الحرف التقليدية والتحول الرقمي
المنتجون مدعوون للانتقال من الورشة إلى المتجر الإلكتروني
- 167
رشيدة بلال
شكل الاحتفال باليوم الوطني للحرفي هذه السنة محطة فارقة في تاريخ الحرفيين، حيث حرص المشاركون في المعارض المنظمة بالمناسبة، على إبراز دورهم الفعال في خدمة السياحة المحلية، من خلال مواكبة التحول التكنولوجى والانتقال من مجرد حرفي بسيط يعمل داخل ورشة ينتظر تسويق منتوجه عبر المعارض، إلى حرفي يعتمد على التسويق الإلكتروني وإنشاء المنصات الخاصة به، للترويج لمختلف الحرف اليدوية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت التحف الفنية، الألبسة التقليدية، الأواني الفخارية، والزرابي الجزائرية مادة جاذبة في العالم الافتراضي، تروج لها المواقع الإلكترونية وتساهم في التعريف بالتراث الجزائري المتنوع.
خلال جولة ميدانية لـ"المساء "بمعرض الصناعات التقليدية المنظم من طرف غرفة الصناعات التقليدية ببلدية أولاد يعيش بولاية البليدة، احتفالًا باليوم الوطني للحرفي الموافق لـ9 نوفمبر من كل سنة، الذي حمل شعار "الحرفي في ظل التحول الرقمي"، لوحظت تجارب ميدانية لحرفيين خاضوا غمار العالم الافتراضي، وواجهوا تحديات التحول الرقمي بمساعدة وتوجيه مختصين أكدوا أن مواكبة التكنولوجيا أصبحت ضرورة ملحّة للحفاظ على الحرف التقليدية وجعلها تساير العصر.
صفحات إلكترونية بدل المعارض
من أولى الملاحظات التي سجلتها المساء في جولتها، حرص الحرفيين المشاركين على إنشاء صفحات خاصة بهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض جميع مشغولاتهم اليدوية. وهو ما يعكس تحول المعارض من وسيلة تسويق رئيسية إلى مجرد محطة رمزية، بعدما أصبح الرهان الحقيقي اليوم هو المنافسة على الظهور في الفضاء الافتراضي.
الحرفية نسيمة ريش، المختصة في صناعة الحلويات التقليدية، تحدثت عن تجربتها قائلة: "أنتمي إلى عائلة تمارس صناعة الحلويات التقليدية أبًا عن جد، لذلك اخترت مواصلة هذا المشوار والحفاظ على هذا الموروث، ولطالما اشتهرت ولاية البليدة بحلوياتها العريقة مثل مقروط اللوز، الدزيريات، البقلاوة، والعرايش بالمكسرات المعطرة بماء الورد". وأردفت: "بدأتُ العمل من المنزل لتلبية طلبات الأقارب والجيران، لكن مع التطور التكنولوجي السريع، نقلت نشاطي إلى العالم الافتراضي".
وأضافت نسيمة أنها أنشأت صفحة خاصة تعرض فيها مختلف الحلويات التي تعدها، وتنشر صورًا احترافية عنها عبر مواقع التواصل، وهو ما ساعدها على توسيع دائرة الزبائن والتعريف بالحلويات التقليدية الجزائرية، مؤكدة أنها لا تزال تتعلم وتطمح لاكتساب المزيد من المهارات في مجال التسويق الرقمي "لأن الحفاظ على حرفة الأجداد اليوم يمر حتمًا عبر التكنولوجيا"، على حد تعبيرها.
من جهتها، تحدثت الحرفية سميرة تيوسارين، المختصة في خياطة الألبسة التقليدية الجاهزة، عن مشاركتها في المعرض قائلة: "أشارك في هذه التظاهرة احتفالًا باليوم الوطني للحرفي، والتعريف بما أقدمه من أعمال تقليدية. وحسبها ولاية البليدة معروفة بالكاراكو، الذي لا يزال يحظى بطلب واسع من المقبلات على الزواج".
وحول علاقتها بالعالم الرقمي، أوضحت أنها أنشأت صفحتها الأولى خلال جائحة كورونا، أين بدأت بعرض الألبسة التقليدية التي تخيطها، ثم أطلقت صفحة أخرى لتعليم الخياطة والتفصيل عن بعد، لاقت تجاوبًا كبيرًا من المتابعين. وأضافت: "التكوين عبر الفضاء الافتراضي في مجال الخياطة ناجح جدًا، وقد شجعني على الترويج للباس التقليدي الجزائري. وتمكنت بفضله من عقد اتفاقات مع مهتمين من خارج الوطن لتسويق الكاراكو وألبسة تقليدية أخرى إلكترونيًا".
وأشارت سميرة إلى أن دخولها العالم الرقمي بدأ بمبادرة فردية، ثم طورت صفحتها بفضل الدورات التكوينية التي نظمتها غرفة الصناعات التقليدية حول كيفية تسيير الصفحات والتسويق عبر الإنترنت، مؤكدة أن الرهان اليوم في الحفاظ على الحرف التقليدية هو في مواكبة التكنولوجيا والاستفادة من فرص التسويق الرقمي.
بين التقليد والرقمنة رهان وتحد
أما الحرفية شهرزاد مكتوفي، المختصة في صناعة اللباس التقليدي البليدي مثل الكاراكو والغليلة والقفطان، فقالت في معرض حديثها إنها لا تزال تعتمد على الطريقة الكلاسيكية في الترويج، حيث تملك ورشة صغيرة تستقبل فيها زبائنها مباشرة. لكنها تؤمن بأن المستقبل للحرف التقليدية مرتبط بالتكنولوجيا، مشيرة إلى أنها تملك صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لكنها لم تتقن بعد فنون الترويج الرقمي. وأضافت شهرزاد:"أتطلع لتعلم التسويق عبر المنصات الإلكترونية والانتقال من الأساليب القديمة إلى الانفتاح على العالم الافتراضي، حتى أتمكن من توسيع نشاطي والترويج للباس التقليدي الجزائري خارج الوطن".
القشابية الجزائرية إلى الأسواق الدولية...
من جهته، أكد الحرفي عبد الكريم سبع، المختص في صناعة القشابية، أن مستقبل الصناعة التقليدية أصبح مرهونًا بمنصات التواصل الاجتماعي، موضحًا أن القشابية التقليدية التي يصنعها بالطريقة اليدوية وصلت بفضل هذه المنصات إلى دول مثل كندا، فرنسا، إسبانيا وسويسرا.
وقال عبد الكريم: "ما زلت أعمل بالطريقة التقليدية داخل الورشة، لكن أبنائي يتكفلون بالتسويق عبر الإنترنت. لقد ساعدنا العالم الافتراضي على الوصول إلى زبائن من الخارج، والترويج اللباس الرجالي الجزائري الذي يعكس تنوع البلاد، بالقشابية البيضاء تميز الشمال، والبنية المناطق الداخلية، والسوداء الشرق الجزائري،وهذا التنوع وحده يستحق الترويج له وتثمينه بالعالم الافتراضي".
الرقمنة ضرورة وليست خيارا
من جانبه، يرى الأستاذ سمير وهاب، المختص في المالية والمحاسبة بجامعة البليدة 1، إن الرقمنة أصبحت خطوة أساسية في مواكبة التطور التكنولوجي، مشيرًا إلى أن غرفة الصناعات التقليدية تعمل في هذا الاتجاه من خلال رقمنة الوثائق وإصدار بطاقة حرفي رقمية. وأوضح أن الهاجس الأكبر للحرفي اليوم هو التسويق، والعالم الافتراضي يقدم له فرصة ثمينة للتعريف بمنتج واستعمال الذكاء الاصطناعي في تصميم الصفحات والترويج لها، ما يسمح للمنتوج الجزائري بالوصول إلى الأسواق الدولية.
لكنه أشار أيضًا إلى أن التحديات لا تزال قائمة، أبرزها ضعف التحكم في اللغة الإنجليزية و الأمية الرقمية لدى بعض الحرفيين، داعيًا الدولة إلى دعم الحرفيين بالتكوين والتجهيزات الذكية وتمكينهم من دخول العالم الرقمي بالتقسيط والتسهيلات، "لأن الحرف اليدوية ليست فقط تراثًا بل موردًا اقتصاديًا وسياحيًا مهمًا".
متاجر إلكترونية ودورات مجانية لدعم التحول الرقمي للحرفي
وفي السياق، أكد مدير غرفة الصناعات التقليدية والحرف لولاية البليدة زروق آيت سعدي، في تصريحه لـ"المساء"، أن الغرفة خصصت في معرض هذه السنة جناحًا خاصًا للحرفيين الذين ولجوا العالم الرقمي ونجحوا في الترويج لإنتاجهم عبر الإنترنت. وأوضح أن الرهان الحالي يتمثل في جعل الحرفي يواكب العصر الرقمي ويستعمل التكنولوجيا الحديثة للتسويق لحرفته، مضيفًا بالقول: "أن الكثير من الحرفيين ينتجون بجودة عالية لكنهم يجدون صعوبة في البيع، لذلك ركزنا على التوعية بأهمية الانتقال من الورشة والمعرض إلى الفضاء الافتراضي، لأن الصناعة التقليدية الجزائرية غنية ومتنوعة وتستحق أن تخرج إلى العالم وتخدم السياحة الوطنية".
وكشف آيت سعدي أن الغرفة، بعد رقمنة بطاقة الحرفي تنفيذا لتعليمات الحكومة الرامية الى رقمنة كل القطاعات، أنشأت منصة إلكترونية خاصة بالتسويق الحرفي، تمكّن كل بان يستفيد من متجر إلكتروني مجاني يعرض فيه منتجاته ومعلومات التواصل الخاصة به، مضيفًا أن الغرفة تتكفل بكل مصاريف التسيير المنصة لتشجيع الحرفيين على دخول هذا العالم الجديد وتسهيل ولوجها إلى العالم الرقمي واكتشاف مزاياه.كما أشار إلى تنظيم دورات تكوينية دورية لتعليم الحرفيين كيفية إنشاء الصفحات، عرض المنتجات، والترويج لها إلكترونيًا.
وأكد في ختام حديثه أن عدد الحرفيين بولاية البليدة في تزايد مستمر، إذ بلغ عددهم وفق لأخر الإحصائيات 13.155 حرفيًا، فيما تمكنت الغرفة من إصدار أكثر من 3.000 بطاقة حرفي رقمية، والعملية لا تزال مستمرة كل هذه المعطيات تؤسس لحرفي يواكب التطورات التكنولوجية الحاصلة ويعيش مقتضيات التحول الرقمي في مجال الحفاظ على الصناعة التقليدية.