قصر رياس البحر يفتح ملف علم الآثار الوقائي
دعوة لإدراج التراث الوطني في مشاريع التنمية
- 127
ق. ث
احتضن مركز الفنون والثقافة بقصر رياس البحر، أول أمس، يوما دراسيا وطنيا حول علم الآثار الوقائي ودوره في خدمة التنمية المستدامة على ضوء قراءات في التجارب الوطنية، وذلك بالتنسيق مع المركز الوطني للبحث في علم الآثار.
ناقش اللقاء السبل العلمية والعملية التي تضمن حماية التراث الأثري في ظل التحولات العمرانية التي تشهدها البلاد، وتحديد آليات تعزيز النهج الوقائي كخيار استراتيجي يوازن بين حماية الذاكرة التاريخية ومتطلبات التنمية الاقتصادية.
في كلمة ألقاها نيابة عن وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة - مدير الحماية القانونية للتراث عمار نوارة - أكدت الوزيرة على أن هذا اللقاء يأتي في سياق الاستراتيجية الوطنية الرامية إلى دمج الدراسات الأثرية في مسار التخطيط للمشاريع التنموية، مشيرة أن حماية التراث ليست مجرد عملية تقنية أو إجراء إداري، بل هي ركيزة لبناء الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء، باعتبار أن التراث يشكّل الذاكرة الحية التي تربط الماضي بالحاضر وتؤسس للمستقبل.
كما دعت السيدة الوزيرة إلى ضرورة تسريع مشاريع التهيئة والحماية عبر اعتماد تقنيات حديثة مثل الخرائط الرقمية والنمذجة ثلاثية الأبعاد والتصوير المسحي، وهي أدوات باتت ضرورية لضمان حماية فعالة للمواقع الأثرية، وشددت على أهمية التنسيق بين المؤسسات الحكومية والمتعاملين الاقتصاديين لدعم البحث العلمي وتمويل عمليات الجرد والترميم، مؤكدة أن نجاح هذه الجهود مرتبط ببناء شبكة وطنية للتكوين والبحث والابتكار في مجال التراث.
كما أبرزت الدكتورة آمال سلطاني، مديرة المركز الوطني للبحث في علم الآثار، أهمية هذا اللقاء في جمع الخبرات والباحثين من مختلف الجهات بهدف دعم مسار البحث الميداني، مشيرة إلى أن المشاريع الدولية المنجزة خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها مشروع تهيئة ساحة الشهداء بالعاصمة، قد مكنت من الكشف عن معطيات أثرية ثمينة أعادت تشكيل صورة المدينة التاريخية.
كما أكدت سلطاني أن المركز يواصل العمل على تقديم قراءات أثرية جديدة عبر مقاربات علمية متطورة تعتمد على نتائج الحفريات الميدانية، مبرزة الدور الحيوي للقطاع الاقتصادي في دعم المشاريع العلمية، سواء من خلال التمويل أو توفير التجهيزات المتقدمة. واعتبرت أن استمرار الشراكات الوطنية والدولية ضروري لمواصلة التقدم في مجال الأبحاث الأثرية الوقائية. عرف البرنامج سلسلة من المداخلات العلمية التي قدمها باحثون وخبراء من المركز الوطني للبحث في علم الآثار ومراكز بحث أخرى، إضافة إلى متعاملين اقتصاديين مرتبطين بمشاريع تنموية كبرى.
افتتح الدكتور مداد كمال من المركز الوطني للبحث في علم الآثار الجلسة الأولى بمحاضرة حول علم الآثار الوقائي ورهانات التنمية المستدامة، مسلطاً الضوء على الحاجة إلى إدماج هذا التخصص بشكل مؤسسي في كل المشاريع العمرانية. تلتها مداخلة الدكتورة شيخ لونيس ليلى التي عرضت نموذج موقع "بلاد الحدبة" بتبسة، من الحفريات الوقائية إلى جهود الحفظ والتثمين، وهو مشروع يبرز نتائج الشراكة بين المركز الوطني وشركة ساميفوس. بدوره تناول ممثل عن شركة ساميفوس تجربة هذه الاخيرة بالشراكة بين المركز الوطني البحث في علم الآثار ،كما استعرض و بلغة الارقام النتائج التي تم التوصل إليها في الخرجات الميدانية، إضافة الى الرؤية المستقبلية وآفاق مشروع الفوسفاط ببلاد الحديقة لولاية تبسة.
أما الدكتور إدير من مركز البحث في عصور ما قبل التاريخ فتناول في مداخلته الحفريات الوقائية في مشروع السكة الحديدية غار جبيلات – تندوف، بينما عرض ممثل شركة سوناطراك تفاصيل المهمة الاستكشافية لآثار الديناصورات في الأطلس الصحراوي. وشملت الجلسات أيضا عرضا قدمه الدكتور عادل وافية حول تدخلات ميدانية في ولاية جيجل كنموذج لتطبيقات الآثار الوقائية.
في الجلسة الثانية، تناول الدكتور ستيتي كمال التجربة النموذجية للحفرية الوقائية بساحة الشهداء، قبل مداخلة ممثل ميترو الجزائر الذي أبرز تجربة الشراكة مع المركز الوطني للبحث في علم الآثار، كما عرض الدكتور لعيشي كمال نتائج الحفرية الوقائية لموقع فردوة بميلة، ليختم الدكتور عريفي إلياس بمداخلة حول تطور علم الآثار الوقائي وأهميته في مواكبة المشاريع التنموية.
اختتم اليوم الدراسي بمناقشة شاملة أثمرت توصيات ركزت على ضرورة إجراء تقييم معمّق لحصيلة اعتماد استراتيجية الآثار الوقائية في الجزائر خلال العقدين الماضيين، مع التأكيد على أهمية توطين المعرفة العلمية وتبادل الخبرات بين الباحثين لإثراء التجربة الوطنية. كما دعت التوصيات إلى فتح حوار متواصل بين الفاعلين الأكاديميين والإداريين والميدانيين بهدف تطوير هذا التوجه العلمي، وإدماج الآليات الوقائية في كل مراحل التخطيط للمشاريع التنموية، وتم التأكيد كذلك على تعزيز التعاون بين وزارة الثقافة والفنون والقطاعات الوزارية الأخرى لضمان حماية استباقية للتراث دون تعطيل المشاريع الاقتصادية، إلى جانب رفع مستوى الوعي المجتمعي وإعادة النظر في الإطار التشريعي بما يواكب متطلبات هذا المسار العلمي الحيوي.