخ الاحترام، ويجعل العلاقة متوازنة.
وأكثر ما يجعل المرأة سعيدة، حسب ما يشير إلى ذلك المختصون النفسانيون والاجتماعيون، المعاملة الحسنة، والاعتراف بالتعب والمجهود؛ فكم من امرأة تتورم قداماها من الوقوف في المطبخ وإعداد أعمال البيت! وأخريات يعملن خارج البيت وداخله ولا يسمعن حتى كلمة طيبة في آخر اليوم من الشريك أو الأبناء! بل هناك من تشتهي من يربت على كتفها فقط؛ كتعبير عن الامتنان، والمؤازرة، وشكر الجميل ولو من بعيد.
جرعات الحنان والتقدير التي تقدم للمرأة من طرف الزوج أو أفراد العائلة تُشعرها بالحب، والاهتمام. كما إن الاستماع لها وفهم احتياجاتها من طرف الشريك على وجه الخصوص، يشعرها بالرضا والسعادة. وتحب المرأة أن تشارك أحزانها وأفراحها؛ لأن هذا الأمر يعكس الاهتمام الكبير من قبل الزوج؛ ما يزيد من قوة العلاقة، ومتانتها. المرأة والأرض سيان؛ كلاهما تحتاج لغيث ينزل ليغير تفاصيلهما؛ فالأرض تنبت حبا ونباتا، والمرأة تسقي حبا ورفاها ... فكلما كانت المرأة في راحة نفسية وجسدية وصحية، كلما كان البيت أفضل، والمجتمع في رقي وازدهار.
* أحلام محي الدين
الضغط النفسي شكل آخر من التعنيف
ربات بيوت بين الواجب العائلي والمجتمع
ارتأت "المساء" تسليط الضوء على شكل آخر من أشكال العنف ضد المرأة لا يقل خطورة عن العنف الجسدي، وهو العنف النفسي، بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يبدو الحديث عنه اليوم، أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في ظل ما تعيشه بعض الزوجات من ضغوطات إثر ذلك، خاصة أن العنف النفسي يبقى الأقل اعترافا رغم انتشاره الواسع، لا سيما في مجتمع لايزال يحمّل المرأة وحدها مسؤولية العائلة مهما كان ذلك على حساب صحتها أو نفسيتها. ويصبح التبليغ عن الإساءة النفسية خطوة صعبة، بل ومحرجة أحيانا؛ إذ تجد المرأة نفسها مطالَبة بالصبر بدلا من طلب الحماية أو العلاج.
ولفهم انعكاسات هذا العنف كان لـ "المساء" حديث مع الأخصائي النفساني عبد الرحمان لعقال، الذي أكد أن أغلب النساء اللواتي يلجأن إليه لا يدخلن العيادة بشكوى مباشرة من "عنف نفسي"، بل بأعراض تبدو متفرقة، وغير مترابطة؛ قلق مستمر، أرق، نوبات بكاء، فقدان الشهية، أو عكس ذلك؛ الأكل الشره، تعب ذهني، فقدان التركيز، وغيرها من الأعراض الأخرى التي تجعل أبسط المهام اليومية مرهقة. ومع مواجهة الواقع خلال الجلسات يتضح أن المشكل ليس جسديا وإنما ضغط وتوتر في العلاقة الزوجية، التي تكون غير متوازنة، تقوم على الإهانة، أو السيطرة، أو التجاهل.
ويوضح المختص أن العنف النفسي يبدأ غالبا بخطوات صغيرة؛ كتعليق بريء يهدف إلى النصح. انتقاد يعاد حتى يصبح جزءاً من الحوار اليومي، أو مقارنة تُضعف ثقة المرأة في نفسها، ليكون أحيانا أكثر قوة؛ كالسب والشتم، ليتحول هذا السلوك إلى تحكم في العلاقة والسيطرة عليها، أو التقليل من قيمة رأي المرأة، أو حرمانها من اتخاذ قرارات تخص حياتها، أو دفعها الى التخلي عن حقوقها المادية، أو حتى محاولة أخذ ما لديها من مالها الخاص رغما عنها، وغيرها من صور التعنيف النفسي، الذي تحاول المرأة تحمُّله الى حد بلوغ مرحلة لا تتمكن فيها من وضع حد لتلك المعاناة. وأضاف لعقال أن بعض الأزواج يلجأون إلى تهديدات ثقيلة؛ مثل التهديد بالطلاق، أو بحرمانها من أطفالها؛ ما يجعل المرأة تعيش في حالة توتر دائم، وخوف من التعبير عن رأيها، ممارساً عليها مختلف أساليب السيطرة، خصوصا إذا كان من النوع النرجسي، ليتحكم فيها حينها بطريقة تشعرها أنها مختنقة بين نارين.
حذار من انهيار تقدير الذات
وأكد الأخصائي أن التأثير الأخطر للعنف النفسي هو انهيار تقدير الذات، وفقدان الثقة في النفس، وحتى في المجتمع. فالمرأة التي تسمع يوميا أنها لا تفهم أو لا قيمة لها أو فاشلة خصوصا من المرأة الماكثة في البيت، يجعلها ذلك تشعر أن لا قيمة لها، فتبدأ شيئا فشيئا في الاقتناع بأن الخلل فيها، وليس في السلوك المؤذي الذي تتعرض له. وعندما تصل إلى هذه المرحلة يصبح الخروج من دائرة العنف أصعب بكثير؛ لأنها تفقد الثقة بقدرتها على اتخاذ قرار، أو بناء حياة مختلفة، والخروج من مأزق العنف النفسي الذي تعيشه.
وقال لعقال إن العامل الاجتماعي يلعب دورا كبيرا في استمرار العنف النفسي، فالعديد من النساء يترددن في طلب المساعدة؛ خوفا من ردود فعل المحيط أو الأحكام الملقاة عليها، أو خوفا من تفكك الأسرة، خصوصا أن كثيرا من العائلات تنصح المرأة بالصمت تحت شعار التستر على المشاكل الزوجية وليس البحث عن حلها أو مناقشتها؛ ما يجعل المعنّفة تعيش صراعا داخليا بين محاولة حفظ كرامتها والخوف من نظرة المجتمع. وهذا الصمت يؤدي الى تفاقم الأذى، وتحويل البيت الى مصدر ضغط يومي.
وأكد محدث "المساء" أن غياب الوعي بالعنف النفسي في المجتمع، يعود أيضا إلى نقص التربية العاطفية داخل الأسر؛ فالأجيال غالبا نمت على اعتبار الصراخ من الرجل حزما، والانتقاد نصحا، والغيرة المبالغة حبا، وأن المرأة لا رأي لها، وبذلك يجد الكثيرون صعوبة في التمييز بين العلاقة الصحية والعلاقة المؤذية، خصوصا أن بعض الرجال يُظهرون سلوكيات عنيفة نفسيا دون إدراك أنها كذلك، لا سيما إذا كانوا شاهدين على نماذج تربوية سابقة داخل أسرتهم، أو يعيشون ضغوطا اقتصادية واجتماعية، تعاد طرحها في المنزل على شكل توتر، وعدوان لفظي.
وفي الأخير، نبّه المختص الى أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في عدد النساء اللواتي يلجأن إلى مختصين نفسيين لحل هذه النزاعات الداخلية. هذا التطور، حسبه، وإن كان بطيئا، يعكس بداية وعي مجتمعي بأن العنف النفسي ليس خلافا في العلاقة، بل حالة خطيرة تؤثر على الصحة النفسية والجسدية معا. وقد تؤدي إلى اكتئاب حاد أو اضطرابات خطيرة إذا لم يتم التعامل معها في الوقت المناسب.
* نور الهدى بوطيبة