الشاعر الطبيب عزيز تبرغنت لـ "المساء":
الالتزام والذكريات منهج شعري
- 100
مريم. ن
يكتب عزيز تبرغنت الشعر ليسجل فيه ذكرياته وليكون أيضا كلمته التي يعبر بها عن مواقفه من قضايا شتى ،جاعلا من هذا الشعر صرخة في وجه الطغيان ووقوفا مع الإنسانية والقضايا العادلة عبر العالم . إنه الشاعر الملتزم والطبيب المداوي لجراح الذاكرة والروح والمتفائل دوما بواقع أفضل مما كان.
التقت "المساء"، مؤخرا، الدكتور عزيز تبرغنت (طبيب وأستاذ بجامعة الجزائر وجامعة باريس) ليحدثها عن بعض من الذكريات التي غالبا ما يسجلها في دواوينه الشعرية المكتوبة باللغة الفرنسية. تحدث الطبيب الشاعر عن بعض تلك الذكريات منها تلك التي تعود لفترة حرب التحرير حيث بقيت أكثر من غيرها عالقة في مخيلته إلى حين إصداره مجموعته الشعرية الأولى بعنوان "على دروب الذاكرة"، لتكون إشارة الانطلاق، علما أنه كان حينها مدفوعا بنشوة الاستقلال الوطني، ومدفوعا أيضا بتضحيات الأجيال المتعاقبة.
ولد الشعر ناضجا عند الدكتور عزيز كان ذلك في عمر المراهقة بفعل أهوال الثورة ومنذ ذلك الحين أصبح صوته الذي لا يسكت أبدا يخرج أفكاره وقناعاته وأحاسيسه الفياضة ، ومما ذكره لـ"المساء" أنه كان في سن الـ15 سنة حين حصولنا على الاستقلال أي في سنة 1962 ، وتلك الأثناء شعر بالصدمة حين رأى امرأة شابة تختصر كل صور ومعاني البؤس الذي ورثته من زمن الحرب والاستعمار ، كانت المسكينة تشتكي حالها بحرقة، بعد أن فقدت عائلتها خلال الثورة، مما جعل الدكتور عزيز يتأثر ويحس بالحزن في عز فرحة الاستقلال والحرية.
هذا الإحساس القاسي ولّد عند الدكتور عزيز غضبا وثورة انفجر في قصائده ، بل ظل أيضا دعوة لكل الشعوب المقهورة للنضال وصد الظلم والاستعمار. يقول المتحدث إن هذا الإحساس لم يكن مقتصرا عليه بل كان عند الكثيرين من أبناء جيله (الأطفال والمراهقين) الذين شهدوا ويلات الحرب وقسوة الحرمان والقهر ما كان يمثل لهم حافزا للنجاح والصمود والمساهمة في بناء الجزائر المستقلة الفتية.
وكغيره من هذا الجيل حلم الشاعر عزيز بغد أجمل يعوض به كل أشكال الحرمان والإذلال والمخاوف والتعذيب، وكانت هذه الذكريات ضرورية لكل ذلك التحدي ، والبداية كانت باحتفالات جويلية 62 فهي في حد ذاتها تحد وانتصار على العدو ، وفيها شهدت الجزائر هبات الجماهير للبناء والتطوع من ذلك الأيام الوطنية لغرس الأشجار مثلا. قال الشاعر أيضا إنه وثق دور المرأة الجزائرية خلال ثورة التحرير من ذلك مشاركتها في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بالعاصمة، حاثا على ضرورة تدوين ذاكرتنا الثورية الوطنية كي لا تبقى مثل الشبح بل تخرج للعيان علما أنها تتطلب البحث المستمر.
بالمناسبة تذكر الشاعر قصيدته الجميلة "الشعر في البشرة والغناء في الشفاه"وهي قصيدة طويلة عصماء مهداة لتضحيات النساء الجزائريات شقائق المجاهدين اللواتي شجعن على الجهاد وحمل السلاح ومواجهة المستعمر وأبدعن أجمل الأغنيات التي كانت المحفز على مواصلة الدرب، وذكر أيضا الأطفال زمن الثورة من خلال كلمة "يا ولد يا ولد" التي كانت تسمع في شوارع وساحات المدن للمناداة على الصغار من أبناء شعبنا وهم يحملون عدة تنظيف الأحذية وهي صورة مشينة طبعت تلك الفترة ، واستحضر المتحدث أيضا قصيدته "القلتة الحمرا" من تاريخ 11 ديسمبر 1960 حين استشهد صديقه فيها ويصف فيها صوت الشهيد وهو ينادي على أمه لتقبله وتغطيه بالحايك الذي هو كفنه. توالت بعدها عشرات القصائد وبعض الدواوين الجميلة التي كان الدكتور عزيز يقدمها لقرائه حين تجواله عبر العديد من ولايات الوطن كي يقرأها ويشرح خلفياتها عن قرب لجمهوره الوفي.
حين التقته "المساء" بالطبعة الأخيرة لسيلا 2025 قرأ الدكتور لها بعضا من ديوانه الصادر حديثا والذي باعه بالإهداء وهو بعنوان "على دروب عشقي" وفيه يذكر سفرياته للعديد من مناطق الوطن كما يخصص جزء لفلسطين الجريحة ابتداء من صور الانتفاضة التي يسميها زمن رمي الحجر وليقرأ بالمناسبة قصيدة "إنها تمطر بغزة" والمقصود منها –حسبه- أن القنابل تنزل كالمطر على رؤوس الأبرياء بغزة وتزداد الصورة فظاعة كلما نزلت على الأطفال والرضع .
توقف المتحدث أيضا عند صور الكتاب منها لوحات لفنانين جزائريين من مختلف الولايات كان قد التقاهم في معرض فلسطين الذي أقيم بقصر الثقافة بالعاصمة واقترح عليهم مرافقتها مع قصائده علما أنه قدم بيبليوغرافيا لكل واحد من هؤلاء الأمر الذي سرهم كثيرا ، كما تضمنت بعض قصائده واللوحات المرفوقة عناوين هي في الأصل شعارات مظاهرات غربية منددة بالعدوان. من القصائد المهداة أيضا لفلسطين هناك قصيدة قرأها لـ"المساء" بعنوان "الوردة السوداء" يقول فيها أنه لا يمكنه أن يهدي الوردة السوداء لحبيبته لأنها مطلية بالدخان والرماد لكن بعد أن زال ذلك كله وظهر جمال الوردة وخصبت الأرض ظهرت معها فلسطين مجددا جميلة ، ليتبع هذه القصيدة بأخرى عنوانها "روح فلسطين".