المنصات الأدبية

حوارات في الذاكرة والهوية وفلسفة الكتابة

حوارات في الذاكرة والهوية وفلسفة الكتابة
  • 215
د. مالك د. مالك

يُشكّل برنامج المنصات الأدبية والفكرية في صالون الجزائر الدولي للكتاب الـ28 فضاء غنيا للحوار بين أجيال متعدّدة من الكُتّاب والمفكّرين الجزائريين والعرب والدوليين، حيث تتقاطع التجارب الإبداعية مع الأسئلة الفلسفية والتاريخية التي تطبع الأدب الجزائري المعاصر في علاقته بالعالم، بالذاكرة، وبقضايا الحرية والهوية.

تُستهلّ فعاليات الصالون يوم الجمعة 31 أكتوبر بمنصة "تجارب روائية" في فضاء "روح البناف"، التي تجمع الروائية كوثر عظيمي والروائي علاوة كوسة بإدارة عبد الإله عميراش. تمثّل تجربة كوثر عظيمي نموذجًا لكتابة تنبع من التماس بين الألم الشخصي والجرح الجماعي، حيث تستحضر ذاكرة التسعينيات وما رافقها من عنف وتمزق إنساني، لتجعل من الحكي فعل مقاومة ضد النسيان والتهميش. أما علاوة كوسة، فيقدّم من خلال أعماله تجربة سردية عميقة تُسائل التاريخ والسلطة والذاكرة، في لغة تتراوح بين الرمزية والشعرية، وتكشف قلق الإنسان في مواجهة ذاته ومجتمعه. تلتقي في هذه المنصة تجربتان روائيتان تُعيدان صياغة معنى السرد الجزائري الحديث كفضاء للوعي، والحرية، والمساءلة الجمالية والفكرية.

وفي الأحد 2 نوفمبر 2025 تحتضن قاعة المحاضرات الكبرى "آسيا جبار" منصة "رشيد بوجدرة... فلسطين حتى النخاع"، لتسلّط الضوء على موقف الكاتب الإنساني والملتزم من القضية الفلسطينية. يرى بوجدرة في فلسطين امتدادًا طبيعيًا لتجربة الجزائر في مقاومة الاستعمار، ويعتبرها جوهر النضال الثقافي ضد الظلم الإمبريالي والصهيوني. لطالما كان الأدب عند بوجدرة أداة للفضح والمقاومة، لا يقف على الحياد أمام الظلم، بل يدعو إلى نصرة الإنسان وكرامته. ومن خلال هذا اللقاء، يُستعاد البعد النضالي في الكتابة بوصفها التزامًا أخلاقيًا وفكريًا، وجسرًا بين التجربة الجزائرية ونضالات الشعوب الأخرى.

وتتواصل الفعاليات يوم الأربعاء 5 نوفمبر المقبل من خلال محطتين بارزتين. الأولى في فضاء "روح البناف" مع منصة "استغلال الشعوب وتفكيك الهيمنة" التي يقدّمها المؤرخ الأمريكي تود شيبرد، أحد أبرز المختصين في التاريخ الفرنسي المعاصر والدراسات الاستعمارية. من خلال مؤلفاته، مثل "اختراع إنهاء الاستعمار" و«ذكورة ما بعد الاستعمار"، يُعيد شيبرد قراءة العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، مبرزًا كيف أثّرت حرب الجزائر في تشكيل الوعي الفرنسي الحديث ومفاهيم الهوية والذكورة والسيادة. يقدّم هذا اللقاء منظورًا أكاديميًا مختلفًا، يربط التجربة الجزائرية بالسياق العالمي لما بعد الاستعمار، ويفتح نقاشًا حول آليات الهيمنة واستراتيجيات التحرّر.

وفي اليوم نفسه، يستضيف فضاء فلسطين الروائي الكبير واسيني الأعرج في جلسة بعنوان "محنة الكتابة التاريخية وأسرارها"، بإدارة بلقاسم بن عاشور. يُعدّ الأعرج من أبرز الأصوات الأدبية العربية التي جمعت بين الحسّ التاريخي والخيال السردي، إذ تتناول رواياته الذاكرة والمنفى والهوية في نصوص تجمع بين التوثيق والجمال، وتستعيد من التاريخ الجزائري والعربي أسئلة الإنسان في الحاضر. ومن خلال تعدّد لغاته وأساليبه، استطاع الأعرج أن يربط بين الشرق والغرب، والعربية والفرنسية، ليجعل من الأدب مجالًا للتأمل والمقاومة في آنٍ واحد.

أما الخميس 6 نوفمبر، فتُقام منصة "فلسفة الكتابة" في قاعة المحاضرات الكبرى، بمشاركة ربيعة جلطي، حبيب السايح، ومصطفى بن فوضيل، تحت إدارة مصطفى فاسي. تجمع هذه المنصة ثلاثة أصوات أدبية جزائرية مختلفة الرؤى والأساليب، لكنها تتقاطع في سعيها إلى فهم جوهر الكتابة. تمثّل ربيعة جلطي صوتًا أنثويًا متفرّدًا يزاوج بين الغنائية والجرأة، تستكشف من خلاله الجسد والروح والهوية الجزائرية. أما حبيب السايح، فيقدّم سردًا متأملًا في التاريخ واللغة والذاكرة، في حين يعبّر مصطفى بن فوضيل عن جيل جديد من الكتّاب الذين يوظّفون الأدب كوسيلة لطرح الأسئلة السياسية والوجودية، بأسلوب ساخر ومجزأ يعبّر عن انكسارات المجتمع وتحولاته.