«مواهب فنية في حضرة نوفمبر" بقصر "مصطفى باشا"
الحروف المتناثرة تضبط إيقاع ميزانها بعيدا عن الفوضى
- 119
مريم. ن
يحتضن المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بقصر "مصطفى باشا" بالقصبة السفلى إلى غاية 15 نوفمبر الجاري، معرضا بعنوان "مواهب فنية في حضرة نوفمبر" وذلك في إطار إحياء الذكرى الـ71 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، حيث يجمع هذا المعرض بين الفن والتاريخ، ويجمع أيضا بين الفنانين ياسين عيسو ومحمد مبروك بكة اللذين يقدّمان لمسات فنية راقية تجمع بين الأصالة والجمال، زيادة على تنظيم ورشات للخط العربي لفائدة الجمهور الزائر.
تعكس لوحات المعرض ذلك التناسق بين الأصيل والمعاصر، خاصة في الخط العربي والمنمنمات، وهما يشكّلان وجها من أوجه الثقافة والهوية الجزائرية التي بقيت صامدة خاصة في الفترات الصعبة، وقد برز من خلال الكثير من اللوحات كلاسيكيات الحرف العربي منه النسخ والثلث الجلي والديواني، مع تزيينها بالزخرفة، إضافة إلى ذلك الاكتساح لفن الحروفيات الذي استطاع الإفلات ولو فنيا من القوالب التقليدية.
حروف مبعثرة لكن ذات دلالة
في بعض اللوحات للفنان عيسو ظهرت بعض الحروف المتناثرة والمبعثرة تماما كالفوضى الخلاقة كما برز في حروف الخط الديواني، الأمر الذي منح هذه الحروف حركة وحيوية في صورة ثابتة، يظنّها الرائي متحرّكة أو على الأقل تدور في فلك اللوحة. تتجسّد الحروفيات بشكل مرن ومبتكر، وتتقابل الألوان والحروف في تناغم وحوار عميق يستحضر أحيانا نفحات من التراث والماضي الزاخر بالإبداع، ويبدو إطلاع الفنان واضحا للتراث وأصالة هذا الفن الإسلامي بامتياز ما منحه إمكانية تطويع الأشكال وعلى رأسها الحروف إبداعيا وبكلّ حرية وثبات وخبرة دون المساس بهيكل وقواعد الخط الأصيلة، ناهيك عن القيمة الروحية التي تجعل من هذا الفن ذو بعد يصل إلى القدسية.
تعدّدت الأساليب في لوحات الفنان ياسين، ما يجعل الاكتشاف أكثر تنوّعا وعمقا فاللوحات لا تتكرّر وتنتهج في أغلبها الاستقلالية عن بعضها البعض. استعمل الفنان مثلا الحبر الأسود الصيني على القماش، وفي لوحات أخرى تطايرت الحروف كالفراشات أو كأسراب الطيور المهاجرة، فيما تشهد لوحات أخرى اكتظاظا في الحروف ومع ذلك لم يختل الميزان ولا الإيقاع.
في اللوحات التي عرضت ببهو قصر "مصطفى باشا" في إحدى الغرف تمثّلت الحروف من خلال اللمسة التقليدية وكذا العصرية وجرّب عليها الأسلوب الانطباعي والتجريدي وامتلأت فضاءات اللوحات بالألوان كان بعضها خافتا، فيما كتبت كلمات بالتوازي وهي ضمن أشرطة تمتد من أعلى لأسفل اللوحة ربما هو تعبير عن سلطة اللغة (قضبان)، وتعطّرت لوحات أخرى بطيب الكلم منها آيات قرآنية كخواتيم سورة البقرة المباركة، أو المعوذتان أو البسملة والحوقلة والشهادتان و«قولوا للناس حسنى" وفي هذه اللوحات زينت حوافها بالتزهير والمنمنمات. للإشارة، الفنان ياسين عيسو متخرج أيضا من مدرسة الفنون الجميلة بتيبازة وشارك في العديد من المعارض.
الموندالا اكتشاف يستحق التجريب
بدوره، عرض الفنان محمد مبروك بكة مجموعته الجميلة في المنمنمات والخط العربي، واستطاع أن يعطي لزخارفه لمسة عصرية، كما قدّم أعمالا كثيرة في فن الموندالا وهو نوع من المنمنمات التي تعرف في مناطق جنوب آسيا وهذا الفن له أشكاله وأنواعه، لكن أساسه هو "الدائرة السحرية" الهندسية المعتمدة على النقطة المركزية بوسط اللوحة والتي تنبثق منها باقي الرسومات والأشكال، مع التركيز دوما على التفاصيل الدقيقة وتحديد الشكل النهائي للوحة قبل البدء في إنجازها.
ارتكزت اللوحات على المنمنمات ذات الطابع الهندسي بتقنيات مبتكرة، وغالبا ما يستعمل الفنان (حسب الشروحات) آلة المدور وقلم الرصاص والمنقلة والتقنيات اللونية علما أنّ الفنان بكة يرسم في هذا النوع منذ سنة 2020 أي خلال جائحة الكوفيد. تعتمد الماندالا الهندسية على الأشكال الهندسية غير المعقدة في الرسم ويكون لكل شكل نقطة مركزية يخرج منها جميع الأشكال الفرعية الأخرى، ومن الممكن أن تكون هذه الرسومات على شكل دوائر أو مربعات أو مثلثات.